العدد 638 - الجمعة 04 يونيو 2004م الموافق 15 ربيع الثاني 1425هـ

«الجنائية الدولية» هل تتحول إلى «طروادة» القرن 21؟

أهي حصان طروادة المتسلل في أساطير اليونان، أم أفضل إنجاز حققته البشرية في مجال العدالة الجنائية الدولية؟

هكذا انقسمت النظرة بين الحقوقيين والرسميين تجاه المحكمة الجنائية الدولية المختصة بمحاكمة مرتكبي الإبادة الجماعية والجرائم الأخرى ضد الإنسانية، إذ أوصى البيان الختامي أمس للندوة المعقودة في الجفير الدول العربية بالتصديق على معاهدة هذه المحكمة، وشكلت بعض الجمعيات البحرينية تحالفَا محليّا للدفع باتجاه التصديق على النظام الأساسي للمحكمة.

بعض الرسميين أسرّ لـ «الوسط» توجس الدول العربية من توقيع المعاهدة باعتبار أنه من المحتمل جدا استخدامها للضغط على أية دولة قد لا تخضع لبعض الإملاءات، إذ يمكن اتهام زعيم أية دولة أو أي مواطن صدقت دولته عليها بارتكاب جريمة ما، والمناداة بمعاقبته، في حين يعفى الأميركيون والإسرائيليون من الضغط عليهم لتوقيع هذا الاتفاق.

أحد السياسيين رأى أن المحكمة المذكورة تمثل «حصان طروادة» المتسلل، بينما الحقوقيون يرون أن المحكمة تحمي الشعوب من الجور الرسمي وغيره.

من جانب آخر حذر وزير العدل جواد سالم العريض، أمس بعد عودته من المؤتمر الإقليمي لرؤساء المحاكم العليا في العالم العربي من محاولات دوائر متعددة إلزام بعض الدول العربية بتغيير بعض تشريعاتها وهو الأمر الذي يستلزم تعاونا عربيّا في هذا المجال.


في اختتام ندوة المائدة المستديرة أمس

الحقوقيون يدعون البلدان العربية إلى توقيع معاهدة «الجنائية الدولية»

الجفير - حسين خلف

دعا الحقوقيون المشاركون في ندوة المائدة المستديرة بشأن المحكمة الجنائية الدولية الدول العربية إلى توقيع معاهدة روما الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وشكلت أمس عدد من الجمعيات البحرينية تحالفا محليا لأجل الدفع باتجاه توقيع المملكة المعاهدة المذكورة، ومن جانبها قالت المحامية زينات المنصوري: «إن تصديق مملكة البحرين وانضمامها إلى معاهدة روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية سيعني إنها التزمت بدورها في إنجاح أفضل إنجاز حققته البشرية في مجال العدالة الجنائية الدولية والقضاء على ظاهرة الإفلات من العقاب». هذا، وقد اختتمت الندوة أعمالها أمس.

وقدمت زينات المنصوري ورقتها المعنونة بـ «القضايا القانونية والسياسية في مجال انضمام البحرين إلى المحكمة الجنائية الدولية»، وأوضحت خلالها أن «البحرين وقعت قانون روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، وهي تشير بذلك إلى عزمها على التصديق عليها، ونحن هنا نأمل في تشكيل تحالف وطني يسند الحكومة وأجهزتها التشريعية من أجل ذلك، وحتى تكون المملكة جزءا من المجتمع الدولي الذي أخذ على عاتقه مسئولية تقديم مرتكبي أشد الجرائم خطورة ضد الإنسانية إلى العدالة».

وتطرقت المنصوري إلى الآليات الدستورية والقانونية لانضمام البحرين إلى المعاهدة المذكورة، إذ أوضحت أن «المادة 37 من دستور المملكة تنص على انه: يبرم الملك المعاهدات بمرسوم، ويبلغها إلى مجلسي الشورى والنواب فورا مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، على أن معاهدات الصلح والتحالف، والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة أو ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة والإقامة، والمعاهدات التي تُحمِّل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة في الموازنة أو تتضمن تعديلا لقوانين البحرين، يجب لنفاذها أن تصدر بقانون، ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية، ولما كانت أحكام نظام روما الأساسي تتعلق بجانب من حقوق السيادة وحقوق المواطنين، كما أنها تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات وتتضمن تعديلا للقوانين الوطنية، فإنه لنفاذها يجب أن تعرض على المجلس الوطني من أجل إقرارها وإصدارها بموجب قانون، ومن هنا تأتي أهمية أن يشرك التحالف الوطني من أجل انضمام المملكة إلى هذه المعاهدة أعضاء مجلسي النواب والشورى إلى جانب الحكومة في برامجه وما يعتمده من أساليب لتحقيق هدف التحالف».

