العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ

إدارة بوش استخدمت ثقلها لتمرير خطتها في العراق

في ضوء تشكيل الإبراهيمي الحكومة الجديدة

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

تشير الطريقة التي تم فيها تشكيل مؤسستي الحكم العراقي، وهما رئاسة الدولة والحكومة الانتقالية وفق اتفاق نقل السلطة إلى عراقيين الذي جرى إقراره في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى أن الأمور جرت وفق رغبة سلطة الاحتلال الأميركي في العراق التي يترأسها بول بريمر، وأنه على رغم نفي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، فإن الكثير من المؤشرات تدل على أن واشنطن استخدمته مظلة لذلك.

وتعزو مصادر سياسية ودبلوماسية هذا الرأي إلى أن عملية نقل السلطة كما كان يروج لها كانت تتطلب أربع خطوات مترابطة تدعو إلى أن تكون كالآتي:

المسئولية السياسية عن الفترة الانتقالية ينبغي أن تسلم إلى الأمم المتحدة من خلال مبعوث خاص لديه صلاحيات مناسبة، إذ ينبغي أن تشمل هذه السلطات المقدرة على تعيين حكومة مؤقتة (خاضعة فيما بعد للرفض من قبل الجمعية الاستشارية المقترحة)، وبعد 30 يونيو/ حريزان الجاري ينبغي أن تشمل بعض السلطات المعينة للإشراف على العملية السياسية وفسر حال الجمود بين المؤسسات العراقية والتصرف ككابح للقرارات التنفيذية التي قد تتجاوز التفويض المحدود المعطى لها أو في حال وجود إجماع واسع في الآراء بين العراقيين الموافقة على قانون إدارة الدولة المؤقت.

وكان بدا أن الأمم المتحدة القلقة، لأنها تفتقر إلى القدرة وتخشى أن تضع نفسها في موضع الفشل، مترددة بصورة ظاهرة في لعب هذا الدور الأخير، إذ إن الحكومة العراقية المؤقتة بعد 30 يونيو الجاري لن تمارس بوضوح سلطة كاملة، ولا يريدها المرجع الديني السيدعلي السيستاني وآخرون -الذين أعلنوا أنهم يوافقون عليها بشروط - أن تقوم بذلك. وأن السلطات الممنوحة لمبعوث الأمم المتحدة الخاص ستكون فقط تلك السلطات التي تحتاجها الولايات المتحدة من أجل تحقيق أقصى قدر من الاستقرار واحتمالات إجراء انتخابات وطنية ومحلية في يناير/ كانون الثاني 2005. وستتمتع الأمم المتحدة بشرعية أكبر بكثير من الولايات المتحدة في تحقيق هذا الدور، وحتى بذلك فإنه ينبغي استخدام تلك السلطات بحذر وفي أدنى الحدود. وإن المراقبة الحقيقية للقرارات الحكومية قد تحصل بسبب بنيانها الرئاسي (الرئيس، نواب الرئيس ورئيس الحكومة).

ينبغي أن يعين المبعوث الخاص للأمم المتحدة حكومة مؤقتة من خبراء تكنوقراط ما يشير إلى ابتعاد عن مجلس الحكم المؤقت (الذي عينته سلطة الاحتلال) في مسلكه وعضويته، وستكون حكومة انتقالية بصورة أساسية تقوم بتسيير الشئون اليومية للبلاد، مع تركيز جهودها على النظام العام وإعادة البناء الاقتصادي والخدمات العامة والإعداد لانتخابات عامة مع مشورة ومساعدة المبعوث الخاص للأمم المتحدة.

غير أن الطريقة التي جرى فيها تشكيل مجلسي الرئاسة والحكومة الانتقاليين جعل الكثير من العراقيين يعتقدون بأن القائمين على المسئولية اليوم سيعملون كل ما يستطيعونه لإطالة أمد حكمهم في الغد وأن سياسيين غير منتخبين سيتخذون قرارات لها تأثير طويل المدى، وأن القادة السياسيين في الحكومة الانتقالية المحددة الصلاحيات بدقة التي لا تخضع لمراقبة الأمم المتحدة كما كان ينتظر لن يساعدوا في تبديد هذه المخاوف وفي تقديم الخطوط العريضة لخطة الإبراهيمي التي تحدثت عن حكومة انتقالية لتصريف الأمور اليومية الحياتية مشكلة من أناس ذوي كفاءة وتماسك، لنرى أن سلطة الاحتلال أدخلت في عضويتها الكثير ممن كانوا مرتبطين مع الإدارة الأميركية ويتلقون الدعم المالي منها خلال فترة وجودهم خارج العراق في إطار أنشطتهم المعارضة لنظام حكم الرئيس المخلوع.

ومن أجل توزيع المشاركة السياسية ينبغي الدعوة إلى مؤتمر وطني للعراقيين لانتخاب جمعية استشارية، وفي الحد الأدنى ينبغي لهذه الجمعية أن تتمتع بصلاحية رفض الحكومة الجديدة وأية مراسيم تكون قد أقرتها. وإذا رفضت الجمعية الحكومة فستكون من مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة اقتراح حكومة أخرى، وإذا رفضت الجمعية مرسوما حكوميا ورفضته ثانية بعد إعادة تقديمه بشكل معدل فعندها يتدخل المبعوث الخاص كحكم للتغلب على حال الجمود.

