حاول البعض - على العادة - خلط الأوراق وتحويل ملف التجنيس إلى ملف ملائكي مقدس لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من بين رجليه. كل من دافع عن التجنيس غير القانوني عليه ان يتحمل أسئلة الناس مستقبلا حين تتضرر مصالحهم.
تجارة الدموع تجارة غير مربحة حتى لو كانت تهطل من عيون درويش أو رجل يدعي القداسة والدين، فهي مع الأيام تفقد رونقها وحرارتها وسخونتها.
مأساتنا هي تلك الدموع البلاستيكية، والتي طالما تورط في صناعتها بعض ممن يدعون القداسة ثم يجلسون تحت عباءة المتنفذين... أين ذهب الشعار القرآني «ان الله يأمر بالعدل» (النحل:90)؟ أين هي تلك القصص التي تلاك على المنابر كل يوم بأن علي ابن أبي طالب (ع) قال: «القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه والضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له»، أين هي قصة خوف الخليفة عمر بن عبدالعزيز (رض) من ان يحاسبه الله لدابة ربما تاهت في طريق نائية؟ أليس هذا هو تاريخنا الناصع؟ اذا من المستفيد من خلط الأوراق وكأنها قضايا لا تمس الوطن؟
بعض النواب تورط مع قواعده الشعبية - اذا كانت هناك ثمة قواعد بقيت متأثرة للمواقف - إذ وصلت معلومات تقول: ان الكثير من الناخبين غيروا رؤيتهم وراحوا يقسمون انهم سيعيدون النظر في انتخاب غالبية النواب وخصوصا بعد ما جرى لملف التأمينات والتقاعد وملف التجنيس وتلك الفزعة التي حدثت.
فجميع شعب البحرين ليس ضد التجنيس بالقانون، ليس ضد تجنيس العقول والكوادر الكبيرة والادمغة المنتخبة ولكنهم ضد تجنيس الكروش... من منا لم يدرس على ايدي بعض هذه الكوادر سواء في المدارس أو الجامعات؟ ونحن نفتخر بأية طاقة عربية منتجة ما دامت تجنس وفق القانون ولا احد يستطيع ان يخلط علينا الأوراق، ومازلنا نحمل ذكريات جميلة لأناس بنوا البحرين، ولكن الكلام في أولئك الذين جنسوا خلافا للقانون... بعض النواب تورطوا في هذين الملفين وأصبحوا محرجين أمام ناخبيهم... وحتى ملف قضية التقاعد فهو الآخر ليس خاصا لفئة دون فئة، وهي أموال الشعب والمتقاعدين من الجميع ومنهم الناخبون أنفسهم.
وسؤالنا: ماذا ستقولون للناس؟ ما هي مبرراتكم؟ أنتم قبل أسابيع أقمتم الدنيا ولم تقعدوها عندما واجهتم الوزير، والدموع التي هطلت في البرلمان للآن لم تجف، فما حدا على ما بدا؟ صفق لكم الجميع، ولم يكن الموقف انشائيا، كان الملف مرقما وموثقا بالأدلة والمواثيق والمستندات، قمت بطرح الكثير منها في الصحافة عبر سلسلة من المقالات وبالمستندات عن الملايين التي ذهبت، عن المكافآت التي كانت تقدم، عن هدايا الساعات والأقلام، عن الاسراف والتبذير من أموال المؤمّن عليهم في الحفلات... بعضكم قام بالاتصال وكان يبارك طرح الحقائق بالمستندات عبر الصحافة، وقلتم ستقفون موقفا واضحا. وقال أحدهم «لن تأخذنا في الله لومة لائم»، «هذه أموال الناس والله لا يرضى ان نستهين بقرش واحد»، وللعلم فإن كل ما صُرِّح به في الصحافة بل حتى بعض الكلمات التي طرحت في صلوات الجمعة هي موثقة، إذ كانت تؤكد ان الموقف واحد. فهل هذه قضية فئة؟ لماذا تُدجّن القضايا؟ الخسائر وقعت على الجميع، والبعض راح يصرخ في مجالسه الاسبوعية: «لن نقبل بما حدث وهذه كلمة رجل لرجال بعد ان اطلعنا على الحقائق والمستندات لن نسكت»، وكلنا يتذكر تلك المداخلات في أولى الجلسات التي عقدت في البرلمان، اذ ان الكل تكلم وصرخ وندد وهدد... اذا ما الذي تغيّر؟
لماذا انقلبت الطاولة بسرعة؟ أليس من حقنا معرفة ما جرى، ونحن الذين حاربنا من أجل هذا الملف وسهرنا الليالي وجمعنا المستندات والوثائق وتحملنا كل الضغوطات؟ وبعد ذلك يقف بعض النواب هذه المواقف! بعض النواب ذهبوا الى المآتم وكلما ذكر لهم ملف التقاعد بلّوا سجاد المآتم بالدموع ومازلنا نتذكر ذلك المنديل المقدس، وهو يكفكف الدموع على الاموال المضاعة... الغريب في بعض هؤلاء هو موقفهم المتخشب لملف التجنيس والتقاعد. لقد تورط بعض هؤلاء مع الناس واعتقد ان 2006 ستكون سنة حاسمة لكل من يحاول ان يعاود الكرّة، والناس هناك ستتذكر ما حدث لملف التأمينات والتقاعد والتجنيس، ولا يمكن ان تنسى هذا اليوم إذ سيبقى في الذاكرة مهما غلف بالتبريرات. الملف لم ينته ومازلنا نمتلك بعض الأوراق الرابحة وهناك ورقة رابحة كبرى ستؤتي أكلها في الوقت المناسب، وستكون محرجة للجميع، للوزير ولمن دعمه في موقفه. لقد قرأت الوثيقة لكن صاحبها ألزمني عبر اتفاق مسبق شرط قراءتها ان لا يملِّكني إيّاها إلا في الوقت المناسب. ما أقوله ليس مناورة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 635 - الثلثاء 01 يونيو 2004م الموافق 12 ربيع الثاني 1425هـ