لم يكن من الممكن أن يمر ترشيح الفيلم المصري «سهر الليالي» لجائزة الأوسكار ضمن مجموعة الأفلام الأجنبية المشاركة في التصفيات هذا العام، من دون أن نلقي الضوء على حصاد السينما المصرية عن عام مضى قدمت خلاله أكثر من 17 فيلما سينمائيا لمعظم نجوم السينما على اختلاف أجيالهم.
وعلى رغم أن الفيلم خرج من التصفيات قبل النهائية بعد أن تخطى 45 فيلما مشاركا، إلا أن حلم فوز أي فيلم مصري أو عربي بإحدى جوائز الأوسكار العالمية، يظل هاجسا أكثر منه حلما بعد أن أصبح تحقيقه بعيد المنال في ظل الأوضاع غير الجيدة التي تشهدها صناعة السينما في مصر الآن، فهل كان «سهر الليالي» هو الرابح الوحيد من السينما المصرية في العام الماضي؟
كشف حساب السينما المصرية في العام الماضي حمل الكثير من المفاجآت التي اختلف عليها النقاد الفنيون ما بين مؤيد ومعارض كخطوة مهمة لإصلاح مسار السينما المصرية بشكل عام حتى تتمكن من أن تخرج من كبوتها وتلحق بالجوائز ولو في البعد العربي منها على الأقل.
«سهر الليالي» كان فيلما مختلفا في كل شيء، إذ اعتمد في بطولته على ثمانية نجوم (حنان ترك، منى زكي، أحمد حلمي، شريف منير، خالد أبوالنجا، علا غانم، فتحي عبدالوهاب وجيهان فاضل)، وعلى رغم انه ليس فيلما كوميديا وهي النغمة السائدة الآن في السينما المصرية ولم يحمل أيضا شعار «السينما النظيفة» التي يحاول البعض اللعب على أوتارها بحجة أنها «السينما العائلية»، إذ يناقش قضايا اجتماعية حساسة قد تحمل شعار «للكبار فقط»، إلا أن الفيلم فاق كل التوقعات وحصد أكثر من ثمانية ملايين جنيه مصري (486 ألف دينار بحريني) كإيرادات جماهيرية، وهو رقم كبير لفيلم ليس به رقص أو «إفيهات» فكاهية، وحتى الأغنية الوحيدة بالفيلم كانت للفنانة فيروز، والتي حملت أغنيتها اسم الفيلم نفسه، وهو ما جعل النقاد يشيدون به فنيا لأنه لم يلعب على مناطق الجذب الجماهيري المتعارف عليها، بل قدم قصة جيدة وبطولة جماعية مميزة وإخراجا متمكن.
«عام الضحايا»، هو لقب العام الماضي للسينما المصرية والذي أطلقه النقاد على كل من جازف واشترك بأي فيلم، وتحديدا في فترة الصيف والتي تشهد تزاحما شديدا بين النجوم لحجز مكان لهم على خريطة الصيف السينمائية لضمان الإيرادات، حتى وان وصل هذا التزاحم إلى حد المعارك المعلنة وغير المعلنة أيضا.
ففي الموسم الماضي شهدت دور العرض السينمائية حوالي 17 فيلما تزاحمت بشكل أساسي على شهور الصيف الثلاثة، بعضها مر مرور الكرام، لم يشعر بها أي من النقاد أو الجمهور مثل أفلام «هروب المومياء»، لماجد المصري ونيللي كريم، و«قصاقيص العشاق» لنبيلة عبيد وحسين فهمي، وهو الفيلم الذي تم تأجيل عرضه لما يزيد عن الخمس سنوات لعدم وجود دور عرض تقبله مع الزحام الإنتاجي كل عام، كما شهد الفيلم عند عرضه مشكلات حادة بين نجميه ومنتج الفيلم هاني فوزي، لعدم وضع اسمه على «افيش» الفيلم بالصورة اللائقة بتاريخه الفني، أما فيلم «فيلم هندي» لأحمد آدم فلم يكن أفضل حظا، إذ شهد أيضا معارك كبيرة بين جهة الإنتاج ونجم الفيلم بسبب اسم الفيلم الذي كان يريد احمد آدم تغييره أكثر من مرة لكن المنتج رفض ذلك بشدة معتبرا ذلك تدخلا ليس من حق آدم ومع ذلك لم ينجح الفيلم جماهيريا، كما جاء فيلم «كلم ماما»، والذي شهد بطوله أربع نجمات شابات (منى شلبي، مي عز الدين، دنيا، مها احمد) بالإضافة إلى بطلة العمل الأولى الفنانة عبلة كامل، ضعيفا في المستوى الفني، إذ اعتمد بشكل كبير على مجموعة من «الايفيهات» والأغاني الخفيفة وكوميديا مفتعلة لم تضف أي شيء لبطلات الفيلم، هذا إن لم تكن قد سحبت من رصيدهن عند الجمهور الذي لم يتفاعل مع أي منهن في دورها.
فيلم «عايز حقي» لهاني رمزي والتونسية هند صبري، كان على رأس «ضحايا» الموسم السينمائي بالفعل، فعلى رغم أن رمزي لم يحرق نفسه فنيا سعيا وراء أفلام لا تقدم شيئا إلا مجرد «اسكتشات» ضاحكة، وكانت فكرة الفيلم جيدة وتستحق الإشادة، إلا انه كان ضحية حرب الموزعين الذين يحاولون الربح بأي طريقة، فتم رفع الفيلم بعد أسبوع واحد من عرضه لصالح فيلم نجم الكوميديا محمد هنيدي وفيلمه «عسكر في المعسكر» والذي راهن عليه الكثيرون لصالح هنيدي حتى يخرج من مأزق تعثر آخر أفلامه «صاحب صاحبه» والذي لم يحقق أي إيرادات تذكر.
وعلى رغم أن فيلم هنيدي لم يكن ضحية، بل تمت التضحية بأفلام كثيرة من اجله حتى يحتل اكبر قدر من دور العرض، إلا أن إيراداته جاءت ضعيفة ولم تتجاوز سبعة ملايين جنيه في وقت كان بإمكانه أن يتخطى حاجز الـ 15 مليون جنيه مثل فيلمه «صعيدي في الجامعة الأمريكية» مثلا، وقد جاء هبوط إيرادات هنيدي لأنه لم يقدم الجديد الذي يبهر الجمهور بعد أن تعود على طريقة أدائه، فتركه وذهب لأبطال آخرين اقل منه نجومية.
أما إيرادات فيلم «التجربة الدنماركية» لنجم الكوميديا عادل إمام واللبنانية نيكول سابا فلقد كانت بمثابة حائط السد المنيع الذي أوقف طوفان الهجوم على إمام والذي بدأ منذ أول يوم في تصويره، إذ أكد الكثيرون أن «عهد عادل إمام» قد ولى وعليه أن يلزم منزله بعد أن اكتسح النجوم الشباب الساحة، ولم يعد في جعبته الجديد ليقدمه، إلا أن فيلم «التجربة الدينماركية» اثبت لمناوئيه أن إمام مازال نجما ذا رونق خاص وان جماهيره مازالت تنتظر منه الكثير.
محمد سعد وفيلمه «اللي بالي بالك» كان رهان الموسم الأقوى، خصوصا بعد أن حقق فيلمه الشهير «اللمبي» إيرادات تجاوزت 27 مليون جنيه (1,64 مليون دينار بحريني) وهو ما جعل الجميع يتوقع أن نجاحه مجرد فقاعة في الهواء سرعان ما ستتلاشى ولكن «اللي بالي بالك» يعد اكبر إيرادا في الموسم الماضي وهو 13 مليون جنيه، وهو رقم لا بأس به إذا ما قورن مع حجم الأفلام المطروحة للعرض ومدة بقائها في دور العرض أيضا.
وعلى رغم وفرة عدد الأفلام المطروحة العام الماضي في دور عرض السينما المصرية والعربية أيضا، فإن أفلام العام 2003 حققت خسائرة فادحة تجاوز إجمالها 100 مليون جنيه (ستة ملايين دينار بحريني)، إذ أجمع المنتجون على أن إجمالي إنتاج هذه الأفلام تجاوز 80 مليون جنيه، بينما الإيرادات التي حققتها جميعها لم تتعد 70 مليون جنيه، ومن المفترض أن تحقق إيرادات على الأقل 170 مليون جنيه حتى تعتبر أفلاما رابحة.
وقد ارجع المنتجون هذه الخسارة الفادحة لارتفاع كلفة الإنتاج بشكل كبير خصوصا مع انخفاض سعر الدولار الأميركي في مصر بنسبة كبيرة، كما أن النجوم أصبحوا يبالغون في أجورهم بشكل وصفوه بـ «الهستيري» على حساب المنتج، وقد وصل اجر بعضهم إلى خمسة ملايين جنيه مثل هنيدي في فيلمه الأخير.
السينمائيون المصريون الآن عاكفون على الاستعداد للموسم الذي سيطرق الأبواب قريبا، وستبدأ جولة أخرى من الصراعات والتزاحم على دور العرض، وسيتبين للقارئ الأكثر حصافة وضع السينما المصرية وجمهورها
العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