وأردفت «يذكر أن المملكة كأصل عام ليست بحاجة إلى إعداد تشريع تنفيذي معين قبل أن تصدق على المعاهدة، فطبقا لأحكام الدستور تستطيع المملكة الانضمام، من دون إعداد أي تشريع تنفيذي خاص بالمعاهدة وأحكامها، ويكفي أن يقرها المجلس الوطني ويصدق عليها الملك، ثم تصدر بقانون يتم نشره في الجريدة الرسمية، حتى تصبح أحكام المعاهدة جزءا من القانون الوطني تلقائيا ويكون لأحكامها الأولوية عليه عند التعارض، إلا أن ذلك لايعني عدم ضرورة إجراء أية تعديلات في القوانين الوطنية الموجودة، مثل قانون العقوبات أو قانون الإجراءات الجنائية، أو الحاجة الى سن قوانين جديدة تتعلق بتسليم المطلوبين للعدالة أو بالمساعدة القانونية المتبادلة التي تضع آليات التعاون بين مملكة البحرين وبين المحكمة الجنائية الدولية».

الحصانة الدستورية

لذات الملك

وأضافت المنصوري، ترسي أحكام المادة (27) من نظام روما الأساسي مبدأ تطبيق النظام على الأشخاص كافة من دون أي اعتداد بأية صفة رسمية لهم، بينما تنص المادة 33 فقرة (أ) من دستور المملكة على أن «الملك رأس الدولة، والممثل الأسمى لها، ذاته مصونة لا تمس، وهو الحامي الأمين للدين والوطن، ورمز الوحدة الوطنية. وتعد هذه النقطة أكثر ما يجعل الدول العربية والعالمية معترضة على نظام روما الأساسي، إذ إنها تتعلق بمسألة بالغة الحساسية لديها ومرتبطة بمبادئ دستورية هي مسألة حصانة رأس الدولة، إلا أن هناك الكثير من الدول ومنها الأردن صدقت على المعاهدة، وهي تؤكد من خلال انضمامها إلى المحكمة أن الحصانة الدستورية لذات الحاكم أو الرئيس أو الملك لا علاقة لها بحصانته في الجرائم محل اختصاص المحكمة، كما انها تؤكد أن الرؤساء والحكام لا يشاركون من حيث المبدأ بأي شكل أو طريقة في ارتكاب مثل تلك الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة».

كما تحدثت المنصوري عن مبدأ تكامل السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية، مشيرة إلى أولوية القضاء الوطني في الدول المصدقة على الاتفاق في محاكمة مرتكبي الجرائم التي تختص بها المحكمة، إلا أن المحكمة تستطيع مقاضاة أي مجرم حوكم أمام المحاكم الوطنية في حالين هما: إذا كانت الإجراءات في المحكمة الوطنية تهدف إلى حماية المتهم من المسئولية الجنائية، أو إذا لم تتم الإجراءات بصورة تتسم بالاستقلال أو النزاهة طبقا لأصول المحاكمات التي يقرها القانون الدولي، بل جرت في الظروف على نحو لا يتسق مع النية إلى تقديم المتهم المسئول إلى العدالة، فإذا كانت المملكة ترغب في مقاضاة مرتكبي الجرائم الواقعة تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية أمام محاكمها الوطنية، فإن ذلك يستلزم وبالضرورة أن تسمح لها تشريعاتها الوطنية بممارسة اختصاصها الإقليمي على هذه الجرائم، وهذا يتطلب أن يجرم قانون العقوبات البحريني الفعال المجرّمة في نظام روما الأساسي، كما يتطلب إعمال المادة (29) من النظام الأساسي لمعاهدة روما التي تقرر عدم سقوط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم، في حين أن المادة (18) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني «تقرر بانقضاء الدعوى الجنائية في الجنايات بمضي عشر سنين من يوم وقع الجريمة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وأشارت المنصوري إلى اتفاقية التعاون القضائي التي أبرمتها البحرين مع الولايات المتحدة الأميركية وهي واحدة من الاتفاقات الثنائية التي وقعتها أميركا مع عدد من دول العالم، بلغت السبعين دولة حتى الآن وتهدف بالدرجة الأولى إلى حماية الجنود الأميركيين من الامتثال أمام المحكمة الجنائية الدولية.

تطور حقوق الإنسان في المملكة

ومن جهته قدم عضو الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان أحمد الحجيري ورقة عن الإصلاحات السياسية وتطور حقوق الإنسان في مملكة البحرين، مشيرا إلى النقلة التي حدثت بقدوم عهد جلالة الملك، وخصوصا بعد صدور عدة مراسيم منها مرسوم إلغاء محكمة أمن الدولة، والمرسوم الخاص بإلغاء قانون تدابير أمن الدولة، ومرسوم العفو الشامل، مشيرا إلى خفوت بريق هذا المرسوم بصدور مرسوم رقم (56) والذي ساوى بنظر الحجيري بين الضحية والجلاد، ثم تتويج ذلك بإعادة الحياة للجهاز التشريعي الذي عاد الى مزاولة مهماته، مشيرا إلى الاختلاف الحاصل بين الدولة والمعارضة بشأن المسألة الدستورية، وتطرق الحجيري إلى التحولات الأخرى كإنشاء ديوان الرقابة المالية وملاحظة عدم تبعيته إلى مجلس النواب، وصدور قانون البلديات وإجراء الانتخابات البلدية، وعرج على الإصلاحات القضائية بإنشاء النيابة العامة بدلا من الإدعاء العام وفصلها عن وزارة الداخلية، وإصدار قانون الشركات التجارية، والتغييرات في القضاء الشرعي، وإنشاء المحكمة الدستورية والمحكمة الإدارية، واختفاء مظاهر الاعتقال التعسفي والتعذيب والإبعاد، وذلك على رغم تسجيل الحجيري لملاحظة عن بعض الحالات التي تم فيها اعتراض المسيرات السلمية ووضع العراقيل أمام بعض الاجتماعات، واعتبر الحجيري التحولات في مجال حقوق الإنسان في المملكة إيجابية وانها ألقت بظلالها على تحسن أوضاع حقوق الإنسان.


التوصيات الختامية للندوة

أصدر المشاركون في ندوة المائدة المستديرة ثماني توصيات، هي أولا: دعوة البلدان العربية وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي التي وقعت اتفاق روما لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية إلى الانضمام والتصديق على المعاهدة استنادا إلى أن توقيع المعاهدة وفقا لاتفاق فيينا التي تجعل من توقيع الدول أية معاهدة بمثابة تعهد بالتصديق، كما أن ما تشهده منطقتنا من اعتداءات وجرائم ضد الإنسانية ضد المواطنين العرب وخصوصا في فلسطين والعراق يجعل من تفعيل دور المحكمة ذا أولوية قصوى.

فضلا عن معارضة المضي قدما في إجراءات التصديق على الاتفاقات الثنائية التي تبرمها الولايات المتحدة مع الكثير من الدول، وفي هذا الإطار ناشد المشاركون أعضاء السلطة التشريعية في الدول العربية عدم التصديق على تلك الاتفاقات الثنائية.

ثانيا: الإعراب عن قلقهم البالغ للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأميركية في عرقلة دور المحكمة الجنائية الدولية وذلك عبر توقيع اتفاقات ثنائية مع بلدان المنطقة لحماية الجنود والمواطنين الأميركان من الخضوع لأحكام معاهدة المحكمة الجنائية الدولية.

كما أعربوا عن تضامنهم في عدم الموافقة على تجديد قرار مجلس الأمن الخاص بإسباغ الحماية للقوات الأميركية العاملة تحت امرة الأمم المتحدة.

ثالثا: أهمية دعم المحكمة الجنائية الدولية كقضاء جنائي دولي دائم ومستقل ومحايد يمارس اختصاصه على جميع الأشخاص من دون تمييز أو انتقائية ترسيخا لمبادئ العدالة الجنائية التي تقضي بأن أخطر الجرائم التي تثير المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر من دون عقاب.

رابعا: الدعوة إلى إعداد قانون نموذجي استرشادي للدول العربية لإنفاذ الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية والمبادئ القانونية العامة والإجراءات والتعاون الدولي وفقا للمعايير الدولية.

خامسا: ضرورة وجود قضاء وطني قادر، ومستقل، ومحايد في التعامل مع الجرائم الدولية الواردة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية استنادا إلى القاعدة التكميلية بين القضاء الوطني والقضاء الدولي، المنصوص عليها في معاهدة روما، الأمر الذي يتطلب ضرورة إعداد وتدريب أعضاء الهيئة القضائية على التعامل مع الجرائم الدولية والإلمام بمبادئ القانون الدولي فضلا عن مبادئ القانون الجنائي، ونشر الوعي بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني في هذا المضمار.

سادسا: تأكيد الدور المهم الذي ينبغي أن يلعبه أعضاء السلطة التشريعية في التصديق على المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وتضمينها التشريعات الوطنية.

سابعا: أهمية الحوار البنّاء بين مؤسسات المجتمع المدني وحكومات الدول العربية من أجل تعزيز وحماية قيم ومبادئ حقوق الإنسان ودولة سيادة القانون والعدالة الجنائية الدولية.

ثامنا: ضرورة إنشاء تحالف على المستويين الوطني والإقليمي من أجل المحكمة الجنائية الدولية، بحيث يكون عضوا في الاتحاد الدولي

العدد 638 - الجمعة 04 يونيو 2004م الموافق 15 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً