فترة الخطوبة أكذب فترة يعيشها الإنسان، يصور فيها الخطيب نفسه أنه الفارس المنقذ لهذه المسكينة القابعة سنين بين جدران المنزل، كلماته تقطر عسلا وبين عينيه يسكن المسيح، ومن قلبه يتدفق نمير المحبة والسلام.
خلق، وسكينة ورحمة، أمنيات جميلة وأحلام وردية لم ترها حتى ماجدولين بين أشجار الزيزفون! شهريار المحبة سيسكنها ذات يوم في أجمل عشٍ ذهبي وستكون ظفيرتاها مكانا تستقر عليه الشمس. هذا هو الحلم، ولكن ما الذي يحدث في غالبية الأحيان؟ هذا ما تكشفه نسب الطلاق الآخذة في الصعود يوميا في عالمنا العربي. دعونا نصارح المرأة بأنهم قليلون أولئك الذين ينظرون اليها بنظرة متوازنة صادقة. التكوين النفسي للرجل الشرقي يرى في المرأة ضعفا وعاطفة مغلفة بثرثرة وطول لسان، كيان طويل الشعر قصير العقل، لها شكل ملاك وقلب أفعى وعقل حمار. ذلك توصيف بدوي غبي، ولكن تلك هي الصورة المترسخة في أفئدة الكثيرين... صورة منمطة تعكس طبيعة التربية التي يتربى عليها أجيالها... فالأب يحلم بأن تكون باكورة أبنائه ولدا... أما المرأة فهي زوجة مضطهدة حبيسة المنزل... تطبخ، تنظف المنزل، تربي الأبناء، وتراعي شعور الفارس المغوار إذا جاء غاضبا من الخارج وليس لها إلا ان تصمت وان تربت على كتفيه، واذا كانت تعمل وجب عليها ان تقدم له كل الراتب على طبق من ذهب، فله أن يبذره حيث يشاء على سهراته أو على كمالياته الخاصة، وليس عليها إلا ان ترضى بما كتبه الله لها. هذه ليست صورة الرجل البسيط، بل تورط في مثل هذه الرؤى فلاسفة وعلماء، فنيتشه يقول: «أذاهب أنت إلى المرأة، إذا لا تنسى السوط»! وقيل في الأمثال المنمطة: «المال والنساء يفضلهن الأغبياء» وقيل: «المرأة مسرفة بطبعها، فهي في العاشرة تسرف في الدلع، وفي العشرين تسرف في الزينة، وفي الثلاثين تسرف في الولادة، وفي الأربعين تسرف في الأكل، وفي الخمسين تسرف في الكلام». لهذا قالوا عن النساء زنهن شياطين الجيوب! إنها صورة غير صادقة للمرأة، إنما تعكس تلك الدونية التي شبعت بها عقول الكثيرين من الأمم والشعوب.
نابليون يقول: «أجمل نساء العالم هي المرأة التي أحب»... هؤلاء يتزوجون الوجوه في حين الرجل بحاجة أيضا إلى الزواج بالروح... المرأة تنبض بالحياة، لولاها ما كانت هناك حياة وسلام ومعرفة ايضا. حياة لأنها كنز البشرية وأساس بقاء النسل، ورحمة لأن عاطفتها تسكن القلوب وتضفي على الوجود إنسانية بدموع ملائكية تلفها رحمة الأنبياء. لذلك جاءت الروايات بأنها هدية الله على الأرض.
كثيرون هم الذين تورطوا في ظلم المرأة، من منعوها من التدريس والعلم والمعرفة كانوا ظالمين لها، من ورطوها في الثقافة الغربية ظلموها، من أمروها أن تعبد الرجل بذلٍ ظلموها. وأكبر خطاب تورط في ظلمها هو خطاب اليوم. كل يدعي بأنه يريد حقها لكنه يتخذها سلّما للوصول... أين هي المرأة؟ ان كانت عاملة فهي مضطهدة من أرباب العمل، وكثير من النساء البحرينيات يعملن في القطاع الخاص برواتب ظالمة ولا أحد يسأل عنهن... وان نظرت إليها باعتبارها ممرضة فهي تسهر ليالي ليالي من دون ان يسأل عنها أحد أيضا... واذا كانت طبيبة فهي غير مثبتة... واذا كانت خريجة جامعة فهي عاطلة تتقاذف بها الوزارات أمام صمت مطبق من الجميع! لا منبر يتكلم، ولا جمعية تتحرك، ولا نائب يدافع، على رغم ان غالبية المؤتمرات تقام باسمها... واذا كانت زوجة فعليها ان تقبل بمزاجية الزوج في حب الانجاب وكذلك في القمع... واذا هرمت وشاخت تزوج عليها، وأخرج من صندوق اتهاماته كل العيوب... شعرها أبيض، ضعفت عن الانجاب، و... و... لكنه تناسى ان له دورا في ذلك، فقد كان مركز الولادة هو المنزل الآخر لها كل عام!
الزوج المثالي هو من يشرك المرأة في حياته... حب وعطاء وصدقية. يطور من زوجته، يزيد من تعليمها، لا يبخل عليها، يعطيها الحنان والحب والمودة، يطور من تفكيرها ومن ثقافتها، يشركها في السفر، يفتح لها كل أفق في الحياة. وعليها في المقابل ان تكون واعية لكل مستلزمات الزوج... من الأدب والجمال، إذ ينبغي أن تطور من جمالها لزوجها، من أناقتها، تجدد شبابها وتطور من تفكيرها... فالحياة لا تستقيم إلا بها والطير لا يطير إلا بجناحين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 637 - الخميس 03 يونيو 2004م الموافق 14 ربيع الثاني 1425هـ