في البدء لابد لي أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى الأخ منصور الجمري على جهوده الإعلامية الواضحة واهتمامه بظاهرة العمالة السائبة وضرورة محاربتها، إذ يصبّ هذا السعي في الأهداف نفسها التي نسعى إلى تحقيقها.
وانطلاقا من هذا الهدف الذي أجدني مشتركا فيه مع هذا التوجه لمحاولة بلوغه أبني فقرات هذا المقال تعليقاَ على مقال الجمري الذي جاء على حلقتين في عددي يومي الثلثاء والأربعاء 1و2 يونيو/ حزيران الجاري في صفحة «قضايا»، في الحلقة الأولى تحت عنوان «سرطان العمالة السائبة» والحلقة الثانية تحت عنوان «العمالة الهاربة والسائبة والري يزا».
بدأ الجمري المقال بوصف ظاهرة العمالة السائبة بأنها سرطان وهذا أمر أتفق معه عليه، إذ إن هذه الظاهرة تتسبب في الكثير من المشكلات التي تواجهها البلاد، ونحن في وزارة العمل والشئون الاجتماعية مسئولون وموظفون أولينا هذه المشكلة اهتماما كبيرا تناولناه بالبحث والتمحيص، وقد تعرفنا على طبيعة وتركيبة العمالة السائبة، إضافة إلى أسباب الظاهرة، ولتوضيح الصورة أمام الناس جميعا فإننا نود أن نبين أننا ننظر إلى فلسفة التعامل الحالي والمستقبلي مع هذه الظاهرة عبر الاعتبارات الآتية:
أولا: إن القيادة في مملكة البحرين بدءا بجلالة الملك المفدى مرورا بسمو رئيس الوزراء الموقر وسمو ولي العهد الأمين ومن ثم المسئولين بالوزارة مصرون على مواجهة هذه الظاهرة، وقد أعطيت شخصيا الصلاحية كاملة لاتخاذ الإجراءات التي تكفل القضاء على ظاهرة العمالة السائبة تأكيدا للوعي بمدى خطورة هذه الظاهرة على المجتمع والاقتصاد.
ثانيا: هناك توصيات وتوجيهات واضحة وصارمة بأن وزارة العمل هي وحدها المسئولة عن استجلاب العمالة وذلك بحسب اتفاق مع وزارة الداخلية من خلال وكيل الوزارة لشئون الهجرة والجوازات الأخ الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة، لذلك فإن كل الطلبات تحال إلى وزارة العمل، ولم أعرف عبر الأشخاص وأصحاب الأعمال الذين يتقدمون إلى الوزارة طلبا لرخص العمل أن هناك عدم التزام من قبل الهجرة والجوازات بالاتفاق الذي تم بين الوزارتين والذي يقضي باقتصار منح تصاريح العمل على وزارة العمل والشئون الاجتماعية، مستندين في ذلك إلى المادة (3) في الباب الثاني من قانون العمل في القطاع الأهلي، إذ تنص المادة على الآتي: «يحظر على صاحب العمل استخدام عمال غير بحرينيين ما لم يكن حاصلا على تصريح عمل من وزارة العمل والشئون الاجتماعية. ولا يُستثنى من أحكام هذه المادة العمال المذكورون في الفقرات 2، 3، 4، 5، 6 من المادة (2) من القانون. ويصدر وزير العمل والشئون الاجتماعية القرارات المنظمة لشروط الحصول على تصاريح لعمل للأجانب ومدتها وإجراءات تحديدها والرسوم المستحقة عنها وكذلك حالات وقف تجديد التصريح أو سحبه قبل انتهاء مدته وحالات الإعفاء من شروط الحصول على التصريح».
ثالثا: نعتمد على مبدأ أساسي في عملنا الرامي إلى مواجهة هذه الظاهرة وهو أنه لا يوجد متنفذ أو صاحب صلاحيات، خارج إطار المحاسبة القانونية إذا ما تم كشف تورطه في التعامل مع العمالة السائبة سواء استخدامه لهم أو جلبه العمالة وتسريحها في السوق، إذ إننا نعتبر هذا الأمر من قبيل الاتجار بالأفراد الذي تجرّمه القوانين المحلية والدولية.
رابعا: تم قبل عام ونصف العام تشكيل فريق عمل مشترك بين وزارة العمل والشئون الاجتماعية ووزارة الداخلية، يرأس الفريق من جانب وزارتنا الوكيل المساعد لشئون العمل صادق عبدالكريم الشهابي، ومن جانب وزارة الداخلية العميد محمد النعيمي، وقد وضع هذا الفريق المختص خطة عمل محكمة لتنفيذ حملات مشتركة لمداهمة المواقع التي يتوقع أن تُوجد فيها العمالة السائبة ولن يتم استثناء أي موقع خلال هذه الحملات، ومن المتوقع أن تبدأ المداهمات والحملات التفتيشية المشتركة اعتبارا من الأسبوع المقبل، وأستطيع أن أقول إننا في الوزارة عبر قسم التفتيش العمالي قمنا بتنظيم زيارات تفتيشية عدة منذ مطلع العام الجاري حتى الآن نتج عنها إحالة (41) قضية إلى الجهات القانونية لاتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة تجاه أصحاب الأعمال المستخدمين للعمالة السائبة والمتاجرين فيها، وهناك أمثلة كثيرة لعمليات تسفير وإحالة إلى النيابة العامة قامت بها الوزارة ضمن الجهود الرامية إلى مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، نرى أنه لا داعي لذكرها هنا احتراما لمبدأ عدم التدخل في قضايا لم يحسمها القضاء بعد.
خامسا: دعم مجلس الوزراء للجهود المبذولة لمحاربة هذه الظاهرة، إذ وافق على إنشاء صندوق مشترك لتمويل شراء تذاكر السفر للعمالة المخالفة المراد تسفيرها والتي لا توجد معلومات أثناء القبض عليها عن كفلائها، إذ سيحل هذا الصندوق مسألة كادت أن تكون عقبة أمام اتخاذ إجراء سريع تجاه تلك العمالة.
كما وافق مجلس الوزراء الموقر على اعتماد نظام البصمة الإلكترونية في التعامل مع العمالة القادمة إلى البلاد، إذ إن هذا النظام سيوفر المعلومات الكفيلة بتسهيل التوصل إلى المخالفين من أصحاب الأعمال إذا ما تم القبض على العمالة التابعة إليهم والتي يُتاجر بها في السوق.
سادسا: نعتمد كغطاء قانوني على الأمر الملكي بمرسوم بقانون رقم (8) لسنة 2002 الخاص بتعديل بعض أحكام قانون العمل في القطاع الأهلي والذي جاء في نص مادته الأولى الآتي: «يعاقب كل من يخالف أحكام المواد (3، 4، 7) والقرارات الصادرة تنفيذا للمادتين (3، 4) بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور ولا تزيد على ستة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسمئة دينار ولا تتجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتتعدد عقوبة الغرامة بتعدد من وقعت في شأنهم المخالفة، وبالإضافة إلى العقوبة السابقة، يحكم أيضا في حال مخالفة أحكام المادة (7) بإلزام صاحب العمل بدفع مصروفات إعادة العامل الأجنبي التي يحددها عقد العمل أو الجهة التي أبرم فيها عقد العمل أو الجهة التي قدم منها أو إلى بلده الذي ينتمي إليه بجنسيته إذا تعذرت عودته إلى أيٍّ من الجهات السابقة، فإذا تخلف صاحب العمل عن سداد المصروفات المشار إليها يحكم باستيفائها طبقا للقانون.
كما يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور ولا تزيد على ستة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسمئة دينار ولا تتجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل صاحب عمل حصل على تصريح لاستخدام عمال غير بحرينيين من وزارة العمل والشئون الاجتماعية، ثم ثبت اشتغالهم لدى صاحب عمل آخر من دون موافقة وزارة العمل والشئون الاجتماعية والإدارة العامة للهجرة والجوازات وتتعدد عقوبة الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت في شأنهم المخالفة.
إن عملية الاتجار بالأفراد تعتبر جريمة يحرمها القانون البحريني والقوانين الدولية، وهي خطيئة كبرى ليس في حق هؤلاء الأفراد فقط بل في حق الوطن والمواطنين، واحتراما للقانون وتحقيقا لمبدأ العدالة لن يكون في عملنا وجهودنا الرامية إلى مواجهة هذه الظاهرة أحد فوق القانون، ولو واجهتُ قضية أُمنَعُ فيها - كوزير - من تنفيذ القانون لما سكتُّ عنها ولواجهتها وواجهتُ من يحاول منعي من مواجهتها من دون هوادة.
وعلى صعيد آخر، تصحيحا للصورة التي قد يكون جانب منها غير واضح للناس، نود أن نوضح أن المُشاع عن المتسببين في مشكلة ظاهرة العمالة السائبة هم المتنفذون وأصحاب السلطات في البلد فقط، إلا أننا ونتيجة للبحث والتقصي وجدنا - للأسف - أن هناك عددا لا بأس به من المواطنين يملكون سجلات غالبيتها مؤجرة على أجانب، متورطين في جلب العمالة والمتاجرة بها، وهذا ما يؤكد أن هذه الظاهرة يساهم في استشرائها مختلف الفئات وليست مقصورة على فئة معينة كما يعتقد الغالبية.
إنني أنظر إلى مشروع محاربة العمالة السائبة على أساس أنه يتطلب جهدا جماعيا وحسا وطنيا، لذلك فإنني أدعو الصحافيين والكتاب كافة إلى مساعدتنا عبر طرح هذا الموضوع ضمن كتاباتهم ومتابعاتهم، لأن هذا هو السبيل الوحيد ليكون الموضوع شفافا ويفي بمطلب أن تكون الصورة واضحة للناس جميعا.
وأود أن أطمئن الجميع إلى أننا ماضون في مشروعات التصدي ومحاربة هذه الظاهرة التي - كما قال الجمري - «إنها سرطان بإمكانه القضاء على أية فرصة لنمو الاقتصاد البحريني نموا سليما»، كما أننا لن نسمح بوجود أية عقبة مهما تكن أن تقف أمام التطور الاقتصادي لبلادنا، طالما هي في حدود صلاحياتنا وضمن الواجبات المنوطة بنا
إقرأ أيضا لـ "مجيد العلوي"العدد 638 - الجمعة 04 يونيو 2004م الموافق 15 ربيع الثاني 1425هـ