ومنذ إطاحة قوات الاحتلال الأميركي بنظام حكم البعث افتقر العراق إلى التماسك السياسي، وفي الوقت الذي حاولت فيه الولايات المتحدة إدارة العملية السياسية أقامت المجموعات الفردية اتفاقات منفصلة مع سلطة الاحتلال التي عملت في كل مواجهة على احتواء الموقف بتقديم تنازلات كما حدث في الفلوجة والنجف. وإن المؤتمر الوطني المقترح يمكن أن يكون خطوة أولية مهمة باتجاه إيجاد معنى من العمل الجماعي وإيجاد برنامج سياسي عام ينهي العنف ويلزم المشاركين فيه بالعمل من أجل نظام سياسي ديمقراطي. والحاجة تدعو إلى إشراك الزعماء الدينيين والقبليين للسنة وأنصار مقتدى الصدر الذين يشعرون بأنه تم استبعادهم، بغض النظر عن معارضتهم للاحتلال.

وطبقا لاقتراح الابراهيمي فإنه بعد تشكيل الحكومة الانتقالية يجري عقد المؤتمر الوطني وانتخاب الجمعية الاستشارية. وهو أمر يبعث على القلق لدى بعض العراقيين، فاختيار حكومة وحرمان هذه الهيئات من أي دور في تشكيلها قويض صدقيتها حتى قبل أن تبدأ، ولكن قلق الإبراهيمي له ما يبرره بأن عكس ذلك قد يوفر إقامة حكومة ويؤدي إلى تسييسها إلى حد كبير، وهذا ما حدث عندما ألقت سلطة الاحتلال بكل ثقلها لفرض التشكيلة الحالية للحكومة الانتقالية التي أعلنت الأسبوع الماضي.

ينبغي إعادة تحديد الترتيبات الأمنية عن طريق قرار يتخذه مجلس الأمن يعيد إعطاء تفويض لقوة احتلال بصيغة «قوة متعددة الجنسية» بقيادة الولايات المتحدة اعتبارا من 30 يونيو الجاري إلى حين تولي حكومة منتخبة السلطة واتخاذ قرار بشأن مستقبل هذه القوة، ولكن ذلك يتطلب موافقة مشتركة من القيادة الأميركية والحكومة العراقية الانتقالية من أجل صد أية عمليات هجومية رئيسية. وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة الانتقالية إياد علاوي، ووزير خارجيته هوشيار زيباري، أنهما مع بقاء قوات الاحتلال الأميركي في العراق إلى حين استتباب الاستقرار فإن الإدارة الأميركية أكدت أن قرارات العمليات العسكرية لقواتها في العراق أمر يعود لها فقط. كما تريد الولايات المتحدة تحويل احتلالها ووجودها العسكري في العراق إلى وجود «تعاقدي» تشرعه الحكومة الانتقالية الحالية أو المقبلة في أعقاب انتخابات يناير المقبل.

وفي الوقت الذي يرى فيه محللون وخبراء أن وجود قوة دولية ضرورة حتمية خلال الفترة الانتقالية، فإن حوادث الفلوجة والنجف وأماكن أخرى أوضحت أن العمليات العسكرية الأميركية الرئيسية لها آثار عكسية محتملة ما لم تتم بتأييد محلي مهم. وإذا كان 30 يونيو سيشتمل على أي نقل للسلطة إلى العراقيين، ولا تكون سلطة مفرغة من أي مضمون وتجميلية فإنه لا بد أن يكون هناك بعض العناصر الخاصة بالقرارات الأمنية الرئيسية.

ومن الواضح أن الأمور العملياتية المتعلقة بحماية القوات والردود التي تفرضها الحوادث الفورية يجب أن تظل من مسئولية القيادة الأميركية وحدها، ولكن عندما تكون هناك مسائل ذات خيارات استراتيجية وتقوم القوة الدولية بعد التداول، فإن من الممكن والضروري - بحسب رأي خبراء ومحللين - بعد أن تم تشكيل الحكومة والرئاسة العراقية الانتقالية بدور ضئيل من المبعوث الخاص، أن تتفق الولايات المتحدة وحلفاؤها في قوة الاحتلال ومجلس الأمن على الآتي:

1- الاتفاق بأسرع ما يمكن على قرار جديد لمجلس الأمن يضع السلطة الرئيسية والمسئولية لدى المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتقديم المشورة والمساعدة والمراقبة بشأن الفترة الانتقالية بسلطات كما هي محددة هنا.

2- أن يقدم المبعوث الخاص لفترة ما قبل 30 يونيو بعد تشكيل الحكومة الانتقالية المشورة والمساعدة والإعداد للانتخابات، وإقرار ملحق لقانون إدارة الدولة المؤقت.

3- إعطاء المبعوث الخاص للفترة ما بعد 30 يونيو سلطات من بينها الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني والإشراف على اختياره جمعية وطنية، واقتراح حكومة جديدة في حال رفض الجمعية الاستشارية الحكومة المعينة في الأصل

العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً