المستهلك وحده هو من يدفع ضريبة التلاعب في السوق، فعلى رغم كونه يعتقد أنه صاحب القرار في تحديد الخطة الشرائية في معظم الأحيان، فإن الحقيقة تؤكد أنه كثيرا ما يخضع لإغراءات السوق، ويصبح فريسة، وصيدا ثمينا للعروض التنافسية، التي تبذل كل ما في وسعها من أجل جذب هذا المستهلك الذي تتصارعه الرغبة الشرائية من جانب، والراتب الذي لا يمكن أن يفي بكل هذه المتطلبات اليومية من جانب آخر، إذا كلنا بحاجة إلى تخطيط شرائي يجنبنا هذا الصراع الذي لا يتوقف وقد يجرنا إلى متاهات لا يمكن الخروج منها.
مساعد المدير العام في بنك البحرين والكويت جمال هجرس يرى أن الوعي هو أساس الحماية ويعبر عن ذلك بقوله: «هناك عوامل تتعلق بأمور مصرفية لابد أن يكون الزبون على وعي بها، نظرة واحدة إلى المواطن كفيلة بأن تكشف عن حجم الضغوط التي يعاني منها، وخصوصا في ظل مواجهته لعروض كثيرة من القروض الشخصية والعقارية، والحديث عن هذه العروض يتردد كثيرا سواء كان هذا على مستوى المصارف أو على مستوى الحكومة، أو على مستوى مجلس الشورى، وهناك عدة عوامل لابد أن يعيها المواطن قبل التقدم بطلب قرض، المفروض أن يقوم بجولة على المصارف المختلفة، لمعرفة المعلومات كافة عن هذا القرض، ولأننا نعيش في زمن التقنيات الحديثة فهذه الجولة لا تتطلب أن يذهب الزبون إلى المصارف، ولكنه يستطيع الاتصال على (الكول سنتر) ويحصل على جميع المعلومات التي يحتاج إليها، ولابد أن يعرف بداية سعر الفائدة لقرضه في هذه المصارف، لان سعر الفائدة يختلف من المصارف التجارية عنها في المصارف الإسلامية، ثم يعرف كيف تحتسب الفائدة، الفارق بين المصارف التجارية والمصارف الإسلامية في احتساب سعر الفائدة، على سبيل المثال إذا اقترض شخص 10 آلاف دينار من بنك تجاري، وكان سعر الفائدة 8 في المئة والقسط الشهري 300 دينار، فهذا يعني أن الفائدة ستحتسب في الشهر الأول على 10 آلاف دينار، ثم ستحتسب في الشهر الثاني على 9700 دينار بعد دفع القسط، ثم في الشهر الثالث على 9400 دينار، وهكذا، تحسب سعر الفائدة على المبلغ المتناقص شهريا، أما في المصارف الإسلامية فإذا كان سعر الفائدة في المصارف الإسلامية 4 في المئة، والزبون لا يمتلك الوعي الكافي لمعرفة كيف تحتسب الفائدة، هنا يظن أن هناك فارق كبير في مبلغ الفائدة بين المصارف الإسلامية، والمصارف التجارية، والواقع أن هذا ليس صحيحا لأن المصارف الإسلامية إذا أرادت أن تحتسب الفائدة تأخذ المبلغ كاملا وتضربه في 4 في المئة وفي عدد السنوات، وفي النهاية يجد الزبون أن المبلغ الذي يدفعه للفوائد في المصارف التجارية والإسلامية متقاربة جدا، وأحيانا يكون المبلغ الكلي الذي يدفعه الزبون للفوائد في المصارف التجارية أقل من المصارف الأخرى، وإن لم يكن أقل فهو في معظم الأحيان ليس أكثر منها».
معاملات فنية
ويضيف: «عندما يتعامل الزبون مع المصارف يتعامل مع معاملات فنية، ولذلك فلابد أن يحرص على معرفة كل التفاصيل الخاصة بقرضه، ويسأل عن كل هذه التفاصيل، ومنها المصاريف الإدارية، وهي المصاريف التي يسددها الزبون مرة واحدة، والتأمين على القرض، وهو المبلغ الذي يدفعه الزبون تأمينا للقرض بمعنى أن الزبون لو توفي - لا قدر الله - لا يطالب المصرف الورثة بمبلغ القرض المتبقي.
ويجب أن يربط المستهلك كل التفاصيل بعضها ببعض ثم يختار الأنسب له، وفي رأيي أن المثل الشعبي الذي يقول: «مد رجلك قد لحافك»، وهذا المثل لا يطبقه كل الناس، فالكثير من الناس ينظرون إلى من هم أعلى منهم، ويقومون بتقليدهم، ينظرون إلى السيارات «الكشخة»، وإلى البيوت الفخمة، ويريدون الحصول على كل شيء، في الوقت الذي يستطيعون فيه تنظيم موازناتهم، حتى لا يكثروا من تحمل الأعباء على عاتقهم، فلابد أن يحرص المواطن على ألا يربك بسوء استهلاكه عائلته، ولو أن المرء نظر إلى من هم أقل منه، «وآتاكم من كل ما سألتموه وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفّار» (ابراهيم:34) صدق الله العظيم.
الموقف الحازم
وتعلق استشارية أمراض النساء والولادة عفاف الشافعي: «التخطيط الشرائي من العوامل المهمة التي تساعد المستهلك على حماية نفسه من بانوراما التنافس التي تهاجمه في كل مكان، وقد لا نخطط في التعامل اليومي مع المشتريات، ولكن عندما يدخل الأمر في إطار السلع الاستهلاكية التي تؤثر على موازنة الأسرة، لابد للمستهلك الواعي أن يقف ليعيد حساباته، ومن المهم أن يكون للمستهلك موقف تجاه ما يحدث بشأنه، على سبيل المثال ما قامت به جمعية ربات البيوت في إنجلترا عندما ارتفع سعر البطاطس، وهي من السلع الغذائية التي تدخل في معظم وجبات الشعب الإنجليزي، قررت الجمعية مقاطعة شراء البطاطس، ما أدى إلى انخفاض سعرها في الأسواق، إذا فالمستهلك من خلال موقف يمكن أن يؤثر على مؤشرات العرض والطلب في الأسواق، نستطيع أن نقول إن المستهلك البحريني إذا عرف كيف يتخذ المواقف الصحيحة التي تحارب الاستغلال، وتؤثر على مؤشرات السوق، هنا يكون وصل إلى درجة الوعي التي توفر له الحماية.
مدير التدريب والتنمية في مطار البحرين إبراهيم الأنصاري يقول: «المشكلة إننا لا نمتلك التوعية الاستهلاكية في البحرين التي يمكن أن توفر الحماية التي يحتاجها المستهلك، فالتنمية في أي بلد تعتمد على مستوى الوعي الذي يتمتع به مواطنو هذا البلد، والتوعية الاستهلاكية لا تأتي في يوم وليلة، وكل بلدان المنطقة بحاجة إلى برامج توعية استهلاكية تبدأ من المدارس، وتغذيها الأسرة، وينشرها المجتمع من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة».
ويضيف: «مواطنو دول الخليج يسيرون على الأداء الاستهلاكي نفسه، وهذا ما يفقد المستهلك الحماية التي يمكن أن يكتسبها بالوعي، فكل ما هو مطلوب من المستهلك أن يتأنى قبل الشراء، ويختار محلات ذي ثقة، حتى لا يتعرض للغش التجاري، ويزن الأمور بعض الشيء، ويوازن بين سعر السلعة ونوعيتها في المحلات المختلفة بعدها يقرر الشراء، وعندما يعرف المستهلك كيف يتخذ قرار الشراء المناسب، هنا يكون تحلى بالوعي الاستهلاكي المطلوب».
المواصفات العالمية
كاظم رجب (رجل أعمال) يقول: «لابد من المستهلك أن يكون على وعي استهلاكي، حتى لو كان هذا الوعي يقتصر فقط على الأساسيات، وهي معرفة تاريخ الصلاحية للسلعة والتأكد من عدم انتهاء صلاحيتها قبل الشراء، والمقارنة بين أسعار هذه السلع في المحلات المختلفة، هذا الوعي يتعلمه المستهلك من خلال اطلاعه وقراءاته، ويمكن أن يكتسبه على مر الأيام، أما بالنسبة إلى القروض الاستهلاكية ففي رأيي أن المستهلك عليه أن يعيد جميع حساباته قبل اتخاذ أي قرار، فعندما لا يكون القرض الشخصي مدروسا قد يتسبب في وجود إشكالية للأسرة يمكن أن تجلب لها الكثير من المتاعب، إذا هنا مطلوب من المصارف والشركات التي تعمل في هذا المجال، أن يكون العمل كله من خلال نظام واحد يحمي المستهلك من الإضرار بنفسه، فلماذا لا يكون هناك نظام موحد لمعرفة معاملات العميل في المصارف الأخرى لعدم حصوله على أكثر من قرض من عدة مصارف مختلفة في الوقت نفسه، فليس معقولا أن يسدد بعض المواطنين ما يزيد عن نصف راتبه قروضا، وقد يتعرضون للمساءلة القانونية، إذا مطلوب نظام لحماية المستهلك من القروض الاستهلاكية».
عبد الرحمن بوحجي (موظف في الداخلية) يرى أن المستهلك إذا لم يكن على وعي بجودة أية سلعة، عليه التعامل مع الجهات المعنية بذلك، ومن إدارة المواصفات والمقاييس، ويقول: «على المستهلك البحريني ادارك طبيعة المنطقة التي يعيش فيها، فربما تناسب بعض السلع بلدان أخرى ولا تناسبنا في البحرين، وهناك مواصفات عالمية لمختلف السلع، هذه المواصفات ربما لا يعرفها المستهلك، وهنا يأتي دور الجهات المعنية، على سبيل المثال طرح أحد التجار نوعية من (الكولر) بسعر لا يتجاوز العشرين دينارا، في الوقت الذي كان سعر (الكولر) فيه يصل إلى 110 دنانير، وتهافت الناس على الشراء ولم يدركوا أن المعروض لا يقوم بتبريد المياه، ولكنه يقوم بتسخينها أو المحافظة على درجة حرارتها العادية، ولو كان المستهلك تأكد قبل الشراء لما وقع في هذا الفخ». ويضيف: «كنت أعمل سابقا في أحد المصارف، وكان المواطنون يتحايلون على المصارف لأخذ قروض تتجاوز أقساطها الأربعين في المئة من الراتب التي يحددها المصرف، يأتون بشهادات أنهم يعملون عملا إضافيا، فكل ما يفكر فيه المواطن أن يحل مشكلته الآنية بأية طريقة، ولا يفكر في العواقب المستقبلية لهذا الحل، ولو انتشر الوعي لحد من هذه التصرفات اللامسئولة».ويتوقف حديث المستهلكين، بعد الكشف عن الحاجة لمرحلة طويلة تبث خلالها برامج التوعية التي توفر الحماية للمستهلكين
العدد 638 - الجمعة 04 يونيو 2004م الموافق 15 ربيع الثاني 1425هـ