العدد 2771 - الأربعاء 07 أبريل 2010م الموافق 22 ربيع الثاني 1431هـ

فَتَاوَى التكْفِير

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيّام ذَكَرَت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية أن مجلس الشورى السعودي «شهد مقترحا يُطالب بسنّ تشريع يجرّم فتاوى التكفير الصادرة من خارج المؤسسة الدينية الرسمية، وذلك بغية وضع حد لهذه الفتاوى التي أخذت في الازدياد خلال الآونة الأخيرة». (راجع عدد الصحيفة 11451 بتاريخ 05 أبريل/ نيسان 2010).

المقترح المسنُود إلى عضو لجنة حقوق الإنسان بالمجلس زهير الحارثي، والذي يُشار إليه بالبنان والمسئولية، يُؤسّس لحالة باتت محلّ عناية من القيادة السياسية السعودية. فالمملكة وبسبب خصوصيتها الدينية التي لا يُعادلها أيّ مكان آخر، أصبحت تعِي جيدا حجم المخاطر التي يُنتجها النصّ الديني عندما تأسره جماعات وأفهام وأحزاب مُتطرفة.

فحصريّة التأويل أو سرقته، ثم إنتاجه بطريقة تتلاءم وضمير الحزب فقط، عادة ما تلجأ إليه الجماعات الأكثر انغلاقا. هذا الانغلاق يُولّد صفاء روحيا وذهنيا لديها، لكنه يُمسي عُرضة لأي خدش بسيط حتى من قَنْزَعَة الريش. وبالتالي فهي تُصرّ عليه (التأويل) وكأنه عُصارة ما أنتجه العقل البشري، وتشبيهه بطريق الوصول إلى السّماء. وهنا تكمن المأساة.

في أحوال المملكة العربية السعودية يُلفِتُك أمران يسبقهما مدخل. فيما خصّ المدخل، فإن مساحة هذا البلد المترامي الأطراف والذي يأكل ثلاثة أخماس شبه الجزيرة العربية (2,149,690 كم2) يجعل من ضبط الأمن الاجتماعي والسياسي فيه معقّدا للغاية. كما أن سِعَة الحدود التي تُولّدها تلك المساحة تُنتج اعتبارات أمنية ذات أهميّة قصوى. وهو ما استثمره الإرهابيون فيه.

أما في الحال الأول: فإن وجود الحرمين الشّريفين على الأراضي السعودية يُمثّل في نفسه بُعدين أساسيين بعضه رمزي، والآخر حقيقي. فرمزيّة المكانين الشّريفين وتوابعهما يُؤدّي إلى متابعة شئونهما على الأرض (وهي متابعة تستحق التقدير والثناء)، وأيضا إفاضاتهما الدينية والروحية التي تُنتجها حالة الانتساب الفردي إلى الإسلام.

وفي البُعد الحقيقي، فإن وجود مثل تلك الصّروح الدينية، فإننا نتوقّع أن ما يأتيها من قُصّاد عِلم، وحين يبقرون كتب الحديث والتراث والتفاسير، فإن هذا المجموع عادة ما يُنتج عقولا شاذة تَجْنَح إلى غير الجادّة. وهي حالة من الأنماط تُبتلَى بها عادة أمكنة العِلم المُزدحمة بالاجتهادات والشخوص، ليس بالضرورة على مستوى المؤسسات، وإنما لدى الأفراد والتي تجري بصورة غالبة.

وفي حال الأمر الثاني، فإن هناك خلطا غير عادي جرى تأصيله ما بين الفتوى والجهاد. هذا الخلط قاد إلى أن تتحوّل الفتوى إلى إسفاف وابتذال، والجهاد إلى إرهاب. وربما كان التقويم الفردي الذي اتّبعته المملكة العربية السعودية في مشروع المناصحة والإرشاد للضالّين من الشباب داخل طواحين الأفكار المتطرفة، خير وسيلة نحو إرجاع المصطلحَيْن إلى مكانيهما الحقيقيين. الفتوى بدل الإسفاف، وعنوان الجهاد بدل الإرهاب.

هذه المجابهة، في تخليص الفتوى من عُنفيّة القول والتأصيل لا تحتاج فقط إلى دولة ومؤسسات ناظمة تُمارس سطوة لإرغام المتطرفين على ترك دَيْدَنِهم المنحرف، وإنما يحتاج أيضا إلى تصحيح مفهوم الإفتاء، بالتركيز على قدرة المُفتي على إدراك المنطق وتفاسير الآيات وعلم الحديث واللغة والقانون والناسخ والمنسوخ كما تقوم بذلك المملكة، وليس حالة الارتجال التي ابتُلِيَ بها منبر الإفتاء في العديد من أماكن بلاد الإسلام.

فالفتوى عابرة للحدود. تدخل بين الأفراد والجماعات والكيانات بدون استئذان. وكلّنا يتذكّر يوم 23 فبراير/ شباط من العام 1998 عندما أعلن تنظيم قاعدة الجهاد والحرب على «الصليبيين». وما أدّى ذلك من أحداث دامية جرت في أكثر من ستين دولة حول العالم، ومازالت. لقد عبر فكر القاعدة حدود الدول واستوطن فيها.

وحين يتحوّل التأثير إلى أفكار ونظريات ومرئيات، يُصبح قلعه واجبا حتى وإن كان ضاربا في الجذور؛ لأنه باختصار أمان للمستقبل، واستئصال لمنابت الشّر، التي تفتح من الجحيم ما يكفي لحرق العالم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2771 - الأربعاء 07 أبريل 2010م الموافق 22 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 9:35 ص

      التكفير نشط بشري منذ القدم

      لا يوجد دين أو فكر أو اعتقاد او مذهب بشري ليس فيه تكفير، الفرق في التسمية و الشكل. و قد يظهر التكفير في صورة انسانية مقبولة, و قد يظهر في صورة همجية متخلفة.
      ما يميز التكفيريين الحاليين من جميع الأديان و المذاهب هو اقترانه بالعنف و استحلال الدماء، و قد وقعت فيه كل الطوائف و المذاهب و الأفكار من سنة و شيعة و وهابية و بعثية و شيوعية وعلمانية.

    • زائر 5 | 4:24 ص

      لماذا هذا الانقلاب

      لولا تكفير المحيطين بقلب الجزيرة واعتبارهم كفارا يجب الاستيلاء عليهم لما قامت دولة اصلا فالتكفير والقتال هو المبدأ الاساسي للدولة , ولم يخرج الاعلام بصرخات عدم التكفير الا عندما تعرض رموز هذه الدولة نفسها الى التكفير من تلاميذهم (كما تدين تدان) وهؤلاء التلاميذ جاءوا في الوقت والمكان والظروف الغير مناسبة فقط

    • زائر 4 | 3:11 ص

      تساؤل

      ما المانع حين يكون هناك ما يستحق الثناء ؟ الرسول ص مدح النجاشي وهو على دين المسيحية

    • زائر 3 | 3:11 ص

      عفوا ..

      عفوا اخي هل عنوان موضوعك فتوى التكفير أم التفكير .. لان ما يحصل الان على الساحة الاسلامية والسياسية هيى فتاوي ضد التفكير وليس التكفير ..من يفكر يكفر اذن هي تقديم الكاف على الفاء المشكلة ليست في الفتوى نفسها المشكلة هي في تفكيرنا الضيق الذي لا يتجاوز حدود فروة الراس وان تجاوزها سلخت الفروة !!!

    • زائر 2 | 12:03 ص

      محاسبة هؤلاء

      ثم من سيستطيع محاسبة هؤلاء الشيوخ اذا كانوا هم ظل الله في الارض؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 1 | 11:50 م

      ديكور

      تلك الخطوة ليست سوى ديكور وليست مشروع حقيقي يامحمد

اقرأ ايضاً