بعد طول انتظار وترقب انعقدت القمة العربية المؤجلة في تونس وسط عدم اكتراث من قبل الشارع العربي الذي كان يعرف سلفا نتائجها من جهة، وبسبب إيمانه الشديد أن هكذا قمم لن تقدم للأمة العربية ولقضاياها الكثيرة الدعم اللازم، اللهم إلا بضع جمل ملؤها التنديد والشجب ودعوة أطراف النزاع إلى ضبط النفس وكلمات مشروخة عن ضرورة احترام الشرعية الدولية.

القادة العرب وممثلوهم الذين استقبلتهم تونس، ظهروا كما لو أنهم دفعوا دفعا لقمة تونس، حتى أن الكثيرين شبهوا الأمر بالمرأة التي تجبر على الانقياد إلى بيت الطاعة وهي كارهة للأمر... لكن ليس باليد حيلة.

المهم اجتمع قادتنا بتونس في قمة الـ «55» دقيقة بعد ثلاث خطب لا غير، بعد أن عكر العقيد الليبي معمر القدافي أجواء القمة الموعودة، بعد أن أغاظه ما حبلت به كلمة أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الذي حمل سبب فشل المنظومة العربية ممثلة في الجامعة، لأهل البيت وليس للبيت نفسه، وهو ما اعتبر ردا غير مباشر على انتقادات القذافي اللامتناهية للجامعة العربية. بعد الانسحاب الدرامي والمتوقع للقذافي الذي آثر ألا ينسحب وحيدا، فاصطحب معه عشرات الصحافيين على متن 100 سيارة كانت قد سبقته إلى تونس بغية ضمان تغطية صحافية كبيرة لمؤتمره الصحافي، وما تلا ذلك من مغادرة تلو الأخرى لبعض الحاضرين من القادة لارتباطات مسبقة مع مواعيد يبدو أنها أهم من القضايا التي تشغل المواطن العربي من المحيط إلى الخليج. انعقدت الجلسة الختامية للقمة بعد تأخرٍ دام أكثر من ساعتين بدت وهي تمر ثقيلة على الصحافيين الحاضرين، مثل ثقل القضايا التي ينظر إليها المجتمعون، وحتى يشفع لهم تأخيرهم، وعوض أن يصدروا بيانا ختاميا أصدر القادة أربعة بيانات والكثير من الوثائق التي جاءت مخيبة لآمال المتطلعين إليها في الوطن العربي، وخصوصا في العراق وفلسطين شمالا، والصومال وجزر القمر جنوبا، مرورا بالسودان الذي حضر هذه المرة بوضعه المتفجر في ولاية دارفور على حدوده الغربية مع التشاد والتي لاقت أوضاع حقوق الإنسان فيها انتقادا كبيرا من قبل الجامعة العربية التي حملت القبائل العربية المدعومة من قبل حكومة الخرطوم مسئولية الوضع، عوض أن تنتقد أوضاع حقوق الإنسان بسجن أبوغريب والفلوجة والعتبات المقدسة أو في رفح جنوب قطاع غزة. والمتصفح لما حبلت به هذه الوثائق والبيانات التي من الصعب تذكر أسماءها فبالأحرى تذكر ما جاء فيها من بنود وفصول، يظهر له بشكل جلي أن قمة العرب لم تعقد للنظر في المشكلات والتحديات التي تواجه العرب، بل للنظر في الإملاءات الأميركية والإصلاحات التي تتطلع إليها واشنطن في منطقة العرب التي ظلت وإلى بدايات الألفية الثالثة عصية على الإصلاح.

المهم انتهت القمة كما كان متوقعا لها أن تنتهي، وغادرت الوفود العربية تجر وراءها الخيبة، فيما كان الغضب والتحسر يملآن الشارع العربي بسبب كثرة هذه البنود والوثائق التي لم يعرف لها أول أو آخر، والتي حولت على أنظار القمة القادمة خلال شهر مارس/ آذار 2005 بالجزائر إذا عقدت، والتي قد تجد خلالها الطريق إلى الحل بعد أن ينقص أحد قادتها لينظم إلى قائمة الرؤساء الأسرى: الرئيسين الفلسطيني ياسر عرفات والعراقي صدام حسين