بعد تسليط الضوء على محوري الاقتصاد والسياسة، نصل اليوم إلى الضلع الثالث الذي يغلق مثلث محاور العلاقات الهندية الأميركية، وهو المحور العسكري. وقد رأى العديد من المصادر في الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية إلى الهند في العام 2009، مؤشرا قويا على رغبة واشنطن «تأكيد الشراكة الأميركية الهندية في المجال النووي ولزيادة الضغط على باكستان حتى تستجيب لمطالب الهند فيما يسمى (مكافحة الإرهاب) الشغل الشاغل للغرب ومن سار على نهجه».
ومن الضرورة بمكان رؤية تطور العلاقات العسكرية بين البلدين في ضوء التحول النوعي في الاستراتيجية العسكرية الأميركية التي كانت، ومنذ تأسيس وزارة الدفاع الأميركية في العام 1947، مرتكزة على «كيفية الاستعداد لحرب ضد قوى كبرى، ومن ثم تأهيل الجيش الأميركي وتدريبه لكي يقاتل جيوشا أخرى منافسه له»، إلى ما يمكن أن نطلق عليه استراتيجية ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001، والقائمة على مواجهة مجموعات صغيرة مسلحة ومتحركة، قادرة على ضرب أهداف أميركية حيوية مثل برجي المركز التجاري، وفي عقر دار الولايات المتحدة.
ورغم حصر البعض العلاقات العسكرية بين الطرفين في أمور مثل المناورات العسكرية (الهندية - الأميركية ) المعقدة التي نفذتها جيوش البلدين، كتلك التي تمت في العام 2003، وشاركت فيها أفضل أسلحة الجو الهندية من ميغ 27 وميغ 21 والمقاتلة إس يو 30، الروسية الصنع، مقابل الطائرات الأميركية إف 15 وإف 16، لكن تبقى تلك المناورات محصورة في نطاق ضيق من مستويات التعاون والعلاقات الاستراتيجية التي تشمل شراء الهند للأسلحة الأميركية المتطورة، وبكميات كبيرة، وبرامج التعاون العسكري الواسعة بين البلدين، وبين هذا وذاك، وأهم من كل ذلك جميعه، هناك برنامج التعاون النووي الأميركي - الهندي، الذي يشكل ركيزة أساسية للتعاون العسكري بين البلدين من جهة، وهاجسا ليس لدولة مثل باكستان فحسب، وإنما دولة آسيوية عظمى بمستوى الصين من جهة ثانية.
وما يميز هذا البرنامج التعاوني، عن سواه من تلك التي تعقدها الولايات المتحدة مع دول آسيوية أخرى - باستثناء إسرائيل - ويمده بالأهمية الاستراتيجية، هو البنية التحتية والخبرة البشرية التي تمتلكها الهند على هذا الصعيد، إذ تعود جذور البرنامج النووي الهندي إلى الأربعينيات من القرن الماضي عندما شرعت نيودلهي في تأسيس معهد «تانا» سوية مع تكوين أول مجمع هندي في العلوم النووية، وتشكيل لجنة الطاقة الذرية الهندية، وإنشاء مركز تدريب للعلوم النووية معززة ذلك بإعداد مجموعة مختارة من العقول الهندية. وتوالت الخطوات الهندية على هذا الطريق لتتوج في العام 1957، بتشغيل مصنع لإنتاج اليورانيوم المخصّب من خامات محلية. ولم يأتِ منتصف السبعينيات حتى كانت الهند قد نجحت في عمليات فصل البلوتونيوم المتقدمة علميا.
ومما يدل على الاهتمام الذي توليه الولايات المتحدة لتطوير برنامج التعاون هذا، ومن ثم قدرات الهند النووية، هي تلك التعديلات التي أدخلها الكونغرس الأميركي على بعض القوانين، في مطلع العام 2006، والتي هدفت أساسا إلى «تسهيل التعاون النووي بين أميركا والهند، وذلك حسب الاتفاقية التي وقعها البلدان في يوليو/ تموز 2005»، والتي اعتبرها مساعد وكيل الخارجية الأميركي ويليام بيرنز بأنها «أهم التطورات التي تشهدها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وأهم التعديلات التشريعية التي تدخل على القوانين الأميركية منذ سنوات».
اتفاقية التعاون النووي هذه تمت كما ورد في موقع «المعرفة» في إطار العلاقات الثنائية بين الهند والولايات المتحدة الأميركية، «ووقعها كل من رئيس الولايات المتحدة الأميركية جورج بوش ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ، وتلتزم الهند بموجب تلك الاتفاقية بعملية فصل بين برنامجها النووي للأغراض العسكرية عن برنامجها النووي للأغراض المدنية والمرافق والمنشآت، وعليه التزمت الولايات المتحدة بالعمل على التعاون الكامل مع الهند في مجال التسليح النووي المدني».
والملفت للنظر هو ذلك الموقف الإيجابي الذي حظيت به تلك الاتفاقية من لدن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم أن الهند التي أجرت أول اختبار نووي لها في العام 1974 ثم مرة أخرى في العام 1998 فإنها مازالت ترفض التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، التي، كما ورد في موقع «المعرفة» أيضا. وبالتالي فمن الصعب تفسير موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي «فتحت الطريق أمام تطبيق اتفاق التعاون النووي الأميركي الهندي المثير للجدل عبر إعطائها الضوء الأخضر لمقترحات نيودلهي للإشراف على منشآتها النووية. وأعلن دبلوماسيون في الاجتماع المغلق لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن المجلس وافق على خطة للتفتيش على منشآت نووية هندية وهي خطوة أساسية بخصوص إنهاء اتفاق للتعاون النووي بين الهند والولايات المتحدة»، بعيدا عن النفوذ الذي تتمتع به واشنطن في دهاليز تلك المنظمة.
وقد رأى الكثيرين في التوقيع على هذه الاتفاقية النووية ما يشبه المكافأة التي تقدمها واشنطن للهند التي تدرك بدورها حاجة هذه الأخيرة «إلى مثل هذا الاتفاق أكثر من حاجة الهند إليها. فالإدارة الأميركية تريد مساعدة الهند في زيادة اعتمادها على الطاقة النووية لتلبية الحاجة المتزايدة إلى مصادر الطاقة بدلا من الضغط على مصادر الطاقة التقليدية وخاصة الفحم والنفط». وفي هذا السياق تعتبر السفيرة الأميركية السابقة في سريلانكا والمدير الحالي لقسم جنوب آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن تريسيتا شافير «إن مجموعة المصالح المشتركة بين نيودلهي وواشنطن يمكن أن تساعد الطرفين في المضي قدما بالعلاقات الثنائية التي اتسمت على مدى عشرات السنين بالكثير من الشك والقليل من التقارب لتدخل مرحلة جديدة من التعاون البنّاء. وتضم قائمة الاهتمامات والمخاوف المشتركة الأمن في منطقة المحيط الهندي والأمن الآسيوي بشكل أوسع بما في ذلك صعود القوة الصينية والطموحات النووية لإيران وإدارة الطموحات العالمية للدول الأخرى».
كل هذه العناصر الإيحابية لا تعني إطلاقا أن مياه العلاقات بين الدولتين ليست صافية، بل تعكرها الكثير من العقبات، ليس ملف العلاقات الهندية - الإيرانية، والصينية - الهندية إلا بعضا منها؛ ما يستدعي بعض الترقب لما ستؤول إليه العلاقات بين الدول الآسيوية قبل الخروج باستنتاج قاطع حول آفاق العلاقة بين البلدين. لكن رغم كل تلك الألغام التي تعترض طريق تلك العلاقات، تبقى مقوماتها الأساسية صلبة وتشير إلى احتمالات تطورها نحو الأمام أقوى من إمكانية تقهقرها نحو الخلف.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2772 - الخميس 08 أبريل 2010م الموافق 23 ربيع الثاني 1431هـ
الهند الحليفة
بلا شك, تعتبر امريكا الهند حليف استراتيجي لها لمقاومة التطرف الاسلامي الممثل في باكستان وايران. وتريد اميريكا من الهند ان تقوم بخلق توازن اقتصادي مع جارتها الصين من اجل المصلحة الامريكية. ولكن يبدو ان الهند لها استقلال قوي عندما ياتي الوقت لاتخاذ قرارات لاتنصب في مصلحتها. وتحاول امريكا استمالتها لتاخذ موقف يتناسب مع الرغبة الامريكية لخلق توازن اقتصادي و عسكري في المنطقة الممتدة من ايران الى شرق دول اسيا. رياض خميس
الغرض ليس بتعدد الألسن ولكن ماذا سيقدم هؤلاء للبشرية جمعاء
الغرض ليس بتعدد الألسن ولكن ماذا سيقدم هؤلاء للبشرية جمعاء .. مع تحيات ندى أحمد