بعد أن يتم نسيان إهانة نائب رئيس الولايات المتحدة بفترة طويلة، هذا إن لم تتم مغفرتها، ويعود الرئيس ووزيرة الخارجية إلى الالتزام بالعلاقة «القوية كالصخر» مع إسرائيل، ويقوم السفير الإسرائيلي في واشنطن بالتخفيف من قوة الإعصار ليصبح عاصفة استوائية، ستبقى قضية القدس.
«أيتها القدس، إذا نسيتك فلتذبل يدي اليمنى»، هذا ما تقوله مرثاة اللاجئين البابليين في المزمور رقم 137 .
إلا أن نسيان القدس، أو على الأقل وضعها جانبا هو بالضبط ما تحاول جميع الأطراف المشارِكة في آخر الجهود لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عمله خلال السنة الماضية.
حذّر هؤلاء منا الذين عملوا في إدارة الرئيس كلينتون، الذين حاولوا عبثا حل قضية القدس في كامب ديفيد إدارة الرئيس أوباما منذ البداية أن التعامل معها لن يأتي بأي شيء جيد.
استسلم جورج ميتشل بعد جهود مضنية للتفاوض على وقف الاستيطان مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقَبِل ألا تضم الاتفاقية النشاط الإسكاني في القدس. وعندما أطلق الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتهامات بتصرف خاطئ وأصرّ على عدم الدخول في المفاوضات دون تجميد الاستيطان في القدس، تمكن ميتشل ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أخيرا من إقناعه بدخول محادثات غير مباشرة دون تجميد إنشاء المستوطنات. كذلك نجح ميتشل بإقناع كلا الطرفين بالموافقة على أنه إذا جرت مفاوضات حساسة في يوم من الأيام فسوف يركزان على الحدود والأمن أولا وسوف يتركان القدس إلى النهاية.
فعلت حتى منظمة الإيباك، في خضّم هذه الأزمة الأخيرة أفضل ما بوسعها لأن تنسى القدس. المدهش أنه بالنسبة لمنظمة قادت في يوم من الأيام تشريعا ملتهبا مصمما لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، فإن حرف J (الحرف الأول من كلمة القدس بالإنجليزية) لا يظهر في بيانها الأخير الذي يشجب معاملة إدارة الرئيس باراك أوباما لإسرائيل (كذلك لم يذكر أي من أعضاء الكونغرس المدافعين عن إسرائيل كلمة القدس في أي من مناشداتهم لأوباما بترك إسرائيل)، وعندما حاولت حماس استغلال الأزمة لإشعال انتفاضة ثالثة حول القدس هذا الأسبوع، تعاونت السلطة الفلسطينية مع إسرائيل لقمع المتظاهرين.
يبدو الأمر وكأن جميع اللاعبين المنخرطين في ميلودراما العملية السلمية فهموا أخيرا أن «جنّي القدس» يحتاج لأن يبقى في قمقمه إذا كان هناك أي أمل بحل النزاع.
ولكن الأمر لم يحتج لأكثر من قرار تنظيمي روتيني في وزارة الداخلية الإسرائيلية لكشف هشاشة العملية كلها.
من الواضح أنه بوجود كل هذه العزيمة في العالم، لن ينسى أحد القدس. ولكن لم يمكن حل المشكلة أيضا. أنظر إلى تلة الهيكل على سبيل المثال. هذا هو المكان الذي تتواجد فيه آثار الهيكل اليهودي الثاني، خلف حائط المبكى، أقدس مواقع اليهودية. ولكن الحرم الشريف يقع على قمة هذه الآثار، ويحتوي على المسجد الأقصى، ثالث الأماكن قداسة في الإسلام. لن تتخلى إسرائيل عن السيادة التي حصلت عليها هناك، ولن يقبل الفلسطينيون أبدا ذلك الادعاء.
كنا نظن في سنوات إدارة كلينتون أن بإمكاننا على الأقل حل قضية ضواحي القدس لأن سكانها العرب واليهود يعيشون فيها منفصلين. اقترح الرئيس كلينتون ضمن أطره أن تكون الضواحي اليهودية للقدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية، وأن تكون الضواحي العربية تحت السيادة السياسية الفلسطينية. كان ياسر عرفات في الواقع مستعدا لقبول ذلك التقسيم، وكذلك كان إيهود باراك. ولكن المستوطنين اليهود ينتقلون بشكل عدواني إلى الأحياء العربية، بينما يُحرَم العرب من تصاريح البناء في أحيائهم وضواحيهم، فيقومون وبهدوء بشراء وحدات سكنية في الأحياء اليهودية. إذا استمرت هذه التوجهات فسوف يصبح حل كلينتون «السليماني» غير قابل للتنفيذ.
وإذا لم يتم حل مشكلة القدس أو نسيانها، يتوجب إذن إدارة القدس بطريقة ما حتى يتسنى التعامل مع القضايا الأخرى الأكثر قابلية للحل. لهذا السبب يحق لهيلاري كلينتون الإصرار بأن يقوم نتنياهو بحل الفوضى الأخيرة، ولهذا السبب أيضا يسهر مجلس نتنياهو الوزاري المصغّر الليل بطوله محاولا إيجاد سبيل للخروج من هذه الأزمة.
اقترح شمعون بيريز رئيس إسرائيل المبدع دائما جزءا من الحل: يجب أن يتم إيقاف اليهود عن البناء في الضواحي العربية، بينما يمكن استمرار البناء في الضواحي اليهودية. إلا أن بيريز لا يذهب إلى نهاية الطريق. لأجل المساواة، يجب كذلك تزويد العرب بتصاريح كافية تحقق احتياجاتهم الإسكانية في ضواحيهم. كذلك يجب إيقاف هدم البيوت الفلسطينية وإخلاء الأسر الفلسطينية في القدس. بهذه الطريقة سوف يتمكن نتنياهو من القول إنه حافظ على حق اليهود بالبناء في القدس، بينما يستطيع الفلسطينيون أن يشعروا أن حقوقهم بالعيش بسلام هنا لم تضع في خضمّ الأحداث.
إذا استطاعت الأزمة الحالية توليد هذا النوع من الحل المؤقت في القدس فسوف تفعل الكثير لتيسير مفاوضات السلام إذا بدأت في يوم من الأيام. لن يضطر المفاوضون الفلسطينيون لأن يشعروا بالخوف من أن يُتهموا بتعريض مطالباتهم بالقدس للخطر من خلال التركيز على رسم الحدود في الضفة الغربية أولا. ولن يضطر الإسرائيليون لأن يشعروا بالخوف من أن أي خطأ مهما كان بسيطا في القدس سوف يولّد أزمة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. ولن تضطر اليد اليمنى لأحد أن تذبل.
* نائب الرئيس بالوكالة ومدير السياسة الخارجية في معهد بروكنغز في واشنطن العاصمة، عمل سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل أثناء إدارة الرئيس كلينتون، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»a
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2770 - الثلثاء 06 أبريل 2010م الموافق 21 ربيع الثاني 1431هـ
لاني مسلم
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرجيم
*(و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين و لتعلن علواً كبيرا [4] فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار و كان وعداًٌ مفعولا )*