في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أعلن المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية المنجي بوسنينة، بوصفه المنسق العام للمشاركة العربية في معرض فرانكفورت للكتاب 2004، بصورة رسمية في مؤتمر صحافي عقد على هامش معرض فرانكفورت للكتاب، أن العالم العربي سيحل ضيف شرف على معرض فرانكفورت للكتاب في العام 2004. ويذكر أن معرض فرانكفورت للكتاب أكبر معرض للكتب في العالم ويتحول لعدة أيام إلى ملتقى واسع للمثقفين من أنحاء العالم تحصل فيه دولة معينة كل عام على فرصة الترويج لثقافتها. ردود فعل هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 والحرب المناهضة للإرهاب التي تبدو كأنها حرب مناهضة للعرب والمسلمين، ألحقت أبلغ ضرر بسمعة العرب والمسلمين ولا يخفي بعض المثقفين في الغرب والعالم العربي على حد سواء أن بعض الأنظمة الغربية تشن «حربا صليبية» على العرب والمسلمين الأمر الذي يبدو جليا في الحرب على العراق التي يقول البعض انها حرب استعمارية والأدلة المناهضة لهذا الرأي ضعيفة للغاية. إن نظرة سريعة لما ينشر في صحف الغرب خصوصا عن العالم العربي وعن المسلمين والإسلام لا يبعث على السرور وهناك في الغرب من تبنى نظرية صراع الحضارات التي أطلقها المفكر الأميركي صموئيل هنتنغتون وتوقع فيها تصادم الحضارات وكان يقصد تصادم الغرب المسيحي مع الإسلام. وقد تنصل قادة بارزون في العالم الغربي وفي العالم العربي وفي الدول الإسلامية كافة من نظرية هنتنغتون.
وتأتي المشاركة العربية في معرض فرانكفورت للكتاب الذي تحدد موعده في الفترة من 4 إلى 11 أكتوبر المقبل لتشكل وفقا للمراقبين العرب في أوروبا فرصة تاريخية لتصحيح الأحكام المسبقة التي وقع العرب ضحية لها منذ نشوء النزاع العربي الإسرائيلي وعلى مر العقود التي تلت تأسيس الدولة العبرية على أرض فلسطين. كما أن المشاركة العربية في معرض فرانكفورت للكتاب مناسبة لتذكير الغرب بفضل العرب في تعلم أهل الغرب الكتابة والطب وأمورا أخرى نكرها الغرب على رغم أن التاريخ يعترف ويقر بها. بالإضافة إلى أن المشاركة العربية ضيف شرف في هذا المعرض العالمي الكبير سيكون لها أثر طيب على الفكر العربي وسيساعد المثقفين والمؤلفين والكتاب العرب في أخذ دور في حوار الثقافات وعرض آرائهم وأفكارهم وتصوراتهم لمختلف القضايا على جمهور عريض من زوار المعرض والقراء والإعلاميين. وتدل الأرقام وحدها على أهمية معرض فرانكفورت للكتاب. ففي بيانات إدارة المعرض لفعاليات العام الماضي على سبيل المثال، شارك في المعرض الذي اختيرت روسيا ضيف شرف فيه 6628 دارا للنشر من 102 دولة وتم عرض أكثر من 350 ألف كتاب بحضور 1000 مؤلف وزار المعرض نحو 300 ألف زائر من داخل ألمانيا وخارجها وقام عشرة آلاف صحافي من ألمانيا وأوروبا والعالم بتغطية فعاليات المعرض. إضافة إلى أن المعرض شهد ثلاثة آلاف فعالية ثقافية وفنية. وتجري العادة أن يمنح اتحاد الناشرين الألمان جائزة السلام لأحد الكتاب أو المؤلفين ومن بين الذين حصلوا على هذا التكريم الكاتبة الجزائرية آسيا جبار العام 2000 وقبلها سيدة الاستشراق الألمانية آني ماري شيمل التي غيبها الموت قبل أكثر من عام وساهمت بدور بارز في بناء الحوار ومد الجسور بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي.
استمرار النزاع العربي الإسرائيلي وحرب العراق التي تلت حرب أفغانستان وكل التناقض الذي طرأ على العلاقات بين الغرب والعالم العربي والإسلامي نتيجة السكوت على ممارسات «إسرائيل» من جهة ونتيجة فقدان الرؤية السليمة للأمور في المنطقة العربية وخصوصا عدم توافر استراتيجية أميركية واضحة تجاه العراق بعد غزوه واحتلاله وظهور حال من الفوضى في المنطقة سبق أن حذر العرب وكثيرون في الغرب منها واصطدمت بآذان صماء في واشنطن، جعلت الناس في دول أوروبا الغربية بصورة خاصة يندفعون إلى معرفة ما يجهلونه عن العالم العربي وعن الإسلام والمسلمين. وسجل المراقبون العرب باهتمام كيف تدافع جمهور القراءة في ألمانيا للحصول على كتب تتعلق بالإسلام والمسلمين. وأدركت دور النشر الغربية هذه الفرصة واستغلتها تجاريا. فبعد هجوم 11 سبتمبر على سبيل المثال ظهر أكثر من 15 كتابا يطرح كل مؤلف نظريات جديدة على خلفية الهجوم. كما ظهرت كتب تتحدث عن أسامة بن لادن وأخرى عن صدام حسين وعدد كبير اهتم برؤى السياسة الخارجية الأميركية في «الشرق الأوسط». النقطة التي لفتت الأنظار هي أن الرأي العربي في هذه القضايا لم يحصل على فرصة ليشارك في الحوار ويدخل باب النقاش، والظهور في ندوات تلفزيونية لا يغطي هذا العجز. وحاولت «إسرائيل» أن تضغط على إدارة معرض فرانكفورت كي يتراجع عن عرضه استضافة العالم العربي ضيف شرف واصطدمت «إسرائيل» برفض ألماني قوي لأنها تخشى حصول العرب على فرصة لإيصال صوتهم إلى الغرب وهذه المرة من منارة ثقافية واسعة الصيت. وأكثر ما يأمله المنجي بوسنينة والقائمون العرب والألمان على مشروع المشاركة العربية في معرض فرانكفورت للكتاب هو الفرصة التي يكرر دبلوماسي عربي في برلين عبارته: انها لن تتكرر بعد ربع قرن أو ما يزيد، وعلى العرب ان يستغلوا هذه الفرصة جيدا.
هكذا لابد أن يعمل العرب بفلسفة منطلقها أنهم يدخلون أبواب مدينة فرانكفورت في اكتوبر 2004 طلبا للحوار بين الحضارات والثقافات وتأكيد قدرة الحضارة العربية الإسلامية على الأخذ والعطاء والتحاور مع الآخر وتبرير إبداعاتها المتميزة وإسهاماتها المتعددة والمتنوعة في بناء الحضارة الكونية على مر العصور والأزمان، إلى جانب انفتاحها في الداخل على الجماعات العرقية والدينية واللغوية التي أسهمت وتسهم في تشكيل كيانها. كما أن الثقافة العربية التي مزجت بين الروحانية والعقلانية بمعيار متساو، قدمت إسهامات ملموسة وبالغة الأهمية أغنت التراث الثقافي الإنساني وشكلت حضارة عظيمة ومتطورة تتسم بشكل أساسي بملامح الكونية والعالمية، فالحوارات والتبادلات بين الثقافة العربية والثقافات العالمية الأخرى أثرت بشكل بارز وجلي في وعي الحضارة الغربية ذاتها منذ القرن السابع الميلادي. مما لاشك فيه أن المشاركة العربية في معرض فرانكفورت للكتاب عبارة عن فصل جديد في سجل الحوار مع العالم، إذ تقدم الثقافة العربية نفسها في زي جديد بالإضافة إلى زيها التقليدي، ساعية بذلك إلى كشف الغطاء عن إنجازاتها الخلاقة في الزمن الحاضر لتشرك العالم معها في دراسة التحديات والهموم والآمال التي تعتمل داخل المجتمع العربي اليوم.
فرصة فرانكفورت ينبغي أن يستغلها العرب جيدا، وأن توليها مؤسسات الفكر والسياسة الأولوية، في فرانكفورت سيحصل العرب على فرصة التصدي للأحكام المسبقة وردها على رؤوس أصحابها فلا تخذلونا في فرانكفورت، رأف الله بكم
العدد 633 - الأحد 30 مايو 2004م الموافق 10 ربيع الثاني 1425هـ