العدد 2773 - الجمعة 09 أبريل 2010م الموافق 24 ربيع الثاني 1431هـ

«ستارت 2»... وحقبة التعددية الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

توقيع معاهدة «ستارت 2» في براغ بين الرئيسين الأميركي والروسي يعتبر خطوة مهمة في إطار نقل العلاقات الدولية من الأحادية القطبية إلى التعددية. ونجاح الخطة في التوصل إلى تفاهمات بشأن خفض الترسانة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات يمهد الطريق نحو البدء في صوغ فضاءات قد يكون لها تأثيرها في إعادة تشكيل التوازنات على قاعدة مغايرة لمنظومة العلاقات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي في تسعينات القرن الماضي.

إعادة تشكيل المنظومة الدولية لا تعني بالضرورة العودة إلى «الحرب الباردة» التي نهضت على قاعدة توازن القوة وانشطار أوروبا إلى معسكرين. فالثنائية كما يبدو انتهت مرحلتها وفقدت وظيفتها ودورها في تنظيم الصراعات وترتيب الحروب الإقليمية في العالم الثالث. كذلك تبدو الأحادية القطبية التي تضخمت مفاعيلها السلبية في عهد جورج بوش الابن في حال يرثى لها بعد أن اصطدمت بحائط مسدود وممانعة صينية وروسية وأوروبية.

العالم فعلا بدأ يتغير. فالدول الصاعدة إقليميا (البرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا وغيرها من البلدان النامية) لم يعد بالإمكان التعامل معها انطلاقا من اعتبارات جغرافية (جنوب الكرة الأرضية) لكونها تقدمت نسبيا وحققت خطوات اقتصادية يمكن لها أن تساعد على كسر احتكار دول الشمال للصناعات التقليدية أو التقنية الحديثة. والدول التي خرجت من معسكر أوروبا الشرقية لم يعد بالإمكان إعادتها إلى تلك الدائرة بعد أن حققت خطوات باتجاه الانفتاح على اقتصاد السوق. وروسيا الاتحادية التي خرجت من عزلتها وتراجعت مكانتها الدولية أخذت تشهد استفاقة على ماضيها القريب من دون الانزلاق نحو دائرة تكرر المشهد السابق. والصين التي صعدت اقتصاديا إلى مرتبة الدولة الثالثة ويرجح أن ترتقي العام المقبل السلم للوصول إلى الدرجة الثانية في الترتيب العالمي أصبحت الآن في موقع لا يسمح لها بالتراجع أو الانكفاء إلى عقلية ايديولوجية تغامر بكل تلك الإنجازات الحيوية التي حققتها في العقود الأربعة الأخيرة.

المشكلة كانت ولاتزال في الولايات المتحدة. فهذه الدولة وصلت إلى عصرها الذهبي في ستينات القرن الماضي، وهي لاتزال تحافظ على موقعها الأول حتى الآن، ولكنها دخلت في فترة «غرور» أورثتها الكثير من المشكلات الدولية والداخلية حين قررت في تسعينات القرن الماضي انتهاز فرصة انهيار المعسكر الاشتراكي وتعبئة الفراغات في كل العالم من دون مساعد أو شراكة. هذه السياسة الذهنية أسست خصومات غير محدودة العدد وأدت بالولايات المتحدة إلى مواجهات وصدامات وافتعال أزمات وشن حروب ما وضعها في موقع خلافي حتى مع أقرب الحلفاء في الاتحاد الأوروبي.

طموح أميركا (الدولة الامبراطورية) وصل في نهاية عهد بوش إلى خط فاصل بعد انهيار السوق النقدية وانكشاف الخزانة الأميركية أمام عجز هائل في ميزان المدفوعات والتجارة الدولية. فالطموح الفائض عن معدله أنتج سياسة واقعية وأعاد تدوير زوايا الصورة وتعميمها ضمن رؤية أخذت تعترف بالضعف وحاجة واشنطن إلى حلفاء للمساعدة وأصدقاء للمشاركة تحت سقف التساكن الدولي الذي يرتب منظومة العلاقات في إطار تعايش تعددي.

توقيع باراك أوباما وديمتري مدفيديف نسخة أولية لمعاهدة «ستارت 2» يشكل بداية طريق طويل ولكنها تختلف عن فترة الحرب الباردة (الثنائية) وفترة السلم البارد (الأحادية الدولية). فالظروف المعاصرة لم تعد تتناسب مع تلك المراحل. من جهة موسكو لا تستطيع روسيا الارتداد إلى الثنائية ومن جهة واشنطن لا تستطيع أميركا الاحتفاظ بموقع الانفراد والقطبية. وهذا الأمر يعني أن العالم لابد أن يشهد بداية خروج من طور الثنائية أو الأحادية إلى طور تعددي أخذ يتشكل في أفق العلاقات الدولية. والتعدد في معناه الكوني يتطلب إعادة صوغ للكثير من المفاهيم المتداولة وتلك المنظومات التي تم تعريفها والتعارف عليها ميدانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإنهاء حقبة الفاشية (النازية) وما أعقبها من تداعيات نجحت في تفكيك شبكة الاستعمار والدكتاتوريات في الكثير من دول العالم الثالث.

التعددية التي تمظهرت أمس الأول في براغ بتوقيع ثنائي على معاهدة تعيد الاعتبار لمعادلة القوة والاحترام المتبادل تعتبر مجرد بداية وخطوة نحو اعتراف بنهاية حقبة الحرب الباردة والسلم البارد التي سادت العالم منذ العام 1945 إلى العام 2010. فالتوقيع المبدئي يرجح أن تعقبه تفاهمات تعيد تشكيل هيئة الصورة الدولية وتطلق مجموعة أفكار تتناسب مع مرحلة أخذت تتركب في إطار متخالف مع تلك التقسيمات السياسية (الايديولوجية) التي صنفت البلدان جغرافيا ومناخيا ولونيا أو بحسب موقعها من خطوط الطول والعرض أو الشرق والغرب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2773 - الجمعة 09 أبريل 2010م الموافق 24 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:08 ص

      عبد علي عباس البصري

      بعد التهديد الامريكي باحتمال ضرب الدول المارقه بالسلاح النووي ،خير دليل على وهن معاهده ستار2 فالذي يمنع الولايات الامريكيه من تسديد هذه الضربه هو عدم ملائمه الوقت لهاولامتلاك كروريا الشماليه للسلاح النووي ممكن الستخادامه ضد حلفائها او ضدالولايات المتحد نفسها ،اما عن تخفيض ال1200 سلاح نووي لا يؤدي الى تذويب القطبيه الدكتاتوريه في الكره الارضيه . فما زالت الدول المارقه غير آمنه من الولايات المتحد

اقرأ ايضاً