يقولون لي: لماذا تنتقد بعض الأخطاء؟ أقول لهم: لأني أؤمن بالمشروع الإصلاحي، لذلك أدعو إلى التغيير والدولة الحديثة، لإيماني أن الإصلاح يقابله الفساد لغة واصطلاحا وحتى في الأعراف السياسية... لهذا نحن نعمل على كنس هذه الزبالة السياسية المتمثلة في الفساد، والتي تتراكم في شوارعنا السياسية، ولا يمكن أن يكون ذلك إذا أصبحت الصحافة سكرتيرة للوزير أو خادمة تلمع شواربه وتسرح شعره وترتب نسفته وعقاله كل صباح. الصحافة يجب أن تكون مخيفة ترصد الحادث، وتلاحق الفساد، وتدخل كل وزارة، تبحث عن المستندات والوثائق والحقائق التي تتستر على الفساد. وليس هناك أحد فوق النقد.
كان الصحافي في السابق مطالبا بكنس الشارع الذي يمر عليه الوزير ومطالبا أيضا بأن يغني موالا أمام سعادته كلما رآه، فربما يغفر له ليبقيه في الوظيفة. وأصبح المثقف كسمكة السردين معلبا ومحنطا في ثلاجة المسئولين. أما اليوم، فما نهدف إليه هو رفع السقف وصناعة مناخ ناقد مسئول يخلق جوا شبيها بالصحافة الغربية التي يخطب الوزراء هناك ودها... الصحافة بلا أسنان صحافة بلاستيكية لا تصلح، وصحافيوها يصبحون كأسماك الزينة في مصحة المجانين، كذلك الأمر بالنسبة إلى النواب. وأضحكتني كثيرا بعض الردود التي عرضت في الصحافة للجنة الخدمات في عملية تبريرها لما حدث لملف التقاعد ولا نستطيع أن نقول إلا: سبق السيف العذل... والتقرير لم يكن موفقا. لا يوجد أحد لم يطّلع على المستندات والوثائق وقمنا بعرضها في الصحافة، وبنينا آمالا على بعض النواب، لكن تعجبنا كثيرا من الموقف، فالبشوت بقيت، والأصحاب لم يذهبوا إلى بيوتهم... أين هي حكايات صابروف؟ أين هي كل هذه المواقف؟ بإمكان بعض النواب تصحيح الموقف بالإجماع على عملية سحب الثقة، وليس عيبا أن يخطئ الإنسان في تقدير الموقف، ولكن بإمكانه مراجعة ما حدث... وهذا ما نتمناه. لقد عمّ الإحباط الشارع العام بسبب المواقف التي حدثت في ملفي التجنيس والتقاعد... وسؤالنا: من الذي يدفع باتجاه كفر الناس بالبرلمان غير هذه المواقف؟ بإمكانكم الاستجواب ومن ثم طرح الثقة، ولكن كل ذلك لم يحدث، وبعد ذلك يتم العتاب! أليس ملفا التقاعد والتجنيس أهم من تلك الموضوعات التي أقيمت لها الدنيا ولم تقعد؟ هل المعارضة هي التي تدفعكم أيها النواب إلى تلك الاقتراحات الضعيفة؟ وانظر إلى المقترحات: ما دخلنا بشم الغراء أو قضية المنقبات أو سواقة السيارات أو مسألة إطلاق اللحية للموظفين؟ أيهما أهم، سحب الثقة من وزير المالية بعد احتراق الملف شعبيا ووثائقيا أم قضية العيدية؟ لقد استهلكتم فترات وأوقاتا مضت من أعمار الناس على قضايا هامشية من قبيل إضافة «بن» إلى أسماء النواب أو فرض إضفاء «معالي النائب» أو «سعادة النائب» أو الحصول على بشت أو علاوة بشت أو قضية ازعاج المواكب أو إدخال كتاب للمذهب الفلاني أو العلاني لدغدغة المشاعر و... إلخ. ولما جئنا للقضية الأهم صمت البعض صمت القبور في الليلة الظلماء. ولما جئنا لملف التجنيس اللاقانوني خلطت الأوراق وأصبح من المهازل أن يحاسب بعض النواب، وراح الجمع يجيش الجيوش من كتّاب وكاتبات، وبين عشية وضحاها وإذا بنا نفيق ذات صباح وإذا الجمع يرقص فرحا بملف التجنيس: إنه أمر واقع ولابد من التعايش، حتى خلنا أن مباركة من الله نزلت على الملف ورحنا نبحث عن نبي... وعجبي يزداد من هذه القواعد الشعبية: لماذا صمتت أمام نوابها على رغم أنها الأكثر تضررا؟ إن التجنيس غير القانوني سيقف في حنجرة الشعب كشوكة مستحيلة البلع، فحب النخلة له أصوله، والإنسان لا يمكن أن يدس في التراب دسا مادامت الأرض ليست أرضه. وأركز هنا على التجنيس غير القانوني أما القانوني المنصف فهو أمر وطني مادام يصب في صالح المجتمع، أما بعض الكتابات التي راحت تلون الحادث بالطلاء الذهبي المزيف، فلابد أن يذوب ذات صباح أمام شمس الحقيقة... هذا النقيق الصحافي مازال يثقب آذان النخلة والبحر والأرض كل صباح، ولابد للنخلة والبحر والأرض أن تصدح بالحقيقة. وما أجمل مظفر النواب حينما راح يعيب على المثقفين مواقفهم قائلا:
والنملة تعتز بثقب الأرض
أما أنتم... لا تهتز لكم قصبة
إشارات
1- لماذا لم يعط مبنى جمعية سترة الاستهلاكية سابقا لصندوق سترة الخيري للاستثمار، حتى لا يتلف مثل ما تلف مبنى البريد؟
2- يا وزارة التربية: لماذا يتم تقديم المدرسين العرب في دورات مايكروسوفت وكثير من المدرسين البحرينيين «مكانك سر»؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