يشير استطلاع نُشر في بداية هذا الشهر إلى أن 56 % من تلاميذ المدارس الثانوية في إسرائيل يعتقدون أن العرب لا يمكن انتخابهم للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وأن 46 % منهم لا يدعمون المساواة المدنية للعرب. ويشكّل هذا تجسيدا آخرا لحجم المشاكل التي تواجه تسوية التناقضات الداخلية بين هوية إسرائيل اليهودية المعلنة من ناحية، ورغبتها في أن تكون دولة ديمقراطية يتمتع فيها جميع المواطنين بالمساواة المدنية من ناحية أخرى. ورغم أنه تم التعامل مع هذا المشروع بشكل متكرر عبر السنوات، إلا أنه لم يتم اكتشاف معادلة صالحة ولم يتم الحصول على حل مناسب لمشكلة وضع الجالية العربية الفلسطينية في إسرائيل.
تعرّض الحوار النظري والعملي لمفهوم المساواة، منذ تأسيس الدولة والإعلان عن استقلالها، الأمر الذي نصّ على هدف إسرائيل في المساواة المدنية، تعرّض للعديد من التحولات. هناك مطالب قوية اليوم من جانب العرب في إسرائيل للاعتراف بهم كأقلية وطنية وإعطائهم الحقوق الجماعية التي يترتب عليها هذا الاعتراف. ويرتكز هذا على حقيقة أن عرب إسرائيل يشكّلون أقلية من السكان الأصليين، الذين يحق لهم، حسب القانون الدولي، ملكية الأرض والموارد الطبيعية وحماية إرثهم الوطني. يماثل نضال عرب إسرائيل من أجل الاعتراف بهم من هذه الناحية، نضال الأقليات العرقية الأخرى حول العالم، الذين يجدون صعوبة في ممارسة ثقافتهم في أوضاع تتمثّل بقلة أعدادهم وضعفهم الاقتصادي.
بعد أحداث أكتوبر/ تشرين الأول العام2000 بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين العرب، والتي نتج عنها مقتل 12 مواطنا عربيا، تم تشكيل لجنة تحقيق تحت اسم «لجنة أور» للتحقيق في تلك الأحداث.
قامت اللجنة بنشر تقرير تعامل، ضمن أمور أخرى، مع الحقوق الجماعية التي تطالب بها الأقلية العربية في مجالات التعليم واللغة والثقافة والدين. وقد أكد التقرير في استنتاجاته على الفجوة بين المطالب بالمساواة الجماعية، مقارنة بالحقوق في المساواة، كما تظهر في القانون الإسرائيلي، والتي تُعطى على أسس فردية.
لم تعبّر اللجنة عن رأي في هذا المجال، إلا أن علماء إسرائيليين بارزين وخبراء قانونيين مثل يتسحاق زامير وروث غافيسون يعتقدون أنه لا يوجد بالضرورة تناقض بين الهوية اليهودية للدولة وإعطاء حقوق جماعية للسكان العرب.
إضافة إلى ذلك، عملت قرارات مختلفة اتخذتها المحكمة العليا عبر السنوات على تقوية الحقوق العربية الجماعية المتعلقة باللغة والثقافة والتعليم، دون أن تعمل هذه الأمور على إفشال الطابع اليهودي للدولة.
في وثائق أطلق عليها اسم «أوراق الرؤية» نشرتها مجموعات المجتمع المدني العربي العام 2007، جرت صياغة مطالب واضحة بالاعتراف بعرب إسرائيل كأقلية وطنية وإعطائهم حقوقهم الجماعية، وتضم الإدارة المستقلة لنظامهم التعليمي وشئونهم الدينية والإعلام وتمثيل مناسب في مراكز صنع القرار ورموز الدولة واعتراف بالظلم التاريخي الذي عانوا منه في مجالات مثل الأرض واللاجئين في الداخل والموجودات التي كانت في يوم من الأيام ملكا للأوقاف.
كذلك احتوت الوثائق على مطالب ينتج عنها في نهاية المطاف تغيير الطابع اليهودي للدولة وتحويلها إلى ديمقراطية اجتماعية وطنية مشاركة يضمن فيها القانون حقوق الأقلية، أو ديمقراطية ثنائية اللغة وثنائية الثقافة، كما تقترح منظمة العدالة، المركز القانوني لحقوق الأقليات العربية في إسرائيل.
تعتبر هذه المطالب من قبل غالبية الجمهور الإسرائيلي متطرفة وغير مقبولة، وتمثل رغبة السكان العرب عزل أنفسهم والانفصال عن الدولة، أو تحويلها إلى دولة ثنائية القومية. إلا أن نظرة عن كثب على هذه المطالب تُظهِر أنها تمثل مرحلة جديدة في النضال من أجل المساواة المدنية الحقيقية من قبل المواطنين العرب داخل إطار الدولة، وليس رغبة بالانفصال عنها.
تأخذ جميع الوثائق وجود إسرائيل داخل الخط الأخضر على أنه أمر مفروغ منه، إلى جانب دولة فلسطينية، وتمثل بوضوح رغبة بالبقاء كمواطنين إسرائيليين وليس مواطنين في دولة فلسطين المستقبلية. برأيي أن ذلك يشكل إثباتا واضحا بوجود موقف جاد من جانب العرب تجاه جنسيتهم الإسرائيلية، ورغبة بالدخول في حوار مع الدولة حول تحسين وضعهم داخلها.
برأيي كذلك أن الاعتراف بالعرب كأقلية قومية لا يتناقض مع مصلحة دولة إسرائيل في الحفاظ على هويتها اليهودية، بل على العكس، تستطيع دولة تعرّف نفسها بتعابير وطنية وتؤكد بشكل متكرر على طابعها اليهودي القومي أن نستفيد من الاعتراف بالمجموعة العربية الفلسطينية كأقلية قومية مختلفة. وإذا اعترفت الدولة بذلك، تستطيع بدورها المطالبة بأن تعترف الأقلية العربية بحقوق الغالبية اليهودية في تعريف دولتها كيهودية.
سوف يتوجب علينا بالطبع، ما وراء الجدل الأكاديمي والقانوني، أن نتعامل بجدية مع المعاني الضمنية بعيدة المدى بإدراك الحقوق الجماعية حول وضع الأقلية العربية داخل الدولة، وعلاقتها مع الدولة والغالبية اليهودية. إلا أن ذلك يجب أن يحدث باحترام متبادل وليس في جو من الخوف والهستيريا.
نحن في وسط عملية خطيرة تتنامى فيها توقعات الأقلية العربية في إسرائيل بشكل متزايد، من حيث مطالبهم بالمساواة الفردية وكذلك الجماعية، والحقوق الوطنية. في الوقت نفسه، أخذت الديمقراطية الإسرائيلية بالتراجع بشكل عام، كما يظهر بوضوح بالنسبة للعلاقة مع العرب كمواطنين، كما يظهر الاستطلاع المذكور أعلاه بوضوح. هذه وصفة لنزاع خطير، ويجب التعامل مع مطالب المواطنين العرب.
في ضوء هذه الأمور، وحتى يتسنى الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، يجب أن يُجرى نقاش حقيقي ومفصّل حول هذه الأمور الآن وليس لاحقا؛ حتى يتسنى لنا الوصول إلى حلول وسطى واتفاقيات تكون مقبولة على الجانبين.
* زميلة بحوث في معهد فان لير القدس وباحثة في مجال الجالية العربية في إسرائيل، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2768 - الأحد 04 أبريل 2010م الموافق 19 ربيع الثاني 1431هـ