العدد 632 - السبت 29 مايو 2004م الموافق 09 ربيع الثاني 1425هـ

المناطقية: تأسيس لسياسة غير حميدة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

السياسة والعمل السياسي في عصرنا الحالي لهما نهجان، أحدهما واضح ومقبول، والآخر مرفوض. النهج المقبول هو أن يتحرك الناشط السياسي على أساس الهم الوطني، إلا إذا كان النشاط يتبع بلدية أو جمعية متخصصة فبالإمكان أن ينحصر النشاط ضمن دائرة ضيقة. ولكن لا تسمح أية دولة بأن تنشط جماعة داخل البرلمان (مثلا) باسم منطقة من مناطق الوطن، ولا تسمح البلدان لمن يتحرك باسم بلدة معينة أن يطرح نهجا انفصاليا، حتى لو كان ذلك من ناحية نفسية.

ولقد تطرق كتاب أعمدة عدة مرات إلى موضوع «المناطقية» وحذروا من انتشار ظاهرة التحرك السياسي على أساس الانتماء إلى هذه المنطقة أو تلك، لأن مثل هذا النشاط يؤدي إلى إلغاء الانتماء الوطني لصالح الانتماء الأصغر التابع لمنطقة معينة. وفي البحرين لدينا عدة مناطق تشعر بأن لها شخصية معنوية أكثر بروزا من غيرها، وهذا أمر مشروع إلا في حال أن تتحول الأمور إلى دعوة مناطقية انفصالية (سواء كان الانفصال من الناحية النفسية أم الناحية الفعلية).

فهناك من يطرح اسم «المحرق» ويتحرك على أساس أن المحرق هي الهدف (وليس الوطن)، وهذا منحى خطير. إذ إن هناك مناطق أخرى لديها إمكانية الانطلاق على أساس مناطقي أيضا. فأهل جدحفص لديهم اعتزاز بجدحفص ويتغنون بها، ولكن لم نسمع أحدا منهم يؤسس عملا سياسيا يكون هدفه جدحفص فقط. كما أن أهل الدراز أيضا لديهم شعور مماثل، فهم مثل أهل المحرق وأهل جدحفص، يشعرون بوجود هوية تميزهم نوعا ما، سواء كان ذلك بالنسبة إلى اللهجة المميزة أو بعض العادات والتقاليد، ولكن أيضا لم نسمع من أهل الدراز أنهم أسسوا جمعية سياسية يكون هدفها الأول والأخير الدراز فقط.

أما إذا عدنا إلى المحرق، فلا أحد ينكر الدور المهم الذي لعبته وتلعبه المحرق بثقلها الذي لا يمكن للبحرين أن تستغني عنه في يوم من الأيام. ولكن هذا ليس مبررا لتأسيس جمعية سياسية باسم أهالي المحرق. فهل المحرق تفكر في المحرق فقط وليست لها علاقة بباقي مناطق البحرين؟ وهل الجمعية الأهلية السياسية الخاصة بالمحرق تعتبر المحرق بلدا آخر غير البحرين، وأن هناك قومية محرقية في موازاة قومية بحرينية؟ وهل يرضى أهل المحرق لو أسس آخرون جمعيات سياسية لمنطقة أخرى في البلاد من دون أن يفكروا في المحرق؟

بعض المعنيين يرون أن «الجمعية الأهلية في المحرق» ما هي إلا جمعية محلية، ولكن المتابع لنشاطات القائمين عليها لا يخالجه شك في أن نشاطها السياسي يقوم على أساس الدعوة إلى خصوصية محرقية في الشأن السياسي العام.

المشكلة في السكوت الآن والانتظار حتى تتأسس دعوات مناطقية أخرى، ومن ثم تعلو الصيحات والتنديدات، وكأننا نود القول: «حلال علي، حرام عليك».

إن مسئوليتنا تجاه بعضنا بعضا مشتركة، وأي يوم ننشط فيه سياسيا على أساس المنطقة فإننا نبرر الانفصال النفسي لنا وللآخرين. فاليوم نشرعن العمل السياسي على أساس المناطق، وغدا نشرعن العمل السياسي على أساس الطوائف، ثم على أساس الاثنيات، وبعد ذلك على أساس القبائل... والنتيجة هي ضياع العمل السياسي من أجل الوطن

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 632 - السبت 29 مايو 2004م الموافق 09 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً