العدد 2773 - الجمعة 09 أبريل 2010م الموافق 24 ربيع الثاني 1431هـ

دروس غنية من ليلة إحياء صمود النعيمي (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في ليلة إحياء جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) مرور ثلاث سنوات على صمود المناضل عبدالرحمن النعيمي في «أسره»، تشرف كاتب هذا المقال بدعوة من «وعد» كي يكون بين المتحدثين في تلك الأمسية، التي رغم أنها لم تستغرق أكثر من ساعتين، لكنها كانت غنية بالدروس التي يمكن أن نستشفها منها. ولعلها، أي تلك الليلة، كانت تريد أن تقول لجميع من حضر، من متداخلين وجمهور، طالما أنكم تحتفلون بصمود عبدالرحمن، فمن الطبيعي أن تكون الفعالية مختلفة نوعيا وغير تقليدية، ومن المتوقع أنكم ستحرصون على التمسك بدينامية عمله ورسوخ مبادئه، وهو أمر يحتاج تحقيقه إلى الكثير، مما ليس بحوزة من لا يملكون صبر النعيمي، أو عمق إيمانه بما يناضل من أجله. وكما يبدو من ردود الفعل التي أثارتها الندوة، وعلى وجه الخصوص منها، على ما جاء في مداخلة عبيدلي عبيدلي، فإن هناك بعض القضايا التي تستحق التوقف عندها ومعالجة نتائجها من أجل استخلاص العبر منها.

ولكي نستقي الدروس الصحيحة لا بد وأن نطلع القارئ الكريم على ملخص ما ألقي فيها من كلمات دون التقيد بتسلسلها الزمني. كانت المقدمة من نصيب مدير الندوة عبدالحميد مراد الذي مزج بين تضحيات النعيمي ورفيقة نضاله زوجته مريم، ونجح مراد في تسليط الأضواء على ذلك المزيج الثوري في صفوف تلك الأسرة المناضلة، مشيرا في أكثر من محطة من مقدمته، إلى ذلك الدور المميز الذي مارسته مريم، والذي كان له الأثر الكبير على مسيرة عبدالرحمن النضالية، التي نالت هي الأخرى نصيبها الذي تستحقه من تلك المقدمة القصيرة.

كان من بين المتحدثين أيضا ابن المناضل النعيمي، وهو وليد، الذي تناول سيرة والده النضالية، ولكن من زاوية مختلفة، مزج فيها هو الآخر، وبنجاح، قدرة النعيمي على بناء أسرة مناضلة متماسكة، حكم سلوكيات أفرادها حب الوطن، وسيرها تفانيهم جميعا، دونما استثناء، في العطاء غير المحدود على هذا الصعيد. وتناول وليد بعض الجرعات ذات الخلفية النضالية/ التربوية التي كان يزودهم بها والدهم بين الحين والآخر، وكيف أن تلك التوجيهات كانت بمثابة صمامات الأمان الضرورية التي كانوا في أمسِّ الحاجة لها كي تعينهم على تحمل مشاق مسيرتهم النضالية الوعرة.

كانت المداخلة الثالثة من نصيب، من شارك النعيمي أطول فترة نضالية في صفوف الجبهة الشعبية في البحرين عبدالنبي العكري، الذي تناول، بعد أن تحدث بشيء من الإسهاب عن محطات مضيئة من سيرة النعيمي، مشروع تأريخ سيرة هذا المناضل عن طريق جمع أعماله، وهي، كما أشار العكري، كثيرة وموزعة في أكثر من مكان، في إصدار خاص قد يرى النور خلال فترة قريبة. ونوه العكري بجهود أعضاء لجنة جمع هذا التراث، وعرج على الصعوبات التي تواجهها، مشيرا إلى عزمها إنتاج فيلم توثيقي خاص بحياة النعيمي يسرد، في إطار تلك السيرة، تاريخ البحرين المعاصر، الذي تشكل نضالات عبدالرحمن، منارات مضيئة تهدي من يريد قراءة ذلك التاريخ، بعين موضوعية منصفة.

سبقت كل تلك المداخلات، الكلمة التي دشن بها الكاتب الصحافي، ورفيق عبدالرحمن في دروب نضاله في صفوف الجبهة الشعبية عبيدلي عبيدلي، الذي حاول، بدوره، أن يسلط بعض الضوء على الحوارات الغنية التي كانت تعبر عن وجهات نظر مختلفة في صفوف الجبهة الشعبية في البحرين خلال فترة السبعينيات ومطلع الثمانينيات. أثارت تلك المداخلة الكثير من ردود الفعل التي رأت فيما ذهب إليه عبيدلي تجنيا على تاريخ النعيمي، وإجحافا بسيرته النضالية. ولربما كان على العبيدلي كي ينقل ما يدور في ذهنه من أفكار بشأن تلك التباينات، بشكل واضح وصحيح يزيل كل ما قد يلحق بها من لبس أو تأويل، دون أن يشوه ما يكنه لرفيق دربه من احترام نضالي، وما يحتفظ له به من حب شخصي، أن يمهد لأفكاره بالنقاط الآتية:

1. تحديد من الذي كان على حق، إذ كان من الضرورة بمكان أن يشير عبيدلي على نحو أكثر وضوحا، من أن التباين في وجهات النظر، لا يعني بأي شكل من الأشكال خطأ ما كان يتمسك به النعيمي، وصحة ما كان يدعو له العبيدلي، بقدر ما أن الدافع وراء محاولة إبراز ذلك التباين في وجهات النظر، يكمن في الحرص على تصوير ملامح تلك المساحة الواسعة من الحرية التنظيمية والصراحة الثورية التي كانت تسود صفوف الجبهة الشعبية في البحرين، وخاصة المراتب المتقدمة منها، وأن نسبة عالية من تلك الحرية يعود فضلها للنعيمي بوصف كونه الأمين العام للجبهة حينها، ورفاقه الآخرين من أعضاء المكتب السياسي.

2. تحديد حجم التباين في وجهات النظر ومدلولاته وطبيعته، الذي لم يصل، كما قد يكون قد فهم الحضور، وبفضل تلك المساحة من الحرية، إلى مستوى النفور أو درجة الانشقاق، بقدر ما كان، كما حاول العبيدلي، وربما خانه التعبير في ذلك، أن يضع الحوار في حجمه الطبيعي الإيجابي. لكن الأهم من ذلك أنها، كما أشرنا، عكست، أكثر من أي شيء آخر، حالة صحية كانت تسود صفوف الجبهة وينعم بها مناضلوها.

3. تحديد الفترة الزمنية، فقد كان من المهم جدا عدم تناول تلك التحولات وكأنها خط مستقيم غير متعرج سيطر على استراتيجية الجبهة الشعبية في كل مراحل نظالاتها؛ ما يحول الأمور الفكرية في الجبهة إلى ما يشبه الحالة السرمدية الاستاتيكية، والتي تظهر وكأنها عمّت صفوف الجبهة وحكمت أفكار النعيمي، الأمر الذي يفقد المتلقي القدرة على تتبع تلك التحولات الفكرية الإيجابية التي عرفتها الجبهة، والتي كان النعيمي في القلب منها، وله الدور الأساسي في تبنيها. وهنا كان على العبيدلي الإشارة إلى أن الفترة التي يتناولها هي تلك المرحلة التي تسبق الثمانينيات من القرن الماضي، ولا تشمل أيضا المرحلة التي عاد فيها مناضلو الجبهة، ومن بينهم النعيمي، من المنافي، في مطلع القرن الجاري إلى البحرين، بعد تدشين المشروع الإصلاحي. ربما كان على عبيدلي هنا أن يرسم خطوطا فاصلة واضحة تحدد المراحل التاريخية لتلك التحولات، فكرية، أم سياسية، بل وحتى التنطيمية منها، ووضعها في إطارها الزمني الدقيق.

4. استيعاب طبيعة المناسبة، فلربما كان الحضور يتوقع أن يسمع من العبيدلي شهادات مضيئة لوقائع معينة، وهي بطبيعة الحال كثيرة ومتعددة، جمعت بين الإثنين في مراحل مختلفة من مسيرة النضال، وبالتالي، فمن الطبيعي أن يصاب الحضور بخيبة أمل تتحول إلى صدمة سلبية عند سماعه ما ورد في كلمة العبيدلي من نقاط قد لا يكون زمنها أو مكانها الأنسبين ليلة «الإحياء» هذه. بل ربما يكون مكانها الأفضل ندوة داخلية أو ورشة عمل، تتناول هذه المسائل من زواياها المختلفة، وبشكل أكثر عمقا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2773 - الجمعة 09 أبريل 2010م الموافق 24 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً