ربما لم يكن يدور بخلد شركة هواتف البلاك بيري العالمية أنها ستكون مصدرا مثيرا للقلق في جزيرة صغيرة ووادعة في الخليج العربي تسمى البحرين. فكيف لأجهزة اتخذت من التوت البري اللذيذ شعارا لها أن تجابه بالمنع والحجب والتقييد؟

في إعلان شهير بدأ حربَ إعلاناتٍ بين شركتي أبل (التي يرمز لها بالتفاحة) والبلاك بيري (ويرمز لها بالتوتة) - وهي بالمناسبة ألطف بكثير من حرب إعلانات (بتلكو) و(فيفا) الدائرة حاليا - وضعت شركة البلاك بيري تفاحة تقوم توتة صغيرة باختراقها كالطلقة، مشيرة بذلك إلى اختراق أجهزتها المتطورة لجهاز الآي فون الذي ذاع صيته بشكل غير مسبوق في الولايات المتحدة وفي العالم كله، فما كان من شركة أبل إلا أن جابهتها بإعلان أكثر قوة وابتكارا عندما وضعت نفس المشهد، التفاحة، ثم التوتة التي تحاول أن تخترقها، ولكنها تعجز عن ذلك وتتفتت على قشرتها، ويذيل الإعلان بعبارة ذكية تقول «إنها حقيقة بسيطة». غير أننا في البحرين نجحنا على ما يبدو حتى في اختراق التوتة هذه المرة وتفتيتها، وذلك عبر القرار المبتكر الذي أصدرته وزارة الإعلام الأسبوع الماضي باتخاذ إجراءات قانونية ضد مستخدمي خدمة «الدردشة المرتبطة بهواتف البلاك بيري المحمولة» - كما أسمتها الوزارة - والتي يتم من خلالها تبادل الأخبار المحلية.

ولعل من الجيد وضع عدد من الحقائق أمام الوزارة وأمام الرأي العام لكي تساهم في التعامل مع هذا الإجراء الذي لم يكن مبرراَ ولا منطقيا.

هناك اتجاه عالمي عام لاستخدام الأجهزة المحمولة على اختلافاتها (ومنها البلاك بيري) كوسائل لجمع وتوزيع المعلومات، وهذا الاتجاه يعد جزءا رئيسيا من التحول نحو ما يطلق عليه عالميا «الصحافة المواطنة، أو إعلام المواطنين».

ينظر هذا المفهوم إلى المواطنين العاديين على أنهم جميعا سفراء للحقيقة وناقلين لها، وبالتالي لقربهم من الحدث أحيانا يكونون الأقدر من أي صحافي على نقل الوقائع والأخبار. بناء على هذا المفهوم طورت كافة وسائل الإعلام العالمية المحترفة علاقتها مع الجمهور من خلال أدوات تتيح للمواطنين العاديين المساهمة في رفد الرأي العام والمجتمع بالأخبار التي يحصلون عليها. لقد بدأت هذه الموجة منذ فترة، حتى أن بعض هذه المؤسسات الإعلامية بدأت تعتمد على تقارير الجمهور أو المواطنين كتغطيات رسمية لها في أخبارها.

ولعل ذكر مبرر وزارة الإعلام في قرارها الأخير سيكون مناسبا هنا، فقد تحدث عن «إحداث هذه الأخبار بلبلة وإرباك للرأي العام» كما ذكرت الوزارة. وهو مبرر مفهوم، وتم تداوله بكثرة في معرض النقاش بشأن صحافة المواطنة وأدواتها. لكنه أمر مردود عليه من خلال الفكرة نفسها. فالأجهزة المحمولة التي تعتبر أحدث الوسائل الإعلامية في العالم، هي جزء من النظرة الجديدة إلى القصة الإخبارية على أنها «لا تكتمل أبدا»، فهي تنمو وتتطور في نفس اللحظات التي تنتقل فيها إلى الناس الذين يناقشونها ويحللونها أثناء حدوثها، فلو كان هناك خطأ في النقل، سيصوّبه الجمهور مباشرة. فالنظرة العامة «التقليدية» للقصة الإخبارية «المكتملة الأطراف» بدأت شيئا فشيئا في التبدل عالميا.

هذا الموضوع طبيعي جدا في عصر بدأ فيه الجميع يحمل وسيلته الإعلامية اللحظية معه أينما ذهب، ممثلة في جهازه المحمول، وهي ثورة لن تتوقف عند قرار أي وزارة من الوزارات.

هذا التوجه نحو استخدام الأجهزة المحمولة كناقل للأخبار تم استخدامه في عدد غير محدود من دول العالم، وهو في ازدياد مضطرد، فقد بدأت القصة بالرسائل النصية وانتقلت الآن إلى البلاك بيري والآي فون وغيرها.

وكانت وسيلة استخدمت في عدد من الحملات الانتخابية حول العالم، كان آخرها حملة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، الذي اشتهر بحمله البلاك بيري طوال الوقت، والتفاته إليه أكثر من التفاته إلى زوجته ميشيل.

ونتساءل هنا هل سيمنع أوباما من تلقي الأخبار على جهازه لو زارنا في البحرين.