في الأدب القرآني الجميل، توجيه إلى الأسر المسلمة لتعليم أبنائها الصغار الاستئذان قبل الدخول على الوالدين، صونا للأخلاق وتعليما على الأدب الجمّ وإشاعة للحياء. وحدّد القرآن ثلاثة أوقات، سمّاها بالعورات، وهي من قبل أذان الفجر (إذ مازال الناس نياما)، ومن بعد الظهيرة (إذ اعتاد الناس على التخفّف من ملابسهم للقيلولة)، ومن بعد صلاة العشاء (إذ اعتاد الناس في تلك الأزمان على الهجوع مبكرا)، إذ لا تلفاز ولا مجمعات تجارية ولا متنزهات ولا هم يحزنون! يتناولون ما تيسر لهم من رزق، يدردشون قليلا، ثم يضعون رؤوسهم على الوسائد ليغطوا في نومٍ عميق!
والتوجيه يمسّ الذين «لم يبلغوا الحلم»، أي الأطفال «الصغار جدا»، أما الآخرون فلابد لهم من الاستئذان على الدوام، وطرق الباب قبل الدخول، احتراما لخصوصيات المنازل وما وراء الأبواب.
إلى جانب هؤلاء، هناك من يعيش طوال حياته في مرحلة «ما قبل الحلم»، أسير فترة التبعية و«الاستئذان»، فهو لا يملك قراره، ولا يفكّر بعقله، ولا يحمل القلم إلاّ بعد أن يتلقى الأوامر و«التوجيهات»، فإذا وصلت الرسائل الهاتفية ابتدأ بالحركة وشرع بالتطبيل.
على أيدي هؤلاء تحوّل القلم بين أصابعهم إلى ثعبانٍ يتلوى ويتراقص، وتحوّل «الكاتب» إلى حاوٍ مهنته ترقيص الحيات الرُّقط. وكما أن الحواة يستجدون أموال الناس بألعابهم «السحرية»، نرى هؤلاء يستربحون من وراء الكتابة وصفّ الأعمدة وتدبيج المقالات، فيعصرون القلم عصرا كما تُستدر ضروع البقرة الحلوب، أموالا وهدايا وأراضٍ وسياراتٍ وشققا «مفروشة» للإيجار!
أحدهم لا يصدّق أن الكاتب يمكن أن يكون حرا فيما يكتب، يعبّر عن ضميره وآرائه، فهو مازال أسير «أمن الدولة» وما تركه في النفوس من أغلال، فلابد من أن يبصم رئيس التحرير على كل حرفٍ يكتبه، وإلا فأنت تهدّد الأرض وتتحدى السماء! ثانٍ (أو ثانية) يستأذن رئيس التحرير لحضور منتدى للصحافيين لمناقشة قضايا تهمّ الجسم الصحافي كله، وما وراءه من حرية التعبير في البلد، فلما أحس بـ «عدم ارتياح» الريّس لم يكلّف نفسه عناء الذهاب.
ثالثٌ (أو ثالثة) تطلب منه المشاركة في ندوةٍ بإحدى المناطق غير مبلطة الشوارع، فأبت عليه أو عليها «الكرامة» أن يشارك... فربما تكون هناك «عين حمراء»!
«ثلاث عوراتٍ لكم»... هكذا يقول القرآن. ومن عجائب اللغة الأوردية المركبة من خليط من اللغات العربية والانجليزية والفارسية والسنسكريتية، أنها اقتبست كلمة «عورة» بالتحديد لتطلقها على المرأة فقط، ولكن ألم يكن هناك رجالٌ يستحقون هذا اللقب عن جدارة واستحقاق؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 637 - الخميس 03 يونيو 2004م الموافق 14 ربيع الثاني 1425هـ