يبحث المسئولون في أروقة الأمم المتحدة في مدينة نيويورك مقترحا بتوحيد منظمات الأمم المتحدة العديدة التي تشجّع المساواة للمرأة وحقوقها ضمن كيان وحيد في «النوع الاجتماعي». وسوف يكون لهذا الكيان ميزانية إضافية كبيرة، تخضع قيمتها حاليا للنقاش، ويرأسها مسئول تنفيذي بمنصب أمين عام مساعد.
وتشكّل هذه فرصة هائلة للأمم المتحدة لرفع مستوى التمويل لقضايا المرأة العالمية ولإيجاد ما هو أكبر من مجرد مجموع الأجزاء. يقوم بإدارة نشاطات المرأة حاليا كل من «قسم تقدّم المرأة» و»مكتب المستشار الخاص للأمين العام حول قضايا النوع الاجتماعي وتقدم المرأة» و»صندوق الأمم المتحدة التنموي للمرأة» و»معهد الأمم المتحدة العالمي للبحوث والتدريب لتقدم المرأة». وتشكّل هذه فرصة تسنح مرة في كل جيل للأمم المتحدة لدفع حقوق المرأة في الشرق الأوسط من خلال تعيين أحد من المنطقة العربية لرئاسة هذا الكيان الجديد للنوع الاجتماعي.
إليك السبب: يشكّل اختيار امرأة عربية خطوة إلى الأمام باتجاه الاعتراف بأن الدول النامية لم تعد في خلفية الصراع من أجل المساواة، بل إنها تقود التغيير. كانت أولويات حركة المرأة العالمية لسنوات طويلة توضع في عواصم الدول الغنية، بحيث ينساب التمويل من الحكومات والمؤسسات الخاصة إلى القضايا والمناطق التي يتم تحديدها كأولويات عالمية. في هذه الأثناء تم التغاضي إلى درجة كبيرة عن كفاح واستراتيجيات النساء العربيات الناشطات والمنظمات غير الحكومية، والنجاحات المتزايدة ضد عدم المساواة في النوع الاجتماعي.
واليوم، مازالت الحكومات المهيمنة والجهات المموّلة تلعب دورا رئيسيا في توجيه التمويل لتمكين المرأة. إلا أن مجموعة ناشطة بشكل متزايد من النساء المحليات والعالميات والمنظمات غير الحكومية تضع أجندات فاعلة بشكل خاص تحقق احتياجات المرأة في بلدها.
سوف يزيد تعيين امرأة عربية على رأس هذا البرنامج الجديد الضغط على حكومات المنطقة لاحترام الالتزامات التي قطعتها بموجب معاهدة إزالة كافة أنواع التمييز ضد المرأة (سيداو)، وسيشكل مؤشرا قويا للحكومات العربية بأن المجتمع الدولي ملتزم بالتطبيق الكامل للمعاهدة.
ورغم أن معاهدة سيداو قد تم توقيعها من قبل جميع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باستثناء السودان والصومال، إلا أن الدول العربية مستمرة بجرجرة أقدامها في تطبيقها، وهي مستمرة في فرض التحفظات والاستثناءات حيال مواد في المعاهدة تتعارض مع العادات والقوانين المحلية، والتي تجعل من العديد من أحكام المعاهدة غير فاعلة. سوف تجد الحكومات العربية أنه يصعب تجاهل صوت قوي، بلغتها، يقود الهجوم من أجل حقوق المرأة من أعلى مستويات الأمم المتحدة.
وينسحب هذا المنطق كذلك على مجموعات الإعلام والمجتمع المدني. وسوف يشكّل صوت عربي مِقدام في مقدمة حركة المرأة العالمية عنصر جذب للإعلام العربي، الذي طالما كان بطيئا في نشر رسالة مساواة المرأة، إضافة إلى تجميع القوة من أجل الجيل الثاني من ناشطي المجتمعي المحلي.
تجمعت ناشطات من العالم العربي وما وراءه الأسبوع الماضي في مدينة نيويورك في لجنة الأمم المتحدة الرابعة والخمسين حول وضع المرأة واحتفلن بنجاحات العام الماضي، مثل إعلان الأردن رفع بعض التحفظات على السيداو وإعطاء المرأة حقوق سفر غير مقيدة. كنت جزءا من ذلك الاجتماع، وقد جرى تذكيري بالعمل الذي مازال أمامنا في الصراع من أجل المساواة القانونية للمرأة ومشاركتها الاقتصادية وتمكينها الاجتماعي.
غادرت الاجتماع وأنا مقتنعة بأن استحداث هذا الكيان الجديد سوف يجعل من العام 2010 عاما مميزا في الصراع من أجل حقوق المرأة، على نفس مستوى صدور معاهدة سيداو العام 1979، وتبني منبر عمل بيجين العام 1995 الذي أرسى قواعد عدد من الأعمال من أجل تغييرات أساسية بحلول العام 2000 وطرح الأهداف التنموية للألفية العام 2000.
هذه فرصة تاريخية بحق لحركة المرأة العالمية. يتوجب على صانعي القرارات العالميين في نيويورك أن يعرفوا أن المرأة العربية، من بغداد إلى الدار البيضاء، تراقب عن كثب وبانتظام قيام امرأة عربية برفع لواء المساواة العالمية في النوع الاجتماعي.
* مؤسسة ورئيسة منظمة «كرامة»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2773 - الجمعة 09 أبريل 2010م الموافق 24 ربيع الثاني 1431هـ