العدد 636 - الأربعاء 02 يونيو 2004م الموافق 13 ربيع الثاني 1425هـ

مرحلة سياسية وحكومة تكنوقراط

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ودع العراق «مجلس الحكم الانتقالي» من غير رجعة. ويستقبل الآن حكومة «تكنوقراط» جديدة ومعينة في مرحلة سياسية كثيرة المشاغل، وتحمل في أطيافها توقعات متناقضة بين الاستقرار والاضطراب.

أمام الحكومة الكثير من الملفات. وفي كل ملف عشرات الأوراق وكلها تحتاج إلى قراءة ودراسة لاستخراج الرأي الحكيم من مجموعة وجهات نظر غير متفقة كما تبدو الأمور على حلول مشتركة. فالحكومة ستواجه بسلسلة قرارات مصيرية في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الشهر. فالمهمات كثيرة وصعبة والوقت المتوافر لا يسمح بدراسة كل الأوراق المجمعة في الملفات.

الصراع مع الوقت أصعب مهمة تواجهها الحكومة الجديدة. يضاف إلى ذلك الوظائف الموكولة لحكومة يقال عنها إنها تمثل مختلف الاتجاهات ويطغى عليها الطابع التكنوقراطي - الأكاديمي.

العراق اليوم يحتاج إلى حكومة سياسية في الدرجة الأولى مطعمة برجال (أو نساء) يملكون خبرة كافية في إدارة البلاد. فالمهمات المقبلة هي سياسية الطابع ويغلب عليها الشأن الأمني على مختلف الشئون الأخرى. والتكنوقراط لا يكفي في هذه الفترة الانتقالية لأن البلاد معرضة لمزيد من الخلافات الأهلية التي قد تستدرج مختلف الأطراف إلى نوع من الفوضى العامة. وفي فترة الاضطراب تحتاج الدولة إلى سياسيين أكثر من حاجتها إلى تكنوقراطيين.

هذه مشكلة يمكن توقع حصولها في نهاية الشهر الجاري. فالتكنوقراط ليس سيئا ولكنه لا يفي بالحاجة في ظروف سياسية متقلبة، قد تزعزع الاستقرار في حال لم تتوصل الأطراف إلى اتفاقات عاقلة تحصن الأمن وتحمي الحدود وتحدّ من تدخل قوات الأجنبي (الاحتلال) في إدارة شئون البلد الداخلية.

حكومة التكنوقراط عادة تتشكل في بلدان مستقرة سياسيا وغير معرضة للاختراق أو الاهتزاز الأمني... وهذه الأمور غير متوافرة الآن في العراق. والأكاديمي أيضا حاجة يومية لتلبية رغبات دولة تعاني من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من قطاعات لها صلة بالكهرباء والماء والتربية والصحة، ولكنه لا يفي بالحاجة حين تكون الدولة تعاني من تفكك سياسي وانقسامات أهلية وقطاعات مدمرة واحتلال أجنبي وفوضى أمنية.

المشكلة في بلاد الرافدين معقدة، فهي مزيج من الانهيار السياسي والفوضى العامة التي تتطلب تشكيل حكومة سياسية تملك قرارات واضحة وثابتة على الأرض... وهي أيضا تعاني من مشكلات تتطلب كوادر أكاديمية تملك خبرات عملية في إدارة أجهزة الدولة لتلبية حاجات إنسانية ضاغطة. هذا المزيج المعقد من تداخل المشكلات يفترض منطقيا إعطاء أولوية للسياسة والأمن حتى تكون الحكومة قادرة على الدفاع عن برنامجها في المحافل العربية والدولية. فالمهمات المقبلة وخصوصا في الأسابيع التي تسبق أو تلي إعادة انتشار قوات الاحتلال، تتركز في غالبيتها على قضايا الأمن والسيادة والاستقلال والوحدة وضمان استقرار دولة العراق على حالها، كما كانت في السابق. وهذا كما يظهر من أسماء الحكومة (33 وزيرا) لم تلحظه التشكيلة التي أُعلنت. فالتشكيلة تضم بعض الأكاديميين ولكن هذا البعض ليس بالضرورة على اطلاع واسع على المشكلات البنيوية التي تعاني منها إدارات الدولة. فالشهادة الأكاديمية لا تكفي لمعالجة أزمات متوارثة أو مصطنعة. فالأكاديمي تعلم في جامعات أجنبية وتعلم إدارة دولة وفق نظريات عامة تتناسب مع حاجات بلد مستقر منذ زمن طويل وعنده سلسلة من التجارب المتراكمة والمتوازنة بين مستوى التطور والتقدم المطلوب تحقيقه في فترة مقبلة.

الدراسات الأكاديمية ضرورية لمعرفة جوهر المشكلات ولكنها عموما لا تعلم الطالب المتخرج كيفية إدارة مؤسسات وأجهزة ووزارات. وإذا علمته فإنها تعطيه فكرة عن تجارب أوروبية وأميركية بعيدة بعض الشيء عن الواقع المختلف (أو المتخلف) الذي جاء منه الطالب المتخرج من دراسات أكاديمية مجردة من الأرقام والمعلومات والخصوصيات. والعراق كمثال على هذا الاختلاف بين الواقعي والأكاديمي يحتاج فعلا إلى قوة سياسية مجربة وكتلة مدربة على كيفية التعاطي العملي مع المشكلات حتى لا تغرق الدولة (أو البلاد) في حلول نظرية تغلب عليها العموميات والأفكار المجردة.

المهم الآن أن العراق ودّع مرحلة «مجلس الحكم الانتقالي» ودخل مرحلة «التكنوقراط» في فترة زمنية حساسة تغلب عليها قضايا سياسية ساخنة تمتد من بغداد إلى نيويورك. فهل ينجح الأكاديمي بعد أن فشل السياسي؟ هذا أمر محتمل أحيانا ولكنه الآن من الأمور المستبعدة في العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 636 - الأربعاء 02 يونيو 2004م الموافق 13 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً