اختتم منتدى البحرين الأمنى أعماله أمس بعد تناول عدة محاور مهمة لتحقيق الأمن القومي للبلدان، كيف مثل هذه المهمة تتطلب مشاركة «كل الجهات المدنية والعسكرية لتحقيق أمن المجتمع»، وكيف أن «الأزمات الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو الأعمال الإرهابية أزالت الحدود الفاصلة بين القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة حالات الطوارئ». ولعل المنحى الذي تطرق إليه المنتدى يحتاج إلى مراجعات عديدة، وذلك لأن دور الجيش هو حماية البلاد من الاعتداءات الخارجية، وإقحامه في شئون الأمن المحلي يعني -فيما يعني- أن الفرق بين الأحكام العرفية والأحوال الاعتيادية قد يختفي بسرعة البرق.
أعتقد أن المنتدى أغفل جوانب أخرى مهمة جدا لتحقيق الأمن الداخلي للبلدان، منها تحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، أو على الأقل ضمان مستوى أدنى من العدالة الاجتماعية، وهذه الجوانب لا تكلف موازنة البلدان شيئا مقارنة مع ما يصرف على أجهزة الأمن والدفاع. ففي حين لا تتعدى مصروفات الأمن والدفاع في الدول الديمقراطية 10 في المئة من موازنة الحكومة (تصرف الحكومات الديمقراطية نحو 25 في المئة على دعم برامج العدالة الاجتماعية)، فإننا نرى أن الدول التي تنتقص الحريات العامة تحتاج إلى صرف أكثر من 35 في المئة من موازناتها على الأمن والدفاع، وهذا يعني أنه لا يتبقى الكثير لبرامج العدالة الاجتماعية.
ربما أن المنتدين كانوا سيستفيدون أكثر لو أنهم طلبوا من أحد مسئولي الأمم المتحدة التحدث عن «اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية» الذي احتفلت به المنظمة الدولية لأول مرة في 20 فبراير/ شباط الجاري، وستحتفل به سنويا في اليوم ذاته من كل عام، وذلك اعترافا بالحاجة إلى تعزيز الجهود الرامية إلى معالجة قضايا الفقر ومكافحة البطالة وتحقيق العمل اللائق والمساواة والوصول إلى الرفاه الاجتماعي... وكل ذلك دعما لأهداف وغايات القمة العالمية للتنمية الاجتماعية التي عقدت في كوبنهاغن العام 1995، ومؤتمر المتابعة للدورة الاستثنائية الرابعة والعشرين للجمعية العامة في جنيف العام 2000، وتوصيات الأمم المتحدة التي حددت الجهود المطلوبة لبناء مجتمع العدالة والسلام والمساواة والإنصاف.
الأمن الداخلي لكل بلد يتعزز بصورة مباشرة من خلال تحقيق شعار الأمم المتحدة لهذا اليوم العالمي «مجتمع للجميع»، وتحقيق مثل هذا الشعار يتطلب التزام الحكومات بإنشاء «إطار للعمل من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي»، وأن تتعهد الدول بـ«دعم العدالة في توزيع الدخل وتسهيل الوصول إلى الموارد بتوخي العدل والمساواة والفرص للجميع»... وهناك الكثير كان بإمكان أي مسئول في الأمم المتحدة إضافته للمنتدى الأمني فيما لو اعتبر المنظمون أن العدالة الاجتماعية هي أسهل الطرق لتحقيق الأمن، وهذا ليس من الأمم المتحدة فقط، وإنما من تراثنا أيضا: «عدلت فأمنت فنمت يا عمر».
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