بصراحته المعهودة، ودون أية إضافات تجميلية، حذر رئيس المصرف المركزي الأميركي (الاحتياط الفدرالي) بين برنانكي الكونغرس بأنه «ما لم تتبع الحكومة السياسات المناسبة، فإن الركود الذي يشهده الاقتصاد الأميركي حاليا قد يتواصل إلى العام 2010، مشيرا إلى أن الطبيعة الشاملة للأزمة الاقتصادية الراهنة تشكل تهديدا جديا لتأثيرها على حركة التصدير».
يأتي هذا التحذير، قبل أن ينقض شهران على دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما العديد من المؤسسات ذات العلاقة بالأزمة المالية، تشريعا أو تنفيذا، بما فيها الكونغرس الأميركي ذاته، «إلى التحرك سريعا في الموافقة على خطة الإنقاذ الاقتصادي التي بادر بها والتي تبلغ قيمتها 825 مليار دولار».
الأمر المشترك بين أوباما وبرنانكي، هو أن كليهما يشير، بشكل أوبآخر، إلى استمرار الأزمة حتى نهاية العام 2010، على أحسن تقدير، يدعو الأوساط المالية إلى تحرك استثنائي سريع، إن هي أرادت انتشال الاقتصاد الأميركي من ورطته. كذلك يشارك أوباما برنانكي في أن موجة الأزمة لم تبلغ ذروتها بعد، وأن هناك بعض الذيول التي ينبغي على واشنطن أن تكون مهيأة لمواجهتها.
عودة من واشنطن إلى الشرق الأوسط، وتحديدا إلى الخليج العربي، وإذا ما أردنا أن نأخذ بعض العبر، وبشكل مسبق، من الوضع الأميركي، فبوسعنا أن نسلط الأضواء على القضايا التالية:
1.إن استمرار الأزمة في السوق الأميركية، حتى نهاية 2010، يعني، وإلى حد بعيد، أن ذيولها سوف تستمر، وتمتد بشكل تلقائي إلى منطقة الخليج بعد سنتين بعد ذلك التاريخ، كحد أدنى. إذ إن المنطقة متأخرة عن السوق الأميركية بسنتين، في أفضل الأحوال. ومن ثم فعلينا أن نتنهيأ من الآن كي نستطيع الصمود حتى العام 2012 كحد أدنى، آخذين في عين الاعتبار الفرق بين ديناميكية وحيوية وتنوع الاقتصاد الأميركي مقارنة بالاقتصاد الخليجي، الذي لاتزال آلياته تقليدية، ويعتمد إلى درجة كبيرة على سلعة واحدة هي النفط، وفي أحسن الأحوال مصحوبا ببعض مشتقاته.
2.إن أي حل أميركي للأزمة سيضع المصالح الأميركية فوق كل اعتبار، ونظرا للارتباط الوثيق بين الاقتصادات الخليجية والاقتصاد الأميركي، فمن الطبيعي أن تنعكس أية إجراءات تتخذها الإدارة الأميركية على الأوضاع المالية، بل وحتى الاقتصادية الخليجية. وطالما أن الاقتصاد الأميركي بحاجة إلى جرعات إنقاذ، فمن الطبيعي أيضا أن تكون تلك الجرعات على حساب اقتصاديات عالمية أخرى، الاقتصاد الخليجي من بينها. وبالتالي، فلابد لنا من وضع الحلول المناسبة التي تكسب الاقتصاد الخليجي المناعة التي يحتاجها لمواجهة أي سيناريو أميركي محتمل يتناقض ومصالحه.
3. إن الأزمة المالية لاتزال في أوج قوتها بالنسبة لمنطقة الخليج العربي، وإن الموجة لم تنكسر حدتها بعد، وعلى وجه التحديد بالنسبة للدول النفطية فيها. وبالتالي فعلى الأوساط المالية هنا أن تستعد كي تعلن وبشفافية مطلقة عن أوضاعها المالية، كي يكون المواطن، وليس المستثمر فحسب، على إطلاع كامل بما يجري حوله. ولابد أن تشمل تلك الشفافية مل القضايا المالية المتعلقة بالنفط والصناعات التحويلية المرتبطة به.
4.إن على تلك الأوساط، أن تتحاشى، وبشكل صادق، تمويه الخسائر التي منيت بها. وعند الحديث عن الخسائر، هناك نوعان منها، الأول، ويسهل تحديده، ذلك لكونه مباشر ومكشوف ويصعب التستر عليه، نظرا لكونه يمس رأسمال، ويطال الموجودات والأصول. أما الثاني، وهو الأخطر، فهو ذلك الصادر عن تآكل الأرباح أو تراجعها. حينها تستطيع المؤسسة المعنية أن تراوغ، فتكشف عن أرباح هزيلة، دون أن تشير إلى الأرباح التي وعدت بها قبل أن تصيبها الأزمة، هذا التآكل في الأرباح يمكن أن يتطور كي يتحول إلى خسائر من النوع الأول، ما لم يجر تداركه وفي مراحل مبكرة. هذا يتطلب من المؤسسات المعنية وضع الضوابط الضرورية، وفي هذه المرحلة المبكرة للحد من النوع الأول، وللحيلولة دون تطوره إلى خسائر من النمط الأول.
5.إن الأزمة التي تلم اليوم بالعالم ذات طابع بنيوي، والتصدي لها لابد له، إن أراد النجاح في تقليص سلبياتها، أن ينطلق من رؤية إجراء تغييرات جوهرية بنيوية في آليات وأركان الاقتصاد القائم. إن هناك تحولا كاملا في قوانين الإنتاج والسوق في آن. على مستوى الإنتاج، هناك تحول سريع وكبير نحو الاقتصاد الخدماتي، بما في ذلك الخدمات المالية التي غيرت بشكل نوعي دور الرأسمال النقدي في الاقتصاد، وعلى مستوى الأسواق، هناك أيضا تحولات نوعية في آليات العلاقة بين الأوساط العاملة فيها من باعة وشراة، ناهيك عن دور الوسطاء الذي بدأ، على نحو مغاير للاقتصاد التقليدي، يتراجع، كي تنمو على حسابه علاقات مجدية بين المنتج والزبون بشكل مباشر دون المرور بمحطات الوكلاء أوالسماسرة.
على هذا الأساس لابد للأسواق الخليجية، وعلى وجه التحديد القوى الاستثمارية فيها أن تأخذ العبر من الحالة الأميركية، وأن تبادر، وكلما كانت الخطوات أبكر، كلما كانت الخسائر أقل فداحة، وعمر الأزمة أشد قصرا، لدرء الأزمة ومواجهتها بما تحتاجه من أسلحة تشريعية كانت أم تفيذية. ووخذ العبر يفقد جدواه إذا ما كان أسير الكتمان والخوف من الإفصاح عنه، تحت أي مبرر كان. فكلما تنامت درجة الشفافية، كلما ازدادت الصورة وضوحا، وأدى ذلك إلى الوصول إلى حلول عملية ناجحة وبأقل الخسائر الممكنة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2366 - الخميس 26 فبراير 2009م الموافق 01 ربيع الاول 1430هـ