العدد 636 - الأربعاء 02 يونيو 2004م الموافق 13 ربيع الثاني 1425هـ

أسهمت إسهاما مباشرا في إنشاء جامعتي البحرين وقطر

المفكر عبدالدائم:

بمبادرة من اتحاد الكتاب العرب، جرى الاسبوع الماضي في مكتبة الأسد بدمشق تكريم المفكر والتربوي المعروف عبدالله عبدالدائم بحضور عدد من كبار المسئولين السوريين بينهم وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس ووزير الثقافة محمود السيد ووزير الإعلام أحمد الحسن الى جانب عدد من المثقفين العرب، بينهم رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق شاكر الفحام، مدير عام مركز دراسات الوحدة العربية خيرالدين حسيب، السفير السابق محمد زكريا إسماعيل، عضو مجلس الأعيان الاردني ليلى شرف، أمين عام المؤتمر القومي العربي معن بشور وحشد من المثقفين السوريين.

وألقيت في الحفل كلمات احتفالية، ركزت على سعي عبدالدائم الدؤوب لرسم صورة القومية العربية ذات الأبعاد الوجدانية والانسانية المتميزة، ولفتت الكلمات النظر الى أهمية نشاطاته العملية وأعماله الفكرية ودراساته في ميدان التربية والثقافة والفكر القومي على مدار أكثر من خمسة عقود، وتميزها بالعلمية والموضوعية.

وعبدالله عبدالدائم من مواليد حلب عاصمة الشمال السوري في العام 1924، تلقى دراساته الاساسية فيها، وانتقل إلى الدراسـة الجامعية في كلية الآداب (قسم الفلسفة) بجامعة فؤاد الأول بمصر العام 1946، ممهدا للمرحلة التالية من دراسته في جامعة السوربون، إذ حصل منها على دكتوراه الدولة في الآداب تخصص تربية العام 1950.

وتنقل عبدالدائم في الوظيفة العامة من خلال سلك التعليم والتربية منذ أواخر الاربعينات في المرحلتين الثانوية والجامعية، فعلم أجيالا في سورية والبلدان العربية، واشتغل في التدريب والبحوث التربوية لدى هيئات ومنظمات عربية ودولية على مدى عقود من حياته، ألّف فيها عشرات الكتب، وكتب دراسات وأبحاث، وألقى محاضرات وشارك في ندوات ومؤتمرات كثيرة، كما تولى ثلاث مرات مناصب وزارية في سورية، فاحتل منصب وزير الاعلام في سورية مرتين الاولى 1962والثانية 1964، كما تولى وزارة التربية في العام 1966.

«الوسط» التقت عبدالدائم على هامش تكريمه في دمشق وأجرت معه الحوار الآتي عن تجربته ونتاجه:

عرفت عنك مساهمتك الواسعة في تطوير الميدان التربوي العربي، كيف بدأت تلك المسيرة وما أهم معالمها؟

- أنا في الأصل كنت أستاذا للتربية في جامعة دمشق، ثم تم اختياري من قبل منظمة اليونيسكو للعمل بمركز في بيروت، أقيم بالتعاون بين الدول العربية واليونيسكو من أجل إعداد قادة ومربين للبلاد العربية، وكنت خبيرا في ميدان التخطيط التربوي، عملت هناك نيفا وعشر سنوات. ومنذ البداية كان العمل عربيا غالبا، وكنا سنويا نتلقى أفواجا من المتدربين من كل البلاد العربية، ندربهم على أساليب التخطيط التربوي والإدارة التربوية والتعاليم التربوية الحديثة ومشكلاتها.

بدأت بعملي الأول ويمكن أيضا أن نمضي إلى العمل الأخير مع منظمة اليونيسكو في باريس، كنت هناك رئيس قسم مشروعات التربية في البلاد العربية وأوروبا، وكنت أشرف على كل النشاطات التربوية والمشروعات التربوية التي تتم في البلاد الغربية، وأسهمت في بناء عدد من المشروعات بالتعاون بين البلدان العربية واليونيسكو وعلى رأسها جامعة البحرين، وقد أسهمت مساهمة مباشرة في إنشاء جامعة البحرين وأخذت الخبراء اللازمين، وكنا نذهب دوما في زيارات الى هناك ونقدم التقارير عن الجامعة كل فترة، كانت في البداية جامعة محدودة ثم اتسعت، وأقول مثل ذلك عن بلدان أخرى غير البحرين، لأن عملي شمل المنطقة العربية، وقمت خلاله بمشروعات تربوية في كثير من البلدان العربية، منها انه في المرحلة التي تلت مغادرتي اليونيسكو، طلبت مني الكويت أن أقوم بتقويم النظام التربوي عندهم، فقمت مع فريق بوضع تقرير بنحو ألفي صفحة عن التربية في الكويت بجوانبها المختلفة.

لكم مساهمة خاصة في ميدان التعليم في دولة قطر، هل يمكن التوقف عند تلك التجربة؟

- إذا عدت إلى الزمن القديم قبل اليونيسكو وقبل بيروت وقبل باريس، تعجبون إذا قلت - وأنا من مواليد 1924 - إنني في العام 1957، تم اختياري باتفاق بين الحكومة السورية وبين قطر مديرا عاما لمعارف قطر، وكانت معارف قطر تقريبا في بداياتها، ولا أريد أن أطيل. كانت لي هناك معركة علمية من أجل إنشاء نظام التعليم في قطر، والكل يذكر على أقل تقدير أن تعليم الإناث في قطر يرجع الفضل فيه إلي. لم يكن هناك تعليم إناث بالمعنى الحديث للكلمة، كان هناك تعليم ديني لعدد محدود، ونجحت - والحمد لله - خلال سنة واحدة على رغم أنف المستشار الإنجليزي، نجحت في أن أبدأ بإنشاء مدارس للبنات وما غادرت البلد، إلا وقد أنشئت مدارس للبنات في البلد وهذا ما يذكره أهل البلد، ثم بعد ذلك أسهمت في إنشاء جامعة قطر لكن عندها كنت في اليونيسكو بعد أن شبت قطر عن الطوق وأصبحت متطورة ومتقدمة.

ذكرت سابقا انك الفت نحو أربعين كتابا متنوعا كان هاجسها العام عربيا، ربطت فيها بين الفكرة القومية والممارسة. كيف تلخص لنا ذلك الجهد؟

- ما عملته وكتبته يدلل على أنني لست عربي الهوى فقط، ولكن عربي الممارسة، فقد عشت وعملت في البلاد العربية، وعرفت أبناء البلاد العربية، وكتبت جل كتبي التربوية والقومية عن البلاد العربية. في الكتب التربوية تجد كتابا باسم التخطيط التربوي وأساليبه الفنية وتطبيقاته في البلاد العربية، كتاب آخر عنوانه التربية في البلاد العربية. وكتاب أحدث بعنوان «نحو فلسفة تربوية عربية» وآخر ما كتبت في مجال التربية كتاب بعنوان «الآفاق المستقبلية للتربية في البلاد العربية»، إذا عملي يدور حول الوطن العربي طبعا، يمكن أن نعدد الكتب الأخرى كلها في هذا الاتجاه، وفي الجانب القومي طبعا الشيء نفسه، بل هنا ينبغي أن ألخص الموضوع في شعار أعتبره شعاري في الإنتاج والعمل هو «التربية من أجل القومية والقومية من أجل التربية». هذان جناحان، جناحان متعاونان بفضلهما يمكن أن تتقدم البلاد العربية، القومية العربية من جانب الفكر القومي والعمل من أجل بناء أمة عربية موحدة والجانب الآخر الفكر التربوي الذي يؤدي إلى نشر العلم والتكنولوجيا والتقدم العلمي والتكنولوجي والتنمية.

