العدد 2771 - الأربعاء 07 أبريل 2010م الموافق 22 ربيع الثاني 1431هـ

مجيد مرهون... ومضيتَ مثل السيف فردا

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في صباح الإثنين الماضي، شرعتُ بقراءة سيرة المناضل الإفريقي الأسود نلسون مانديلا «التجربة والحصاد»، وفي المساء كنت على موعدٍ مع حفل تأبين شبيهه المناضل البحريني مجيد مرهون بجمعية المهندسين.

الرجلان متشابهان حتى تظنهما توأمين، فكلّ منهما كان مناضلا من أجل قضية الوطن المكافح ضد العبودية والاستغلال. عاش مقيّدا بالأصفاد، وقضى شبابه مغيّبا وراء القضبان، في جزيرةٍ معزولة، ولذلك لم يخطئ من أسمى مجيد مرهون بمانديلا البحرين. وحين زار مانديلا الإفريقي المنامة، أخبره الزميل محمد فاضل بوجود سجينٍ سياسي قديمٍ يشبهه، ردّ عليه: «أريد أن أراه»... وكيف لك أن تراه؟ ومن رآك في جزيرة «روبن»؟

وُلد مرهون في أحد بيوت حيّ الفقراء المعدمين (العدامة)، في 17 أغسطس 1945، بعد عشرة أيام من إلقاء قنبلتي هيروشيما ونجازاكي اللتين وضعتا النهاية للحرب العالمية الثانية. وتعلّق بالموسيقى مبكرا، وارتبط اسمه بآلة «السكسفون» التي عشقها، ولمّا كان صوتها مرتفعا، كان والده يطلب منه تخفيض الصوت لئلا يزعج الجيران، فكان يردّ عليه: «هكذا هي السكسفون»!

في شبابه أحبّ فتاة وأراد أن يخطبها، وتقدّم فعلا لخطبتها، ولكنه راجع نفسه بعدما انخرط في الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار البريطاني. وبعدما سُجن طلب من أمه أن تنهي الموضوع مع الفتاة، فهو مقبلٌ على سجنٍ طويلٍ طويل... يشيب فيه الصغير، ويهرم فيه الكبير. إن عليه أن ينسى بعد اليوم أحاديث القلب والرومانسية والزواج، وعلى الفتاة التي اختارها أن تنساه.

العائلة التي تحدّث بلسانها أخوه عبدالرحمن، لم تنس يوم اعتقاله، ولا يوم الحكم عليه بالمؤبد، ولا أيام المقابلات التي يلاقي فيها أهالي السجناء الإذلال المتعمد على أيدي الشرطة الغلاظ والحرس الأفظاظ. ولن تنسى يوم وفاة أخته التي كانت تحلم كغيرها من أخوات السجناء السياسيين بأن تراه عريسا وترى أطفاله. ويشاء القدر أن يخرج ليتزوّج ويخلّف ابنا وحيدا اسماه رضا، ليظل ذكرى تشم فيه العائلة رائحة الراحل العزيز.

في السجن قضى السنوات الأولى مقيّد الرجلين بالسلاسل الثقيلة، لأن رجل المخابرات القوي إيان هندرسون صبّ عليه جام غضبه انتقاما من عمليته التي نفذّها ضد رجال الحامية البريطانية. وحين نقل إلى جزيرة جِدا في الشمال الغربي من الجزيرة الأم، شعر بأنها جزيرة موحشة ومخيفة. كان عليه أن يقضي الشطر الأكبر من العقوبة في هذه الجزيرة المعزولة قبل أن يستقر أخيرا في سجن جو في أقصى الجنوب.

السجن حوّله مرهون إلى مدرسةٍ، حسب الإمكانات المتواضعة، عاد لهوايته القديمة يسقيها، درّس نفسه بنفسه الموسيقى، فالسجن ليس آخر المطاف. السجن لم يكن إصلاحية ولا تقويما، وإنّما محرقةٌ لإيقاع أقسى أنواع العقوبة والأذى بالمعارضين، لتحطيم إرادة البشر وتحويلهم إلى خردةٍ بشريةٍ محطّمة. وفي السجن ألّف الكثير من المقطوعات الموسيقية التي لاقت اعترافا دوليا، خصوصا في دول الكتلة الاشتراكية، وهي أهم ما ترك الرجل وراءه من ميراث، فقد عاش فقيرا ومضى فقيرا. ورغم ما ناله من تكريمٍ في عدة مناسبات، شعبيا ورسميا، إلا انه مضى نظيفا، شامخا، مرفوع الرأس، لم يلوّث يديه بعطايا أو فتات، وتلك نعمةٌ وجاهٌ ومنزلةٌ لا يدركها الكثيرون.

على هامش التأبين الشاعري الحزين، جاء المئات من البحرينيين، من مناطق وجمعيات وتيارات فكرية مختلفة، تقديرا واحتراما لهذه الرمز وما ناله من عذابات. وكانت يستقبلهم عند مدخل جمعية المهندسين مجسم للزنزانة الانفرادية التي قضى فيها شطرا من عمره. كانت الزنزانة هذه المرة خالية، فقد رحل صاحبها، وبقي «السكسفون» نائما على فراشه الملقى على الأرض الترابية. عشتَ وحيدا غريبا... ومضيتَ مثل السيف فردا.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2771 - الأربعاء 07 أبريل 2010م الموافق 22 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 2:49 م

      الراي الاخر

      رأي صواب قابل للخطأ ورأي اخي خطأ قابل للصواب

    • زائر 15 | 12:54 م

      زهراء ...

      قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ( ما تركت لي الصراحة من صديق )
      والحمدلله الأشراف في غنى عن صداقة كل وضيع ...
      رحمك الله يامرهون ...

    • زائر 14 | 12:37 م

      الله العالم

      عبارة جميلة أختتمت بها الأخت الزائرة لكن من هو الزائر رقم 1 ومن يدفع له؟ كلها أمور الله العالم بها قد لايدفع له أحد ألم تقولي بأنه نكرة كلها أمور مجهولة وإفتراضية لذا عندما نرتقي بالردود سيكون الجميع ملتزم بالرد الموضوعي العقلاني الذي يثري النقاش والحوار وستكون الردود السلبية شاذة وستتلاشى مع الوقت. منذ فترة وأنا في حيرة من أمري حاولت قدر المستطاع فك طلاسم الزوار من أي طبقة مثقفة غير مثقفة متعلمة غير متعلمة مسيسة غير مسيسة إلخ لم أجد جواباً شافياً ممكن احد ينورني؟

    • زائر 13 | 11:30 ص

      نحو ردود أكثر حزم وأكثر جزم وأكثر عقلانيه...أجودي

      لا ندعي العصمة للسيد. ولا نقول بأنهُ لا يغلط, أو ليس لديه أخطاء. على الأقل على المستوى المهني. لأننا كلنا مسلِمون ومسَلمون بأن بني آدم خطاء.. وكما يقال: لكل فرس كبوه,, ولكل عالم هفوه.. أما ما يجعلنا >نُأدب< و>نشذب< البعض من أصحاب الردود _السامه_ والمدفوع لها سلفاً!. كي تعطل أو تعرقل هذا الصحافي الشريف أو ذاك.. هو بسبب معرفتنا المسبقه بهذه الرجل. الذي تجتمع كـــثــــيـــــر من الناس حول مصداقيته..... فلهُ منا كل الإحترام والتقدير... في الإتفاق وفي الفراق....

    • زائر 12 | 11:10 ص

      نحو ردود أكثر حزم وأكثر جزم وأكثر عزم وأكثر عقلانيه....أجودي

      لا ندعي العصمة للسيد. ولا نقول بأنهُ لا يغلط, أو ليس لديه أخطاء. على الأقل على المستوى المهني. لأننا كلنا مسلِمون ومسَلمون بأن بني آدم خطاء.. وكما يقال: لكل فرس كبوه,, ولكل عالم هفوه.. أما ما يجعلنا >نُأدب< و>نشذب< البعض من أصحاب الردود _السامه_ والمدفوع لها سلفاً!. كي تعطل أو تعرقل هذا الصحافي الشريف أو ذاك.. هو بسبب معرفتنا المسبقه بهذه الرجل. الذي تجتمع كـــثــــيـــــر الناس حول مصداقيته..... فلهُ منا كل الإحترام والتقدير... في الإتفاق وفي الفراق....

    • زائر 11 | 10:48 ص

      14 نور... تتحدث عن العقلانية

      تتحدث عن العقلانية وهي شيء جد جميل ولكن أن تتحدث بالعقلانية مع من لديه عقل هو عين العقل أما من ليس لديه عقل فيجب إتخاذ الموقف الجازم والحازم تجهاهه فلربما إذا سمع من أحدٍ ما كلمت جارحة ولكن محقة لعل هذه الكلمات تفتح إحدى عينيه ليرى الحقيقة التي كانت غائبة عنه فمن يكون خطه مشوباً بالعلائق و الشوائب يجب أن نقترح عليه الحل وذلك لمساعدته على تخطي عمى البصيرة و الله العالم.

    • zahraa nasr | 10:38 ص

      حسافة ما عرفناه الا لمن رحل

      رحمة الله عليك ابو رضا
      نفسي اشوف عايلته

      الى جنان الخلد ومثواك النعيم

    • زائر 10 | 8:03 ص

      نحو ردود أكثر عقلانية

      ياجماعة الخير الله يهدي الجميع ليش الردود تكون جارحة وفيها روح عدم تقبل الراي الآخر خلوا الرود راقية ممكن تختلفون مع الواحد وممكن تتفقون معاه ولكن هناك اسلوب للرد علشان نقدر نطلع عليها بس إذا كانت بهذا الأسلوب فالواحد حسافة يضيع وقته ثانياً السيد له وجهة نظر بس هو ايضاً بشر يخطىء ويصيب فليش غالباً مالا يرضى الأخوة القراء إنتقاده أو الإختلاف معه بطرق راقية بغض النظر عن رد الزائر رقم 1 وكأنه شخص معصوم ياجماعة بهذه الصورة تعطون إنطباع سلبي وغير حضاري خلوا التطور ذاتي وبدون حساسيات.

    • زائر 9 | 5:00 ص

      14 نور // رد للزائر الخامس صاحب الوساوس

      لقد أغلظت بالقول على من هو اعلى منك شأناً و أعرق منك نسباً و أعظم منك حجماً فما تلاقف به لسانك ليس إلا جهلاً يعتريه الكره و الخنوع لمن يدفع لك المال فأنت لا كنت و لن تكون, نكرةُ ُ حللت على سيدنا بعباراتك التي تعكس بيئتك ونكرةُ ُ حللت على القارئين فنصيحةُ ُ من دون أن تدفع لي كما يدفعون لك تكلم فيما تعقل فلا أعتقد بأنك عقلت سطراً واحداً مما كتب فعلى عقلك العفى.

    • زائر 8 | 4:53 ص

      14 نور // ما أكثر شموعنا التي أضائة لنا الطريق

      و كذا قضاها قادتنا الكبار أمثال القئد المناضل مجيد مرهون وقائدنا الذي لن ننساه سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري الذي قضى فترات في حياته مناضلاً و مسجوناً في عقر داره ليصادروا كلمته التي كانت تهيج الجمهور لما كان يحتله من الصدارة في قلوب المحبين فهو كان رجلاً عالماً بصيراً بالأمور السياسية وغيرها و قد كانت أواخر حياته رمزاً في الشجاعة وعدم الخنوع للإملائات التي كانت تملى عليه من قبل الجلاد وقد فقد الكثيرين من أحبابه و أصحابه و بالإضافة تهجير إبنه المناضل الآخر الذي عكس ما هية والده العزيز العزيز.

    • زائر 7 | 4:11 ص

      يوركت و بورك قلمك

      دع الكلاب تنبح و القافلة تسير ,,,, هكذا هو ديدن الأحرار خلقوا لينطلقوا لا ليقيدو و الموت ليس نهاية بل هو مولدا لعالما جديد و رحم الله أحرار هذه الأمة ...أبو مريم

    • زائر 6 | 2:46 ص

      راسك مرفوع

      أنا أشعر ان هذا المعلق من كتاب تلك الصحيفة التي لا يقرأ لهم احد من اصحاب البندر. فيجيئون للتعليق هنا باسماء مستعارة. هذا احساسي.
      لا عليكم منه فهو انسان ما عنده ذوق، وإلا لاحترم الراحل المظلوم واحترم ذكراه، بس هؤلاء ما عندهم احساس ولا ذوق. بس همسة للسيد: ترى الأطراف الثانية يقراونك بشغف حتى اللي يكرهونك وما تعجبهم مواضيعك التي تنضح بقول كلمة الحق والصدق. راسك مرفوع يا سيد.

    • زائر 5 | 2:42 ص

      يبين مراقب فاضي جدا

      اله يساعد قلبك يا سيد قاسم، اشعر انك تكتب لناس بعضهم ما يفهمون. بس تضيع وقتك وجهدك على ناس مخ ما عندهم. الله يساعدك على هالتعليقات التي تدل على وضاعة في الانسانية وتعمق في الطائفية إلى أقصى الحدود..

    • زائر 4 | 2:31 ص

      الله يعينك

      أطلب من الله ان يعين زائر رقم 1 المراقب لأن باين مايقدر يقرأ موضوع ينصف المناضل الله يساعدك

    • زائر 3 | 1:47 ص

      ألف شكر للصحافي المنصف قاسم حسين.......أجودي

      لا تهتم, أخ قاسم الى بعض الردود, أمثال زائر1 >مراقب< وغيره من الرعاع...

    • زائر 2 | 12:34 ص

      ليكون قبره خالداً

      لم نفعل له شيئاً عندما كان حياً و حتى عند ما رحل .ليكون قبره رمزاً للأجيال القادمه . نرجوا من إدارة الجمعيه المهندسين ان يقوم بذلك.

    • زائر 1 | 9:49 م

      مراقب ...

      رحم الله الأموات وهدى الله الأحياء إلى قول الحق وعدم المبالغة في التعظيم ... يعني مانديلا مثل مرهون بالله عليك يا رجل هذا كلام كاتب ... عد بنا إلى كتاباتك الطائفية فقد أشتقنا لها منذ فترة وأنت متوقف عنها وأنا بدوري أفتش عن السبب ولم أوفق في العثور عليه ... تحياتي

اقرأ ايضاً