العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ

نزيف التسلح العربي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على هامش معرض الدفاع الدولي الذي استضافته أبوظبي أخيرا، أعلنت دولة الإمارات، على لسان اللواء عبيد الكتبي أنها «طلبت من الشركتين الأميركيتين لصناعة الطائرات بوينغ ولوكهيد مارتن شراء 16 طائرة نقل عسكرية بقيمة 2.9 مليار دولار.

وتشمل الصفقة مع بوينغ شراء أربع طائرات (سي 17) تبلغ قيمتها ( 1.3 مليار دولار)، كما ستؤمن لوكهيد مارتن للقوات المسلحة الإماراتية 12 طائرة للنقل الجوي من طراز (سي 130-جيه)، ضمن صفقة بقمية (1.6 مليار دولار).

قضايا كثيرة تثيرها صفقات السلاح العربية المعلنة. إذ إن هناك الكثير من تلك الصفقات التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات التي لايفصح عنها، إما رضوخا لطلب الدولة المزودة بالصفقة، أو لحرص جهات معينة في الدولة العربية المقتنية على أن تبقى الصفقة في طي الكتمان، تداريا للفضائح التي ترافق تلك الصفقات، والتي قد تضع البعض تحت طائلة المساءلة. ولاتزال عالقة في ذاكرة الكثير من المواطنين العرب تلك الصفقة العسكرية البريطانية مع إحدى دول مجلس التعاون البالغة قيمتها المباشرة 10 مليارات دولار، ترتفع «لتصل إلى 20 مليار دولارعندما تضاف لها عقود الصيانة وقطع الغيار».

وكما هو معروف تسيطر على سوق السلاح العالمية، التي تجاوزت قيمتها الإجمالية، خلال السنوات الخمس الماضية، 130 مليار دولار، 5 دول أساسية تستحوذ على حصة الأسد من تلك المليارات. إذ بلغت مبيعات السلاح الأميركية خلال تلك الفترة 63 مليار جاءت بعدها بريطانيا لتحصد 53 مليار دولار، وبعدها روسيا بقيمة 33 مليار دولار، ثم فرنسا بحوالى 17 مليار دولار، وأخيرا «إسرائيل» بما يقارب من 9 مليارات دولار. بحسب ما جاء في أرقام صادرة عن الحكومة البريطانية.

ويبدو أن الدول العربية تأتي في مقدمة مستهلكي السلاح في العالم، إلى درجة أن بعض المصادر تؤكد أن نصيب الفرد، في دولة خليجية من السلاح هي الأعلى عالميا.

أول القضايا التي تثيرها صفقات التسلح هذه هي من أجل ماذا تقتني الدول العربية، من دون أي استثناء هذه الأسلحة؟ إن كنا نتحدث عن الصراع المسلح مع «إسرائيل»، فالبلاد العربية، من دون أي استثناء، موافقة ضمنا وسلوكا على التوصل إلى حل سلمي مع تل أبيب. قد تختلف الأساليب، وقد تتباين التحالفات التي تنسجها هذه الدول العربية عن تلك، لكن سياسات أي منها لاينبئ عن تحفز لمعارك عسكرية قادمة. القصد من ذلك، إسقاط كل الدعاوى التي اجترها الإعلام الرسمي العربي على امتداد أكثر من نصف قرن كي يبرر، إلى جانب صفقات التسلح التي أنهكت الموازنات العربية، وأتخمت جيوب المستفدين من تلك الصفقات، كل أشكال القمع ومصادرة الحريات التي عانى منها المواطن العربي، ودفع ضريبة باهضة لتمويل مشروع «تحرير فلسطين واستعادة الأراضي المحتلة»، الذي لم يكن في جوهره أكثر من الصرف على ما يضمن استمرار الفئة الحاكمة العربية ممسكة بدفة الحكم.

القضية الثانية هي: أية استراتيجية تخدمها صفقات التسلح هذه؟ فقياس القوة العسكرية اليوم، لم يعد عملية حسابية سطحية تجرد عدد ما تحت حوزة هذه الدولة من جنود ومعدات عسكرية. إذ تستخدم اليوم مقاييس معقدة للحكم على»كفاءة النظام العسكري». ويأتينا الدرس من العراق الذي صنف جيشه الرابع عالميا، لنكتشف أنه غير قادر على الصمود أكثر من سويعات قليلة أمام أي غزو أجنبي. بل لم يحقق ما ادعاه في حربه مع قوة إقليمية مثل إيران. إن غياب منظومة عسكرية متكاملة تتحول فيها قطع السلاح إلى إحدى مكونات تلك المنظومة، يجعل من تكديس السلاح بشكل عشوائي، بغض النظر عن مدى تطور أي من تلك القطع، عملية نزيف دائمة تعاني منها موازنات الدولة المقتنية لتلك القطع من جهة، وتفقد جدواها العسكرية - الدفاعية أو الهجومية على حد سواء - من جهة ثانية.

القضية الثالثة هي، أننا طالما نتحدث، وعلى مستوى دول مجلس التعاون فقط، عن أمن مشترك، وعدو مشترك، فإلى أي مدى تأتي هذه الصفقات العسكرية منسجمة مع الإستراتيجية - الدفاعية والهجومية - لدول المجلس؟ أم أن الأمر لايعدو كونه اقتناء قطع متناثرة من المعدات والأعتدة الحربية، التي تضمن لنا حضورا إعلاميا مزيفا أكثر منه نظاما عسكريا متطورا ومتناغما قادر على الدفاع عن البلاد عندما يحتاج الأمر إلى ذلك.

القضية الرابعة لماذا تنفرد موازنات الأمن والتسلح، من دون غيرها بالسرية وعدم خضوعها لأي شكل من أشكال الرقابة الشعبية؟ فالدفاع عن الوطن مسئولية جماعية يتحملها كل مواطن فرد، وبالتالي فمن الأهمية بمكان أن تخضع موازنات الأمن والتسلح لمستو معين من الرقابة الشعبية، لضمان شفافية أوجه الصرف بشأنها، وللحيلولة من دون تجاوزها، في سلم الأولويات، بنود أخرى، في أمس الحاجة إلى التمويل.

ليس المقصود من إثارة هذه القضايا الوصول إلى استنتاج خاطئ مفاده التوقف عن بناء مؤسسة عسكرية متطورة قادرة على الدفاع عن البلاد هند الحاجة لذلك، بقد ما هي دعوة للتمعن في أوجه وسياسات الصرف عليها كي تأتي منسجمة مع استراتيجية صحيحة واضحة المعالم تخدم أول ما تخدم المواطن العربي الذي يتحمل كلفة وأعباء مثل تلك الاستراتيجية عند تصميمها ونقلها إلى حيز التنفيذ على حد سواء.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً