في كلّ مرة يُسحَل عراقيٌ في بغداد أو الموصل أو في الجنوب من قِبَل الإرهابيين، فإنه يلزم أن نقول بشأنه حقا ضد باطل، سواء أكَثُرَ الحديث في ذلك أم فاض، فإن في ذلك كلمة حقّ يجب أن تُقال لكي يُفرَز نيئ الفعل ودناءته، عن باقي الأعمال المُشرّعة الوازنة، التي يُؤمن بها أصحاب الأسفار الدينية، ومعهم أصحاب الكتب الأرضية بالسّواء.
اليوم، يُهْزَأ من الإرهابيين إن هم أحسنوا الظّن بنُقّاد العملية السياسية العراقية في الصحف والفضائيات. فحين نقول (وببأس القول) ونُشخّص أحوال تجربة الحُكم ما بعد الاحتلال الأميركي فهذا لا يعني أنه صَكٌ شرعي يُعطَى للإرهاب والقَتَلَة لأن يفعلوا بالناس ما فَعَله طغاة الأرض وجبابرتها. فالدّم والعرض والحقوق هي فيصل المواقف وحدّها الأصيل. هذه حقيقة يجب أن يعيها الإرهابيون جيدا.
ما جَرَى في قرية الصّوفية العراقية بهور رجب والتي قتِلَ فيها العشرات من أبناء الصحوات السُّنّة، وما جرى قبلها في الأربعاء الدامي ثم في تفجيرات الفنادق، وأخيرا وسط الأحياء الفقيرة ومُخيّمات اللاجئين لن تُصرَف من قِبَل أحد على أنها إحدى ضرائب القُصور السياسي العراقي ونواقصه المُجَازة والطبيعية ضمن فنجان الفوضى.
لا... بل هي محلّ إدانة واستنكار شديدين، بل واصطفاف (وفي اللحظة) مع مَنْ يعتقدون أنهم أعداء أصليّون لهم حين يميل ميزان المعركة، من صراع في السياسة إلى صراع ضدها وضد قيم البشر وأعراف الأمم والشعوب. فكل الأفعال لا تُبرّر ارتكاب من يمحقها من الأفعال بزيادة السوء عن سابقه.
لن يجلب هذا الإرهاب ضد العراق وجنسه البشري سوى الغَلَبَة للولايات المتحدة عبر استجلاب مزيد من الصدقيّة لها وتشريع بقائها في بلد مُهَلهَل، وللأحزاب العراقية الحاكمة ممن تورّطت في الفساد والدكتاتورية والاستئثار بالسلطة سوى المشروعية والانحياز إليها، وتصويرها على أنها السيئ وما عداها هو الأسوأ، وأيضا للدول الأخرى لكي تُملي على العراق «الضعيف» أكثر الشروط قسوة وإذلالا.
عندما أشاع الخمير الحُمر في كمبوديا شيوعيتهم «الأغراريّة» المتطرفة لم تستطع دول الطوق الشيوعي تبنّي هذا المشروع الأرعن، وباتت في موقع الحرج الدولي أمام إبادة مليون ونصف المليون إنسان، بل إن الفيتناميين كانوا أوّل من اصطدموا مع تلك الهمجيّة الحمراء، إلى أن قام الخمير الحمر بأكل بعضهم البعض بعد محاكمة بول بوت.
وعندما فرَض هندريك فرينش فيرويرد نظام الفصل العنصري كسياسة رسمية في التمييز والتلوين بعد انتخابات العام 1948 في جنوب إفريقيا لم يستطع الغرب رغم عضويّة العلاقة معها أن يجاري مثل تلك السياسات وسط تحوّل العالم وتبدّله نحو الانفتاج والاندماجات السياسية والاجتماعية، في أكثر الأعراق والأقوام العالمية حساسية وهو العرق الآري.
وعندما سَرَقَت الجماعة الإسلامية للدعوة والقتال في الجزائر عنوان الجهاد من الجيش الإسلامي للإنقاذ، اضطرّ الأخير إلى إجراء الممايزة اللازمة بينه وبين تلك الجماعة الإرهابية، إلى أن ألزَمته الظروف لأن يُفضّل النظام الجزائري على عنفيّة الإرهاب وجهله وهمجيّته ضد المدنيين العُزّل، بعد نزول قادته من الجبال.
واليوم يُكرّر المشهد حاله مرة أخرى. فالمقاومة العراقية الصالحة ضد المُحتل، هي ليست في وارد التّبنّي لتلك الأعمال الإجرامية القبيحة والظالمة، بل هي في موقف الإدانة لها، والنأي بنفسها عنها ما أمكن. لأن ما يجري بحقّ العراقيين ليس له علاقة لا بالمقاومة ولا بقواعد الحروب والمنازلات، بل وليس له أدنى علاقة حتى بالإنسانية.
