العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ

نِعمَةُ التَّطَرّف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قد أجد في أحداث مدينة كولونيا الألمانية في العشرين من سبتمبر/ أيلول المنصرف مدعاة لأن أفهم التمايز بينها وبين غيرها من بلاد أوروبية. في النزاعات الطارئة أو المتأصّلة نحو العنصرية تصلح قراءتها بالتناصّ والمقاربة.

فحين تماحكت مظاهرة قوى اليمين المتطرف الألماني الرافعة لشعار «مواجهة أسلمة كولونيا» ضد مجاميع إسلامية كانت تَهِمُّ في بناء مسجد بحي إيرنفيلد، ظهر أن الألمان يجيدون التعامل مع تاريخهم بشكل صارم.

في هذه الأزمة وجدتُ آلاف المتظاهرين الألمان يُحاصرون مناصري تظاهرة اليمين المتطرف في تقابل مصيري، ويُلقون عليهم الحجارة ويمنعونهم من مواصلة الطريق نحو هويماركت.

بل الأكثر، فقد قام سائقوا سيارات التاكسي الألمان برفض نقل المتظاهرين المتطرفين وإيصالهم لحي إيرنفيلد، ومن ثم إغلاق المقاهي في وجوههم، لأن كولونيا (بحسب قولهم) مدينة التعددية والديمقراطية.

هذه الجردة الألمانية مع دُمّلَ التاريخ أصبحت خلاّقة. وإن أراد البعض أن يزيد قيمة هذا الإنجاز «التعددي» فعليه أن يُمايزه مع نماذج مجاورة في ذات القارة الأوروبية. عندها تصبح القضية أكثر جلاء.

ما جرى مع الإيطالي إدواردو آنيلي بعد اعتناقه الإسلام (والذي كتبت عنه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) وما أراه اليوم في ألمانيا يجعلني أُشكّك في أوضاع الطليان النفسية والفكرية. وعن عدم استيعابهم لوجود أكثر من مسجدين للمسلمين واحد في روما والثاني في ميلانو.

ربما هي الحساسية المُفرطة بسبب وجود مهد الكاثوليكية العالمية على أرضها. وحساسية مليار ومئة مليون كاثوليكي ينتشرون في الشرق والغرب. ولأن أعدادهم باتت ترتفع بسرعة تفوق 6.700 في المئة كما حدث في القرن الماضي (راجع ما كتبه جون جونيور) فإن غلواء الكثرة يدفع نحو ازدراء القلّة.

وربما تُصبح القابليات أكثر تكلّسا أو تلكأ حين يصبح الموضوع هو جرّ الأرض إلى الدين (جغرادينية). فالكنيسة الكاثوليكية وعلى رغم مضي ألفي سنة، لم تستطع هضم احتفالات القُدّاس بلغات غير لاتينية إلاّ في الستينيات، وتحويلهم للبروتستانت من مهرطقين إلى أخوة.

في منطقة مجاورة أخرى لكنها تجرّ الأرض إلى العِرق (جغراعرقية) يُمكن من خلالها الابتهاج من فِعل الألمان أكثر. فحزبا يورغ هايدر (توفي في حادث سير في أكتوبر الماضي) وهاينس كريستيان شتراشي (حزب التحالف من أجل مستقبل النمسا وحزب الحرية) المتطرفان حققا نصرا جيدا في الانتخابات التشريعية الأخيرة في النمسا.

الأول نال 11 في المئة من الأصوات بزيادة ست نقاط عن انتخابات 2006. والثاني حاز على 18 في المئة بزيادة تقترب من السبع نقاط. وهي دلالة على تطور المزاج الشعبي نحو مكامن سياسية أكثر أمنا ورعاية للمصالح. هكذا هي تظن.

وهنا ليس المهم أن تسمع بأن هايدر مُشِيدا بالسياسة العُمّالية لأدولف هتلر ورايخه الثالث، أو بمعسكرات النازية واعتبارها «تأديبية» بقدر ما تسمع أصل قناعاته ومدى تأثيرها (اتساعا أو ضيقا) على تعددية المجتمع النمساوي.

كما ليس المهم أن يفرح العرب والمسلمون من مهاترات الراحل هايدر المتكررة مع الصهيوني آرييل موزيكانت زعيم الجالية اليهودية في النمسا، أو شتمه لرئيس الوزراء الصهيوني العليل آرييل شارون واستغرابه إطلاق اسم «آريل» وهو مسحوق للغسيل، على «أشخاص بهذه القذارة»، بقدر الاهتمام بحجم ما يكتنزه هذا العقل اليميني من أحجيات سياسية وآيدلوجية مخيفة، دفعته لأن يطالب بسبي اللاجئين في بلاده ورميهم في إسطبلات نائية في جبال الألب!.

بين جرّ (جغراديني) وآخر (جغراعرقي) يتوسّط الألمان حالهم. بالتأكيد فإن متطرفوهم سجّلوا أرقاما صعبة في مديات حقدهم تجاه الأتراك، لكن ذلك لا يعني أن ما قاموا به هو ليس عملا رائعا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً