خرج أحد الأصدقاء مساء الثلثاء الماضي لشراء بعض الحاجيات المنزلية، وكانت زوجته مهمومة طوال الطريق بكيفية تحصيل تسع وأربعين قطعة نقدية لدفعها صدقة عن أفراد الأسرة في آخر أربعاء من شهر صفر.
يقول الصديق: «أعتقد أنها عادةٌ حسنةٌ سنّها أحدهم بحسن نية وذكاء، لحثّ الناس على التصدّق ومساعدة الفقراء، لكنها تحوّلت إلى عقدة عند زوجتي! فقد رفضتُ أن أنزل من السيارة لجمع القطع النقدية، وخصوصا أن أمامنا محل تصوير ومخبز صغير ومكوجي وفرع مغلق لأحد البنوك لأن الساعة تجاوزت الثامنة مساء. ولم يفلح صاحبنا بطبيعة الحال في تخليص زوجته من عقدتها، أو إقناعها بعدم لزوم التصدّق في يوم معين، وخصوصا أنه يتصدّق بما تيسّر أسبوعيا وطوال العام.
علماء إحدى القرى الغربية تلقّوا العام الماضي سيلا من المكالمات الهاتفية للاستفسار عن صحة ما احتوته بعض الأوراق المنشورة من أن 23 ألف نوع من البلاء ينزل في آخر أربعاء من صفر، ومن أراد دفعها عليه أن يتصدّق بسبع قطع نقدية. أحدهم صعد المنبر وتصدّى لتنبيه الناس قائلا في خطبته: «ديننا ليس خرافة، ولا تصدّقوا كل شيء... اعرضوه على القرآن والسنة وعلى عقولكم». وأشار إلى ورود روايات بأن الصدقة تدفع أنواعا كثيرة من البلاء، ولكن لم يرد التصدّق في آخر أربعاء من صفر، فالصدقة مستحبة دائما وفي كل وقت، كما لم يرد أي تحديد للصدقة بسبع قطع نقدية أو غير ذلك.
قبل عامين، وفي حديث الجمعة، تحدّث أحد العلماء عن «نحوسة صفر»، فقال إن ثمة نقولات متداولة حاصلها أن صفر شهرٌ مشئوم، تتنزل فيه البلايا والمحن، ودفعها لا يكون إلا بالتصدق عن كل فرد بسبع قطع نقدية، ونبّه إلى أنه لا يصح العمل بها على أساس أنها جزء من الدين لأنه لم يثبت ورودها كروايات.
هناك روايات تنسب النحس والشؤم لبعض الأيام والشهور، صنفها الخطيب إما كروايات ضعيفة السند، بل في أشد مراتب الضعف، وإما موضوعة اختلقها بعض الكذابين ونسبها للرسول (ص) أو أحد الأئمة. أما الروايات التي يحكم على إسنادها بالصحة أو الاعتبار، فليس المقصود أنَّ ثمة أياما تجلب الشقاء والبلاء، وأياما تجلب الخير والبركة، وإنما هي أيامٌ وقعت فيها أحداث محزنة كموت أحد الأنبياء، أو وقع فيها خيرٌ عمَّ أثره على الناس، كليلة القدر التي أنزل فيها القرآن الحكيم.
عالم الدين المذكور، هو أحد أعضاء المجلس العلمائي، قال إن مثل هذه الثقافة كانت سائدة في أوساط عرب الجاهلية، وقد تصدّى القرآن الكريم لتسفيه هذه الثقافة ووصف المتبني لها بالجهل. وهو طرحٌ موفقٌ وعقلاني، ومن صلب مسئولية رجل الدين الملتزم بقضايا الفكر والتوعية والإرشاد، وما أكثر ما يحتاج إليه المجتمع من توعية وتصحيح.
بارك الله مثل هذا الطرح الذي يرفع وعي الناس وينير الطريق،ففي المجتمع الذي ينشد التطور والرقي، كل فرد فيه يقوم بدوره في الإصلاح والتصحيح،من رجل السياسة الى رجل الاعلام، والمثقف والفنان والشاعر والمنشد والمدرس. وخصوصا رجل الدين الذي يمتلك حصانة ومكانه تأهله للتصحيح، فلو تحدث أحدٌ من الأفندية عن القطع النقدية السبع لحكم عليه بالخروج من الدين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2366 - الخميس 26 فبراير 2009م الموافق 01 ربيع الاول 1430هـ