العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ

إيران... وخطة روس «الذكية»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بتكليف دينس روس متابعة ملف إيران والخليج تكون الإدارة الأميركية أنهت ترتيب «العقد الثلاثي» الذي يتعين عليه مساعدة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في الإشراف على إعادة هيكلة استراتيجية الولايات المتحدة في دائرة «الشرق الأوسط الكبير».

الحبة الأولى من العقد تشمل فلسطين (السلطة في الضفة وغزة) ومحيطها العربي (الأردن، سورية، لبنان ومصر) و«إسرائيل» يديرها جورج ميتشل. الحبة الثانية تشمل أفغانستان وباكستان والهند والمحيط الجغرافي الذي يلف تلك الدائرة يشرف على متابعة ملفاتها ريتشارد هولبروك. والحبة الثالثة من العقد كلف روس بمتابعة ملفاتها وتشمل إيران (التخصيب النووي والموقع والنفوذ والدور الإقليمي) والخليج (العراق ودول مجلس التعاون).

بذلك تكون واشنطن قد أكملت وضع قواعد الانطلاق للمباشرة في توضيح دبلوماسيتها «الذكية» والبدء في تأسيس هيكل عام يغطي قوس الأزمات من باكستان إلى فلسطين.

بعض جوانب «الدبلوماسية الذكية» أخذت تظهر معالمه من خلال التسريبات الصحافية أو تلك التصريحات أو الخطابات أو المحاضرات والندوات التي تعقدها جهات رسمية مسئولة. الرئيس باراك أوباما ألقى خطابه الأول أمام الكونغرس أمس الأول وأكد فيه التزامه «الدبلوماسية» مبشرا العالم والمنطقة بسياسة أميركية تختلف عن استراتيجية سلفه. وأوباما الذي أشار مرارا إلى أنه يفضل سياسة «وجها لوجه» على لقاءات «الكواليس» أكد مسألة مهمة وهي أنه يرفض اعتماد الازدواجية في الاتصالات وتشريح المسئولية وتوزيعها على خطين: المخابرات والعمل السري والخارجية والاتصالات العلنية.

لجوء أوباما إلى توحيد السياسة وربط المخابرات بالخارجية يعني أن الدبلوماسية التي تعتمدها الإدارة هي القوة الأولى التي تدير السياسة وتتبعها الأجهزة على عكس النهج الذي كانت تعتمده إدارة جورج بوش في ولايته الثانية (2004 - 2008). وتوحيد السياسة الدبلوماسية لا يعني بالضرورة تعطيل دور أجهزة المخابرات وإنما منعها من التدخل في تقرير السياسة الخارجية كما حصل في ظل إدارة كوندوليزا رايس للدبلوماسية الأميركية.

أوباما الآن ينتظر انتهاء وزارة الخارجية من وضع تقريرها الأول بشأن دبلوماسيتها في منطقة «الشرق الأوسط» وفي الآن ينتظر مجلس الأمن القومي (الدفاع والمخابرات) من الانتهاء من وضع تقريره عن الدائرة الجغرافية نفسها... وبعدها يبدأ في صوغ خطته بناء على توصيات التقريرين ويرجح أن ينتهي منهما في الأسبوعين المقبلين. وخلال هذه الفترة ستبدأ كلينتون جولتها الأولى إلى المنطقة في مطلع الشهر المقبل ويرجح أن تشارك في قمة إعادة إعمار غزة التي دعت مصر إلى عقدها.

الصورة العامة حتى الآن لم تتوضح معالمها وهي تتطلب بعض الوقت ويرجح أن تمتد إلى نهاية شهر مارس/ آذار بانتظار أن تتشكل حكومة أقصى التطرف في «إسرائيل» والانتهاء من المداولات المتصلة بقطاع غزة. كذلك تنتظر خطة أوباما بعض التوضيحات المتصلة بالاستعدادات الميدانية بشأن أفغانستان ومتطلبات المواجهة المتوقع اتساع نطاقها في المناطق العابرة للحدود باتجاه باكستان. إلا أن الحبة الوسطى من «العقد الثلاثي» تعتبر الآن أكثر خطورة وحساسية من الأولى والثالثة لكونها تشتمل على أكثر من ملف وربما تساهم في تأسيس منظومة إقليمية جديدة تختلف في طبعتها السياسية عن الأشكال الهرمية السابقة. وتعيين روس لمتابعة ملف إيران والخليج يشكل خطوة حاسمة بهذا الاتجاه نظرا لامتلاكه رؤية مخالفة للنهج البوشي السابق.

قبضة حديد وقفازات حرير

روس ليس بعيدا عن نظرية «الدبلوماسية الذكية» وهو ليس من أنصار الحروب بل يعتبر أن سياسة بوش التقويضية أضعفت الولايات المتحدة وولّدت طاقة حرارية أنتجت قوى إقليمية أخذت تتحدى واشنطن وتهدد مصالح أميركا وترعب الجيران وتزعزع الاستقرار وتنشر المخاوف في المحيط الجغرافي. وبناء على هذا الرأي الانطباعي قام روس بنشر ملاحظاته وسياسته ونصائحه في مقال كتبه في مجلة «نيوزويك» قبل تكليفه بملف إيران والخليج.

مقال روس يعطي فكرة موجزة عن تصوره الدبلوماسي لتكتيك الاتصال والدفاع والانفتاح والانقطاع ما يدلّ على وجود تغيير في الاستراتيجية القتالية من دون أن يعني الأمر التراجع عن الثوابت العامة التي اعتمدتها الولايات المتحدة تقليديا. ويمكن القول إن مقال روس يشي بوجود قبضة حديد محاطة بقفاز حرير على عكس إدارة بوش التي اعتمدت في ولايته الثانية قبضة حرير محاطة بقفاز حديد. روس بكل بساطة يرى أن القيادة السياسية الإيرانية لا تفهم إلا لغة الضغط وتجفيف مصادر القوة لذلك يطالب الإدارة اعتماد أسلوب تطوير العقوبات وتشديد الرقابة على كل طرقات العبور والمرور وقطع شرايين الاتصال مع الصين وأوروبا حتى ترضخ طهران وتستجيب للشروط الدولية التي تقضي بمنعها من التطور باتجاه تصنيع القنبلة النووية.

الهدف إذا واضح ويتلخص بمنع إيران من امتلاك تكنولوجيا نووية مهما كلف الثمن وبالتالي على أميركا أن تخيّر القيادة السياسية بين القنبلة والاقتصاد. الاقتصاد (المال، الاستثمار، الطاقة، التوظيفات، التجارة... إلخ) هو المدخل برأي روس وليس القوة (ضربة استباقية وغيرها). والمدخل الاقتصادي الذي يقترحه روس تحت سقف رفع العقوبات الدولية لابد أن يكون شاملا لكل القطاعات ويجب أن يعتمد على الاتحاد الأوروبي والصين والسعودية (دول الخليج عموما) حتى يلقى النجاح. لذلك يقترح روس في مقاله خطة تنسيق بين الصين وأوروبا تعطي ضمانات للطرفين: فالصين تتجه للتعاون مع السعودية تعويضا عن خسارتها السوق الإيرانية وأوروبا تتشدد في فرض عقوباتها على طهران حتى تتفاقم مشكلاتها الاقتصادية فتضطر للتخلي عن طموحاتها النووية مقابل تأمين حاجاتها الحياتية والمعيشية والضرورية.

الخطة هذه التي استعرضها روس في مقاله لا تستثني من برنامجها فكرة الانفتاح على إيران والتفاوض مع قيادتها والتداول معها في شتى الشئون. روس يقترح إجراء المحادثات مع إيران (وجها لوجه) لتبديد مخاوفها من احتمال الغدر وتوجيه ضربة عسكرية استباقية ضدها بعدها تبدأ أميركا بتوضيح هدفها وهو لا للتخصيب ولا للبرنامج العسكري ولا للقنبلة النووية... وإلا ستعاقب اقتصاديا. وبرأي روس أن المحادثات (المفاوضات) مع إيران تبرر لاحقا تشديد العقوبات.

خلاصة أفكار روس «الذكية» قد تشكل مادة خام للتعرف على سياسته وأسلوب تعامله مع إيران والخليج بعد أن كُلِّف رسميا بمتابعة هذا الملف. والخطة التي شرح خطوطها العريضة في مقال «نيوزويك» لم تتوسع لتقرأ تفصيلات كثيرة منها مثلا قدرة إيران على تحمّل العقوبات أو احتمال اختراقها للحصار أو اضطرارها للدفاع عن نفسها أو استثمارها السياسي لتلك الفراغات الأمنية المتوقع تشكلها في العراق وأفغانستان في الفترة المقبلة (16 أو 32 شهرا) وهي تلك التي حددت مواعيدها في خطابات الرئاسة الأميركية أو في الاتفاقات الأمنية.

خطة روس قد تكون دبلوماسية ولكنها ليست بالضرورة «ذكية» نظرا لوجود تعقيدات تتطلب المزيد من المعرفة والاطلاع ومدى ارتباطه القريب والبعيد بالملفات الأخرى من باكستان إلى فلسطين.

الحبة الوسطى في «العقد الثلاثي» قد تكون الأهم في السياسة الآنية الأميركية إلا أن فضاءات «الشرق الأوسط الكبير» تحتاج إلى إعادة قراءة وترتيب أولويات تبدأ من الحبة الأولى وأساس كل المشكلات: فلسطين.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً