العدد 2768 - الأحد 04 أبريل 2010م الموافق 19 ربيع الثاني 1431هـ

هل يُريدُ المالكي أن يكونَ مَلِكَا على مقبرة؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وَضَعَ العراق جَنِيْنَه البِكر المُسمّى بـ «نَصْر». ما أعقب عملية الوضع هو الخلاف على أبُوَّة المولود ونَسَبِه. ولأن الهزيمة يتيمة والنّصر له عدّة آباء، فقد تشظّت أبوّة العراقيين للجنين، رغم أن نَسَبَه مشهود ومُوثّق. وهي عملية إن تمّت في طَخْيَاء الليل، فهي سَرِقة مُقنّنة، ومُشرّعة تُمارَس فوق أرض حمورابي الذي أرسى أبجديات الحقوق على حجر الديوريت منذ ما يقرب من الأربعة آلاف عام.

هذا بالضبط ما يجري اليوم في العراق وكيفية تعامل بعض أحزابه (وبالتحديد والأخص حزب الدعوة الإسلامية بقيادة نوري المالكي) مع فوز القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي التي نالت واحدا وتسعين مقعدا نيابيا من مجموع 325 مقعدا، وهي أعلى نسبة تنالها قائمة انتخابية من بين كلّ القوائم الأخرى المتنافسة.

ورغم أن قائمة علاوي حصلت على هذه النسبة العالية، فإننا نرى ما يجري حولها وبشأنها بالضّد والمناكفة. مرة باسم القانون والدستور، ومرة عبر ليّ الأذرع عُنوة، ومرة عبر الاستقواءات السياسية في الداخل والخارج. وقبلها كان عبر معاداتها، وتوريطها في مشروع «بُهْتَاني» على أنها ضد الدين والمرجعية العليا!

وبعد الانتخابات سِيقَت المحكمة الاتحادية العليا لوضع عبارة قانونية غامضة بين عجلات التسويات السياسية الحقيقية طبقا لنتائج الانتخابات، حين رَمَت بمصطلح «الأكثرية العددية» لتشريع تحالف قائمتين انتخابيتين داخل مجلس النواب، لقطع الطريق على قائمة إياد علاوي لنيل منصب رئاسة الوزراء، رغم أن القانون رقم (30) لسنة 2005 لم يمنحها التخويل في ذلك.

ثم جرت عمليات تصفية جسديّة مباشرة لبعض المؤيدين للقائمة العراقية، كما حصل لغانم راضي عضو حركة الإصلاح والتنمية في القائم بمحافظة الأنبار، وبعضها كانت محاولات فاشلة. كما تمّ التعدي المادي على مقرّات القائمة في عدد من المحافظات العراقية، كالذي جرى في كربلاء المقدّسة عندما أحْرِقَ المقرّ الرسمي للقائمة العراقية،

ثم أصدرت هيئة الاجتثاث قرارا باستبعاد ستة من الفائزين في الانتخابات الأخيرة، أربعة منهم من قائمة علاوي! بالإضافة إلى الاعتقال الفعلي لـ حمدي نجم الحربي الذي حصل على أعلى الأصوات في محافظة ديالى وهو عضو أصيل من أعضاء القائمة. والمفارقة أن رئيس هيئة العدالة والمساءلة (الاجتثاث) علي اللامي الذي أصدر قرار الاستبعاد ترشّح للانتخابات الأخيرة ولم ينجح في نيل مقعد واحد فيها!

إذا ما نُفِّذ هذا القرار في الاستبعاد فإن مقاعد القائمة سَتَلِي قائمة ائتلاف دولة القانون عددا حين تصل مقاعدها إلى 87 مقعدا، إلاّ إذا احتُسِبت أعداد أقل الخاسرين ما دون القاسم الانتخابي الخاصة بها بغرض التعويض، وهو ما يُستبعَد أن يتم، خصوصا وأن اللامي صرّح بذلك علانية بعد سؤاله عن إمكانية استبدال آخرين بهؤلاء المرشّحين من قِبل كياناتهم.

لكن ورغم كل ذلك فإن «مغانم الاحتيال الظالم لا تكون أبدا آمنة» على حدّ تعبير سوفوكليس الإغريقي. فما أفاضت به السياسة العراقية، ومُمارسيها، وما تستظلّه من مجموع بشري عراقي متماسك، لا يُمكنه أن يقبل بأن يُجهَز على ما أبداه من حماسة ومُجازفة وتحدٍّ للإرهاب حين خرَج مُصوّتا في يوم الاقتراع! هذه هي الحقيقة.

الأمر الغريب أن بعض الأحزاب العراقية التي كانت تُوسَم بالهمجيّة والغِلظة السياسية رأينا موقفها أكثر لياقة من مواقف السيد المالكي. التيار الصدري قال «القائمة العراقية لديها علاقات طيبة مع الوسط العربي، والكردستانية لديها علاقة طيبة مع الاتحاد الأوروبي، والائتلاف الوطني لديه علاقة جيدة بتركيا وإيران، وعلينا الحفاظ على هذه المواصفات لمصلحة الحكومة المقبلة». (راجع تصريحات الشيخ صلاح العبيدي المتحدث باسم التيار).

كذلك الحال بالنسبة للسيد عمّار الحكيم الذي أدلى بتصريحات مهمّة لـ (رويترز) في يوم الخميس المنصرف بشأن قائمة إياد علاوي، واستنكر تسميتها بالقائمة البعثيّة. بل حتى المرجعية الدينية العليا المتمثّلة بالسيد السيستاني رأت ذلك وأكّدت عليه. فحين زاره عضو القائمة العراقية طارق الهاشمي قال سماحته بأنه يريد «مشاركة فعلية للقائمة العراقية في الحكومة».

أما قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي فقد حفرت لنفسها خطابا مُتشنّجا مبنيٌّ على عبارات التسقيط والتكريه والاستئثار والشوفينية، وأحيانا اللجوء حتى للاحتماءات المذهبية والطائفية التي لَفَظَها الجميع، وهو ما أثّر عن مصداقيتها وسط العراقيين ووسط محيطها العربي والإسلامي الذي يُراقب أوضاع العراق ليبني على أساسها مواقف استراتيجية.

يبدو أن هذه الممارسات قد تحوّلت إلى نمط مسكوك على أجندة المالكي. فمسيرته في الحكم تُبيّن ذلك. ففي زمنه تشظّى حزب الدعوة ما بين «دعوة جعفريّة» و «دعوة عْنِزيّة». وغَضِب منه الأكراد والعرب بالسّواء حول نينوى، وألهَبَ ظهور الصّدريين بالسّياط في البصرة وبغداد، واختلف مع ائتلاف الحكيم، وجبهة التوافق، وصوّب الزّناد على دمشق.

وساءت علاقته بوزير داخليّته جواد البولاني. وساءت علاقته برئيس استخباراته محمد الشهواني حتى استقال، وبرئيس هيئة النزاهة راضي حمزة الراضي حتى فرّ من العراق. واختلَفَ مع 376 ضابطا عراقيا في الأمن والشرطة والجيش وبمراتب مختلفة، حول الاجتثاث والتدوير، حتى تهشّمت خطط الأمن وجرى ما جرى.

اليوم نتساءل: كيف قام إياد علاوي عندما كان في السلطة بين 28 يونيو/ حزيران 2004 ومارس/ آذار 2005 بتسليم السلطة للفائزين في الانتخابات عندما حلّت قائمته ثالثا في الانتخابات، رغم أنه كان رئيسا للوزراء، وقائدا أعلى للقوات المسلّحة، وكان بإمكانه أن يفعل في نتائجها ما يفعل، خصوصا وأن العراق في تلك المرحلة لا زالت مؤسساته ومفوضياته هشّة ورخوة.

في حين يعضّ اليوم السيد نوري المالكي بالنوجذ على السلطة وعلى نفوذ مريديه؟! نقول ذلك الحديث ونحن نسمعه من آخرين، مُضافا عليه الاستغراب من أداء الأحزاب الدينية العراقية التي فقدت جزءا هاما من مصداقيتها السياسية، وهي تُقاتل من أجل السلطة، دون احترام لأحد.

العُمدة ليست بالأشخاص ولا بالانتماءات. وحين يفشل علاّوي أو الحكيم أو الصّدر أو أيّاَ كان فإننا سنقول ذلك وبشدّة، لأنهم في نهاية المطاف تمثيل لأحزاب حجّمَت ضميرها بحدود ما تعتقد، فَقَضَمَ ذلك فضاء إنسانيا واسعا كان يُمكن أن يُستَنَد عليه، فجاز لنا أن نقول فيهم ما نقول. أمّا اعتبار أن البلاد والعباد لن يُوْرَفُوا إلاّ بظلّه وبركته، فهذا ما ينافي أبسط الحقوق.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2768 - الأحد 04 أبريل 2010م الموافق 19 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:18 ص

      رد

      وماذا لو رجع الحكم للسنة ثم عاد للشيعة ثم للسنة ثم للشيعة وهكذا؟ رغم ان هذه المعادلة طائفية غير مرغوب فيها

    • زائر 3 | 1:36 ص

      المالكى أهون من الجميع

      أن خرجت من حزب الدعوة فلن تعود و ما علاوى ألا وجة يراد بة أرجاع الحكم فى العراق الى السنة و هنا نسآئل كم عدد الشيعة من النواب فى القائمة العراقية ؟؟؟؟؟؟

    • زائر 2 | 1:34 ص

      اضافة

      الاكيد ان علاوي لن يحل مشاكل العراق ولكن سنة السياسة ان تتداول السلطة حتى ولو بين فاشلين

    • زائر 1 | 12:01 ص

      علاوي

      مثلما تفضلت فان موروث العراقيين في التمسك بالسلطة قد تخطى البعثيين ووصل الى من كانوا يقاتلونهم فهم يريدون ان يحكموا حتى آخر الزمان باسم الديمقراطية

اقرأ ايضاً