لماذا تركز دائما على ربط القومية بالتربية في اتصالها بالتنمية؟

- في الأصل كان مفهومي دوما للتربية، انها ليست ما يدرس في دور المعلمين وغيرها مثل طرق التعليم وأساليب التعليم، وباعتباري كنت معنيا بالتخطيط التربوي والإدارة التربوية، كان شعاري الأساسي في كل النشاط التربوي والعملي أن التربية هي الأداة المثلى للتنمية، لاسيما أنه في ذلك الحين بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت أفكار في أوروبا، تؤكد دور العامل الإنساني في بناء الاقتصاد وفي بناء الحياة الاجتماعية، وظهر كتاب ومؤلفون في الولايات المتحدة وفرنسا منهم ريداوي سولو سميث إلخ... وكلهم في ذلك الحين ظهروا ليؤكدوا، أن الإنسان هو أداة التنمية، وألا تنمية بلا تربية، بطبيعة الحال ارتبط عندي موضوع التربية بموضوع التنمية، وكان شعاري ولايزال بأنه ليس من شأن أي نوع من التربية أن يؤدي إلى التنمية، ولكن ينبغي أن توجد مواصفات معينة للتربية، تؤدي إلى التنمية، وثمة تربية سارت بعكس أهداف التنمية، فالتربية التي نريدها وسيلة مهمة من وسائل التنمية، ينبغي أن نضع فيها سلفا أهداف التنمية، في طرائقها وفي أهدافها وفي تكوينها وفي بنائها، المهم أنني أيضا في ميدان التربية كان العمل الغالب عندي، هو العربي، كما قلت، وارتبط عندي العمل التربوي بالعمل العربي والعمل القومي وبعمل التنمية، ولهذا المعنى لم تكن التربية هدفا بحد ذاتها، ولكن من أجل تنمية البلاد العربية، وركزت كتبي على هذه الموضوعات المبثوثة في الكتب فضلا عن المحاضرات والمناظرات والمقالات في المجلات وغيرها لأؤكد الرابطة القوية بين العمل في التربية وبين العمل القومي.

كتبت كثيرا في الفكر القومي، كيف تنظر الى تلك الكتابات اليوم؟

- الكتب التي كتبتها في تعريف الفكرة القومية وتوضيح أبعادها ووسائلها كثيرة، جُمعت منذ سنتين جمعتها مؤسسة الدراسات العربية، في كتاب بنحو 800 صفحة بعنوان «العمالة الكاملة» هذه الأعمال التي نشرتها بين العام 1957-1965، أي في الفترة التي ندعوها بفترة المد القومي، عندما كان المد القومي في أقصاه، في ذلك الحين نشرت تقريبا كل سنة كتابا، وكانت هذه الكتب تجوب البلاد العربية من أقصاها إلى أدناها، وكونت فكرا إلى جانب المقالات التي كنت أكتبها.

وتكريم اليوم بالنسبة إلي. أعتبره تكريما لمربٍ ربط بين التربية وبين العمل القومي، وعمل له، وكتب فيه وناضل من أجله، طبعا في الوقت نفسه هذا تكريم للمثقفين، ولعل هذه أول بادرة لتكريم شخص أنتج إنتاجا قوميا عربيا، وارتبط لديه كل شيء بالقضية العربية الأم، وهي قضية لم شتات العرب، وربط بين أواصر أبناء الأمة العربية وإخراج الأمة العربية من المأزق الذي وقعت فيه ولاتزال. أقصد بالمأزق، أنها لم تؤكد، ولم تعمل بما يكفي من أجل حقيقة لا يباري فيها اثنان، وهي أن أي جهد قطري مهما يكن ومهما يعلو في أي ميدان لم يكن كافيا لوحده، وأي بلد عربي أعجز من أن يستطيع بقدراته الذاتية، أن يتقدم في ميادين العلم والمعرفة والتنمية، لكن السبيل الوحيد في البلاد العربية لتنمية البلاد العربية هو اجتماع الجهد العربي، واجتماع الثروات البشرية العربية والثروات المادية. والأجانب في الغرب يقولون إنه لا مخرج للبلاد العربية إلا أن يلتقي جناحا القوة عندهم: الثروة البشرية بالمعنى العددي والسكاني وهي ثروة كبيرة، وطاقة علمية وفكرية، ثم الثروة المادية ليس النفط فقط، بل الثروات الأخرى وهي كثيرة في البلاد العربية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً