العدد 2770 - الثلثاء 06 أبريل 2010م الموافق 21 ربيع الثاني 1431هـ

قرضاي... وسيكولوجية المتعامل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أبدت إدارة واشنطن انزعاجها من تصريحات الرئيس الأفغاني حامد قرضاي الناقدة للسياسة الأميركية في بلاده. فالناطق الرسمي باسم البيت الأبيض وجه ملاحظات ضد الرئيس «المصنوع» أو «المطبوخ» في أجهزة المخابرات و «المفروض» بالقوة على الناس واتهمته بنكران الجميل وأنه «يعض» اليد التي قدمت له المساعدة وعمدت إلى حمايته والتضحية من أجل استمراره في قصر الرئاسة.

الكلام الأميركي عن خيانة «المتعاملين» معها تكرر في الآونة الأخيرة وطاول الكثير من أصدقاء واشنطن في العراق وأفغانستان، ما يؤشر إلى وجود بداية أزمة ثقة بين أجهزة الاستخبارات الأميركية وكتبة التقارير وتلك المجموعات التي تعاونت معها واستندت عليها لتبرير حروبها واستخدمتها مطية لتغطية عمليات الاستيلاء والسيطرة والتحكم بمصادر الثروة ومواقع «الدولة» المنهارة والمنشطرة إلى جزئيات صغيرة.

الانزعاج الأميركي من غدر «المتعاملين» له ما يبرره لأنه تأسس على منطق التابع والمتبوع، ولكنه لم يتطور إلى مستوى طرح السؤال بشأن حصول هذا النوع من الارتداد وعض اليد التي قدمت المساعدة والحماية.

لماذا يخون الخادم سيده؟ سؤال لابد أن تطرحه إدارة واشنطن على نفسها حتى تتعلم من الجواب وتأخذ منه الدروس والإفادة منه لتصحيح سياسة تقليدية تأسست على تصنيع «المتعاملين» وإعادة تأهيل الشبكات واستخدامها غطاء للاعتداءات والحروب تحت شعارات «نشر» الديمقراطية ويافطات الدفاع عن حقوق الإنسان.

سؤال خيانة الخادم سيده يفتح الباب أمام أجوبة كثيرة وطويلة. إلا أن المبدأ الأول في المسألة ينطلق أساسا من سيكولوجية المتعامل. فالمتعامل الذي يتقبل فكرة الغدر والخيانة ويبني شرفه السياسي على قاعدة التابع والمتبوع لا يستطيع أن يتخلى عن مجده وموقعه حين يستشعر بضعف السيد واحتمال تراجعه وخروجه من حسابات المعادلة. المتعامل سيكولوجيا لا يستطيع أن يعيش من دون سيد يديره ويوجه له الأوامر اليومية ويعطيه ما يرغبه من عناصر قوة تعزز لديه إمكانات التسلط والسيطرة والنفوذ. هذه السيكولوجية تبدأ بالتغير حين يأخذ المتعامل باكتشاف عناصر ضعف السيد وتردده وعدم قدرته على استكمال الاتفاق الذي حصل حين كان يخضع لإعادة التأهل تمهيدا لتصديره وإسقاطه بالمظلة على قصر الرئاسة في كابول.

عض قرضاي يد الولايات المتحدة يمكن وضعه ضمن هذا الإطار السيكولوجي الذي أخذ يقض مضجع المتعامل في لحظة بدأ السيد يعرب عن أزمته وفشله وعدم قدرته على مواصلة الاتفاق. وبهذا المعنى جاءت تصريحات قرضاي في توقيت يتناسب مع التوقعات السلبية للحملة الأميركية العسكرية وما تفترضه من ارتدادات على الداخل الأفغاني واحتمال تعديل التوازن وتغيير الصورة وإعادة تشكيلها بعد الانسحاب من الميدان والتراجع عن تلك الاستراتيجية التقويضية في السنوات التسع الماضية.

تصريحات قرضاي الناقدة للسياسة الأميركية في أفغانستان تشكل في منطقها ضربة استباقية تريد الاحتفاظ بالموقع المتهالك. قبل انهياره في السنة المقبلة أو بعدها. والضربة الاستباقية تستوفي كسب أكبر عدد من النقاط تساعد لاحقا على التفاوض مع الجماعات الأهلية في مرحلة غياب الولايات المتحدة عن المشهد السياسي. وقرضاي الذي يعض الآن اليد الأميركية يريد حماية موقعه ودوره والتعويض عن تهمة «التعامل» بالحد الأدنى من الخسائر.

بعد سنة أو سنتين كيف سيبرر قرضاي للشعب الأفغاني تصرفاته وتعامله وسلوكه وما جلبه إلى البلاد من كوارث. اقتصاديا الوضع أسوأ. تربويا لم يقدم سوى المزيد من الجهل والأمية. صحيا الأمراض تفاقمت وانتشرت. حتى أمنيا لم ينجح في تأمين الحد المطلوب للاستقرار. الفوضى امتدت ومشروع إعادة الإعمار مجرد وعود وردية على الورق. قرضاي لم يتقدم خطوة إلى الأمام، بل إن الخراب الذي ألحقته الحرب في القرى والبلدات والمدن لايزال على حاله من دون كهرباء ومياه وطرقات. والسرقات والنهب وزراعة المخدرات وتهريب الأموال والقطع الأثرية تكاثرت عملياتها وتوسعت بسبب نمو المافيات وشبكات اللصوص وأثرياء الحرب.

هذه الصورة الموصوفة ليست سرا وإنما حقائق ميدانية تعيشها أفغانستان يوميا على الأرض. ومثل هذه الحال المزرية ستتحمل مسئوليتها المباشرة القوى المتعاملة بعد أن ينجز السيد انسحابه العسكري من البلاد.

عض قرضاي اليد الأميركية مسألة سيكولوجية لا يستطيع «المتعامل» اتباع غيرها لأنه ولسبب بسيط لا يعرف غير العض وسيلة للعيش والارتزاق. فالعض سلوك يتبعه «المتعامل» عادة لأنه الطريق الذي يضمن له الحماية بعد انسحاب المظلة التي أعطته كل ما يريده من رئاسة وحراسة وأسقطته على البلاد حين استقدمته معها من الخارج.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2770 - الثلثاء 06 أبريل 2010م الموافق 21 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:56 ص

      تناقض

      14 آذار ليسوا ممن يمتلكون سيكيولوجية المتعامل.

اقرأ ايضاً