لو قدر لأهل البحرين أن يتعلموا من عين «الحنينية» الشهيرة معاني العطاء والبذل والخير، لما وجدنا صداما أو كراهية أو ضيما بين الناس... كان الماء العذب الذي ينبع من تلك العين يروي أهل البحرين، ولنتخيل كيف كان الوضع في أوائل القرن الماضي حتى فترة الخمسينيات على سبيل المثال، حيث كان العاملون في السقاية، ينقلون المياه العذبة باستخدام الحمير والبغال الخيول، من الرفاع إلى المنامة، لكنها اليوم، أي الحنينية، بالفعل كما يقال في العبارة المأثورة: «أثرا بعد عين»، وكان الناس يشربون من مائها حتى عقد الثمانينيات.
حتى بعد نضوبها، لا يزال لعين الحنينية «حنين» أخآذ لا يبارح ذاكرة البحرينيين، مهما تلونت الأجناس البشرية وتنوعت حولها، فمن يعرف هذه الأرض الطيبة وأصآلتها، يعرف العين كما يعرف أهلها الكرماء.. الحنينية، كما في كتب التاريخ، بئر ماء، يقع في منطقة الرفاعين من جهة الرفاع الشرقي وهو اسم موقعة أيضا، وتعتبر إحدى أشهر عيون الماء في البحرين وتأتي بعد عين عذاري وقصاري من حيث الشهرة، وهي إحدى ثلاث عيون مشهورة في تلك الناحية بالإضافة إلى عين «غويفة» وعين «العتيقة»، وكان ماؤها عذبا بحيث يضرب فيه المثل لشدة عذوبته في البحرين فيقال (كأنه ماي حنيني)، ويمكن أن يقال إن ماءها من أعذب مياه البحرين، أما الوادي المجاور لها من جهة الجنوب، وتطل عليه قلعة (الفاتح) التي يعود بناؤها الى عهد الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح الذي اتخذ من الرفاع مقرا لحكمه، وبنى هذه القلعة في العام 1227 هجرية الموافق للعام 1812 ميلادية، كما قام بحفر بئر غربي القلعة هو عين الحنينية.
وادي الحنينية وادٍ جميل، لكنه لا يحتوي على أي مواقع أثرية بحسب المسح الذي أجرته الكثير من البعثات في البحرين، وهو وادٍ صحراوي تكثر فيه أشجار العوسج كما يقول الباحث جاسم حسين آل عباس، صاحب موقع «سنوات الجريش» المعني بتاريخ وتراث البحرين، وقد وثق آل عباس تاريخ العين استنادا على الكثير من المصادر منها:عقد اللآل في تاريخ أوال (صفحة 42)، مجلة الوثيقة (العدد 55)، التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، قلائد النحرين في تاريخ البحرين (صفحة 435)، ماضي البحرين وحاضرها للشيخ إبراهيم المبارك، ومقال بحثي للشيخ بشار عبدالهادي العالي، ويقول الباحث آل عباس: «حكى لي أكثر من رجل من كبار السن أن جماعة من العمانيين وبعض القاطنين في الرفاع كان يمتهن مهنة نقل الماء والمعروف قديما بالسقّاي، وكانوا يحملونه على البغال والحمير لإيصاله الى أهل المنامة، وكان المشرب المفضل عند علية القوم وحتى بقية الناس لكونه أعذب مياه البحرين».
صبيحة يوم أمس الجمعة تميزت بطقس لطيف، لهذا، فإن المنتزه القريب من العين كان يستقبل العشرات من المواطنين والمقيمين، فيما كانت الساحة القريبة من مقبرة الرفاع، تشهد مباراة في لعبة الكريكيت، والأهم من كل ذلك، اللقاء اللطيف الذي جمعنا مع أحد كبار السن من أهل الرفاع الشرقي وهو الحاج صالح بن إبراهيم، الذي كان يمارس رياضة المشي، والذي قدم لنا ذكريات جميلة عاشها منذ صغره بين ربوع وادي الحنينية وعينها، وبحسرة يقول: «ماتت العين يا ولدي... انظر، هاهي مسيجة لأنها تحولت الى أثر بعد عين، وما يحز في النفس، أن هذه العين التي كانت تروي جميع مناطق البحرين، نجدها اليوم ناضبة عطشى، وها أنت ترى صهريجا يضخ الماء في خزانات كبيرة لري مزروعات المنتزه».
ويشير الحاج صالح الى أن الكثير من أهل البحرين، من المحرق وسترة وقرى شارع البديع والجسرة وقرى المنطقة الغربية، كانوا يأتون منذ القدم إما للتزود بالمياه العذبة، أو للمصيف والضعن، أي قضاء وقت الصيف في ربوع الوادي، ولعلني أقول إن هذا الوادي كان بمثابة ملتقى بحرينيا أصيلا يضم الجميع بلا فرق... كانت تلك الأيام الجميلة، التي رحلت ولن تعود، هي أيام أهل البحرين الكرماء، ولا أقول إن صفاتهم تغيرت، فلله الحمد، أهل البحرين متحابون لا تؤثر فيها النوازل التي نعيشها بين حين وآخر، ولأن الزمن تغير، فالكثير مما كنا نعيشه قد تغير تبعا لذلك.
ووفقا لعدد من المواطنين الذين اعتادوا على التواجد يوم الجمعة للتنزه في الوادي، فإنه رغم فقدان العين التاريخية وتحولها الى بقايا ذكريات، لكن الوادي شهد الكثير من التطوير، فهناك المتنزه الجميل والمساحات التي تتيح الفرصة للناس لقضاء وقت جميل، وهناك مسجد وملعب، لكن لا بأس من اضافة المزيد من التطوير الى الوادي ليصبح منطقة جذب سياحي كما يرى المواطن يوسف الحردان، وهو من أهالي مدينة حمد.
ويشير الى أن أهم عاملين من عوامل الجذب هما وجود الموقع الأصلي للعين، ووجود قلعة الفاتح الشهيرة التي يزورها الكثير من المواطنين والمقيمين والسواح، ونتمنى من المسئولين أن يخططوا للمزيد من التطوير في هذا الوادي.
ومن المهم الإشارة الى أن مجلس بلدي المنطقة الجنوبية أولى اهتماما بمشروع إعادة تأهيل عين الحنينية وعين أم غويفه والعين العتيقة بالتعاون مع وزارة شئون البلديات والزراعة، باعتبار أن تلك العيون الواقعة في وادي الحنينية والرفاع الغربي تعد من العيون التراثية القديمة التي كانت مقصدا لجلب المياه العذبة وتزويد المنازل القريبة والبعيدة.
ويشير الباحث جاسم آل عباس الى أن أقدم مصدر ذكر هذه العين في المصادر التاريخية يرجع للعام 1604 ميلادية للرحالة البرتغالي (بيدرو تنهسيرا) حيث يقول في وصفه للبحرين: «وتوجد آبار في البحرين، ولكن أغلبها ليس عذبا، ومع ذلك يصلح ماؤها للشرب، وأحسن هذه الآبار الحنينية، وهذا البئر عميق ويقع في وسط الجزيرة، وتأتي بعده في الجودة تلك الينابيع التي تتواجد تحت سطح البحر»، وذكرها النبهاني في كتابه (التحفة النبهانية) في ذكره للمدينة الرابعة - بحسب تصنيفه - وهي الرفاع فقال ما نصّه: «وشرب أهلها من أربعة آبار، ثلاثة منها جهة الجنوب في الروضة، وهي من حفر الأقدمين، والرابعة جهة الشمال وتسمى الحنينية المشهورة بالعذوبة، والآمر بحفرها الشيخ سلمان بن أحمد (ابن الشيخ احمد الفاتح)، وعمقها نحو ثمانية أبوع، وأوقف عليها نخلا لتعميرها ولإظهار الماء منها إلى بركة بحذائها». وذكر في موضع آخر ما نصّه: «وجعل الشيخ سلمان بلدة الرفاع قصبة حكمه وحفر غربي القلعة المذكورة البئر المشهورة (الحنينية)».
ويلاحظ من خلال ما كتبه الرحالة البرتغالي بعض الأمور المهمة منها أن في الرفاع أربع عيون ماء ثلاث منها حفرها الأقدمون، ويذكر أن عين الحنينية المعروفة قد حفرها الشيخ سلمان بن الشيخ أحمد، ويستبعد الباحث آل عباس ذلك حيث ورد في كلام الرحالة تنهسيرا أن هذه العين كانت موجودة قبل عهد الشيخ سلمان بفترة، وبالتالي فالحاجة للماء كانت اقدم بالنسبة لقلعة محصنة، فقدم القلعة التي بنيت زمن فرير بن رحال ينبئ عن ان البئر او العين اقدم تاريخيا .
وذكرت الحنينية في كتاب في (قلائد النحرين) لناصر الخيري المتوفى في العام 1925 والتي قال عن الرفاع الشرقي : «وبها أبيار ماء الحنيني المشهور بعذوبته»، ولا فرق بين البئر والعين فالمقصود واحد، ولكن الغريب تعبيره بصفة الجمع في كلمة أبيار، وربما من باب تغليب عين الحنينية باسم الوادي الذي لا يبعد أن يكون بالقرب منها دون غيرها فيأخذون اسمها تغليبا، وذكرها أيضا الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه (ماضي البحرين وحاضرها) في ذكر الرفاع الشرقي حيث قال: «وفي الرفاعين الحنينية الشهيرة، وهما عينان عذبتان ليس في البحرين ولا غيرها من الينابيع الطبيعية عذوبتهما بل هما وماء المطر سيّان» .
بعد جولة تاريخية عذبة، نغادر وادي الحنينية، لكن لا يمكن أن يغادر اسم العين ذاكرة البحرين والبحرينيين.
العدد 2773 - الجمعة 09 أبريل 2010م الموافق 24 ربيع الثاني 1431هـ
ازمن
كنة ان اتمنا انى الله خلقني في ذاك الزمن
14 نور
يا ليت الزمان يعود يوماً:: راحت عيون البحرين فأصحاب الأطماع دمروها وقد ذهبت إلى غير رجعه.
غريب الدار
الله يا البحرين الله يرحم ايام الاول قبل لا يجي المرتزقه ليسعى في الأرض ليفسد
مثلما -طابق شأنن طبقه
بالضبط مثلما سلبوا التاريخ المجيد هاهم اليوم يعيدوننا لتاريخ مضى بغسلهم الاراضى كون ماء الحنينية أوقرضوه فما لهم الا ماية البحر - اه يازمن لو كنت لم ابعث حيا لما صدىء قلبى بالتتن
مشكور
ما قصرت اخ سعيد على المعلومة
اشلون
أقدم مصدر ذكر هذه العين في المصادر التاريخية يرجع للعام 1604 ميلادية للرحالة البرتغالي (بيدرو تنهسيرا.والآمر بحفرها الشيخ سلمان بن أحمد (ابن الشيخ احمد الفاتح)، وعمقها نحو ثمانية أبوع، وأوقف عليها نخلا لتعميرها ولإظهار الماء منها إلى بركة بحذائها. اشلون و يقولون عهد الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح الذي اتخذ من الرفاع مقرا لحكمه، وبنى هذه القلعة في العام 1227 هجرية الموافق للعام 1812 ميلادية، يعني كم عمره كان شوفو التواريخ