هناك مجموعة من القيم لا يُمكن الوصول إليها عبر تحطيم هويتها والطُرق المُفضِية لها. عند الدينيين (الذي يدّعي الإرهابيون في العراق وغير العراق الانتماء إليهم) نسمع أنهم يُصرّون على أن «لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا تقطعوا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلاّ لمأكلة» فيما خصّ الحروب فما بالك بالمدنيين العُزّل.
وعند الوضعيين «نسمع إن مسألة الحق والصواب في حرب معينة، إنما يُنظر إليها بصورة عامة، من وجهة نظر حقوقية أو شبه حقوقية، فالواقع أنه من الضروري، في النظر إلى الحرب، أن نأخذ في الحسبان ليس فقط تبريرها النظري على ضوء الاتفاقات المعقودة سابقا، بل تبريرها الحقيقي في ميزان الخير الذي يمكن أن تأتي به الى الجنس البشري»... (راجع ما كتبه برتراند راسل).
فإلى أيّ شرعة ينتمي هؤلاء المُجرمون؟ وبأيّ دين ومذهب يلتحفون، وبأي قول يَمْتَرون؟ ورغم أن التاريخ البشري مليء بهؤلاء وأضرابهم منذ زمن سحيق، إلاّ أن التفكير يقتضي أن التطور الإنساني كفيل بأن يقضي على مثل هذه الأفكار السليمة، وسط وصول العلوم والأفهام إلى مراحل متقدّمة، سواء لدى علوم الأرض أو لدى الأديان الإبراهيمية المُوحَّدة، بل وحتى عند الديانات الأخرى.
اليوم لا يأنس الإرهابيون في العراق إن سَمِعُوا هَسْهَسة هنا أو هناك؛ بشأن نوري المالكي أو طارق الهاشمي أو إياد علاّوي أو عمّار الحكيم، لأن هؤلاء وباختصار سيكونون أفضل حالا من غول القتل الهمجي والطائفي والعنصري الذي يُمارسه أولئك المُجرمون.
كلمة أخيرة... لن يدفعنا أولئك الهَمَج الرعاج من أن نخلط ما بين إرهابهم وما بين المقاومة الشريفة والمشروعة، أو نخلط ما بين نقدنا للسّاسة العراقيين وتجربتهم في الحُكم وفسادهم المالي والإداري وبين سحل الناس الأبرياء في الشوارع، فحرامهم حرام، وحلالنا حلال، ونقطة في نهاية السطر.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2773 - الجمعة 09 أبريل 2010م الموافق 24 ربيع الثاني 1431هـ
المجرمون
حق تعرفون ياسادة ان هالبشر ما ممكن الواحد يدافع عنهم ولا عن مشاريعهم الفاشلة وتدافعون عن العراق في ازمته
فكرة ولغة
الاستاذ الكاتب ابو عبدالله اشكرك كثيرا على مقالك وعلى غيره المقالات التي استمتع فيها كثيرا غن من ناحية الفكرة او اللغة المشوقة
واقعنا هو هذا 2
اعدل يا محمد . كلمة ثقيلة على حاسة السمع قبل ان تكون ثقيلة على الوجدان و العقل مع ذلك تقبلها رسول الرحمة بكل سعة صدر وتفهم ورد على بعض من اتسم بالغلظة حين هم بقتل ذلك الرجل قائلا صلوات ربي عليه دعه انه صاحب حاجة. كم استطاع النبي ان يغير من واقع مجتمعه؟ هل نجح النبي في تأمين الحياة بعده لطلاب الحاجة من خلال تربية الامة. ربما حقق نجاحات باهرة مع من لا تستهويهم الشهرة اما من كتب عنهم التاريخ مطولا فانهم لم يتعلموا من النبي شيئا.
واقعنا هو هذا
واقعنا مكتنز بالمشاعر العدائية تجاه الاخر ، ليس الاخر المغاير في الفكر بل حتى المغاير جزئيا في اسلوب العمل . خلاف بسيط كاف لتتناثر شرر العداء في اتجاهات مختلفة . الواقع افرز جماعات كثر تختلف الوانها ولكن عصب التفكير عندهم انا الحق و الحق انا و ما دوني الباطل .البعض تظهر عليه الحالة على شكل تخوين المختلف و آخر بالايذاء الجسدي الذي يصل عند المتطرفين منهم الى التصفية. تاريخنا متضخم بهذه النماذج سواء من الحكم او الثائرين عليهم.