العدد 632 - السبت 29 مايو 2004م الموافق 09 ربيع الثاني 1425هـ

أكراد تركيا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أفادت وكالة أنباء «بلاد ما بين النهرين» التي تتخذ من ألمانيا مقرا لها على موقعها على الانترنت أن حزب «مؤتمر شعب كردستان» التركي قرر وقف التزامه بالهدنة التي أعلنها من جانب واحد في العام 1998. وأكد بيان الحزب الكردي (التركي) أن وقف إطلاق النار فقد معناه السياسي والعسكري بعد استئناف الدولة «عمليات الإبادة» ضد مناطق الأكراد «منذ ثلاثة أشهر». وحدد البيان تاريخ الأول من يونيو/ حزيران (بعد غدٍ) موعدا لنهاية «الهدنة» ودعا السياح والمستثمرين إلى مغادرة البلاد أو عدم الذهاب إليها بعد هذا التاريخ (أول يونيو).

ويذكر أن «مؤتمر شعب كردستان» هو الاسم الجديد لحزب «العمال الكردستاني» الذي اعتقل زعيمه عبدالله أوجلان. وكان حزب أوجلان أعلن الكفاح المسلح (حرب عصابات) في العام 1983. وبعد اعتقال زعيمه تحول في العام 2001 إلى حزب «مؤتمر الديمقراطية والحرية في كردستان» ثم عاد وبدّل اسمه إلى «مؤتمر شعب كردستان» متخليا عن فكرة الانفصال وإنشاء دولة كردية مستقلة على غرار ما حصل في العراق.

هذا هو الخبر الصادر عن الحزب من ألمانيا ويحتاج المتابع إلى الانتظار قليلا للتأكد من صحته. ولكن مجرد صدور إشارة إلى استئناف الحزب الكفاح المسلح يعني أن هناك تطورات حصلت في الفترة الأخيرة دفعت الكتلة الكردية في تركيا إلى تجديد تحركها وإعلان سقوط الهدنة المتفق عليها منذ ست سنوات.

قراءة البيان لابد أن تتم في إطارها الدولي والإقليمي حتى يمكن فهم المستجدات الداخلية التي طرأت لإعادة طرح مشكلة «الأقليات» مرة أخرى في مواجهة الحكومة التركية الجديدة التي أجمعت كل التقارير على أنها الأفضل منذ 40 سنة.

بداية لابد من تأكيد أن مشكلة «الأقليات» القومية في تركيا لا تختلف عن تلك الموجودة في بعض الدول العربية وإيران. فهذه المشكلة هي مزيج مركّب من الخصوصية (الأقوامية أو اللغوية أو اللونية) والظروف الاجتماعية (إهمال التنمية الاقتصادية) والموقع الجغرافي (تمركز الجماعة في منطقة بعيدة عن المركز أو في مرتفعات جبلية). المشكلة إذا موروثة وكل واحدة لها خصوصيات ولكنها متفقة على رفض «التذويب» في إطار هوية قومية أخرى. ففي الدول العربية هناك مناهضة (معزولة) للتعريب، وفي إيران كذلك تتجه الخصوصيات الضيقة إلى رفض التفريس، وفي تركيا يرفض الأكراد التتريك.

المشكلة إذا قديمة وهي على تنوعها تعكس معضلة سياسية لها صلة بالدولة القومية (في تركيا) أو الدولة القطرية (الوطنية) في العالم العربي. فهذه المعضلة (أزمة الدولة القومية) ألقت بظلالها السياسية على مختلف دول المنطقة بعد نمو التيارات القومية التفكيكية إثر انهيار السلطنة العثمانية (المظلة الإسلامية) في الحرب العالمية الأولى. وأدى هذا الانهيار إلى سقوط الشرعية التاريخية الإسلامية عن معظم الدول وظهور دويلات صغيرة توزعت على مختلف مناطق الديار الإسلامية.

وتركيا في هذا السياق هي واحدة من الدول التي عانت كثيرا من مشكلة تنازع الهويات المحلية واختلاف العناصر القومية التي تتألف منها الدولة الحديثة. وحين لجأت تلك الدويلات الجديدة إلى العلمانية لحل تلك المشكلات المعقدة والموروثة لم تنجح في تجاوز أزمة الهويات الصغيرة التي أطلت برأسها بعد غياب الحل التاريخي الذي تمثل في الإسلام لقرون عدة. فالمرجعيات البديلة (قومية وعلمانية) لم تنجح في ضبط عناصر الجماعات المختلفة واقناعها بضرورة استبدال مرجعية الإسلام الشرعية بمرجعية تنقصها الخبرة أو المشروعية التاريخية.

هذه المعضلة عانت منها الدول العربية ولاتزال، وتعاني منها تركيا حتى في ظل حكومة إسلامية شرعية ومنتخبة ديمقراطيا وهناك شبه إجماع على أنها الأفضل منذ فترة طويلة. المعضلة أو محاولة تجديدها في تركيا تفتح المسألة على سؤال التوقيت. لماذا الآن؟ ولماذا في الأول من يونيو؟

الجواب يمكن التقاط عناوينه من مجموعة تطورات تطرح على المنطقة احتمالات مختلفة. فالمنطقة كما يبدو مقبلة على تداعيات كثيرة تطاول أكثر من جهة وربما تركزت بداية على دول الجوار المحيطة بالعراق. فاحتلال العراق وإعادة الانتشار في نهاية يونيو أيقظ الكثير من الخلايا النائمة وأشعل النار في وقود هيئات وجماعات كانت تنتظر فرصتها لإعلان مطالبها أو حقوقها. ومجموعة أكراد تركيا ليست بعيدة عن الأضواء ولا عن نتائج الاحتلال ونجاح أكراد العراق في تحقيق مكاسب كثيرة في إطار دولة فيدرالية. وتركيا في هذا السياق ليست بعيدة عن نتائج الترتيبات السياسية التي أخذت كوقائع جديدة في بلاد الرافدين. لذلك أكدت حكومة أنقرة الإسلامية منذ البداية أنها لا تقبل بتقسيم العراق أو إعلان دولة كردية مستقلة في شماله. فالحكومة التركية تعلم أن تلك الخطوة ستعقبها خطوات أخرى تجتاز الحدود الدولية المتعارف عليها بين العراق وتركيا وسورية.

توقيت الإعلان إذا ليس مسألة بريئة فهو على صلة بمجمل التطورات التي حصلت في العراق والتداعيات المحتملة بعد إجراءات عمليات إعادة انتشار الجيش العراقي في نهاية يونيو. وهذا حديث آخر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 632 - السبت 29 مايو 2004م الموافق 09 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً