أثارت المجزرة الإسرائيلية الجديدة بحق المتظاهرين في رفح، على الجانب الإسرائيلي، ردود فعل عاصفة في الأوساط السياسية الإسرائيلية. وقال وزير العدل طومي لبيد: «على رغم أن الحادث وقع خطأ، فإن المأساة ناجمة عن بقائنا في غزة. لا يمكن الاستمرار بهذا الشكل». واعتبر عضو الكنيست أفشالوم فيلن من كتلة «ميرتس»: «ان جهاز الأمن فقد رشده. إن الذي أصدر الأوامر للمروحيات العسكرية بإطلاق النار على متظاهرين، أصدر أوامر غير قانونية يرفرف عليها علم أسود».
من جهة أخرى، هاجم أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف كل من هاجم الجريمة التي ارتكبت في رفح. وقال أرييه إلداد من الاتحاد القومي: إن «المتعاونين مع الدعاية التي تبثها التنظيمات الإرهابية إنما يروجون لفدية دم تماما مثلما فعلوا إبان القتال في مخيم جنين للاجئين». وقال تسفي هندل: إن اليسار الإسرائيلي يقف إلى جانب «أعداء إسرائيل وضد الجيش».
لكن الصحف الإسرائيلية بدت في الغالب مشمئزة من قصف المتظاهرين، وتخوفت على سمعة «إسرائيل» أمام الرأي العام العالمي وخصوصا الأميركي!... لكن اللافت أن بعض المعلقين الإسرائيليين رجحوا نهاية لعملية «قوس قزح»، تماما كما انتهت عملية «عناقيد الغضب» (في لبنان العام 1996 حين قام جيش الاحتلال بقصف مقر الأمم المتحدة في قانا)، أي بأمر من رئيس الوزراء شخصيا. فيما توقع البعض أن ينضم أصحاب المنازل المدمرة في رفح وأصحاب الأراضي المجروفة وأقارب الضحايا الذين سقطوا خلال التظاهرة في المخيم إلى صفوف المقاومة، حسبما جاء في افتتاحية «هآرتس»، التي وصفت المجزرة بأنها «كارثة»، مشيرة إلى انها نتيجة طبيعية لحرب يشنها الجيش في منطقة مكتظة بالسكان. ولاحظت ان هذه الكارثة تلت عمليات هدم للمنازل في رفح وتشريد مئات العائلات مشيا على الأقدام أو في عربات تجرها الحمير.
وأضافت انه من المثير للأسى مشاهدة الفلسطينيين يسقطون خلال التظاهرة، ومن المحزن رؤية الأطفال يحملون ثيابهم على ظهورهم، ومن المحبط مشاهدة النساء والعجزة يجمعون أغراضهم ويهربون شمالا خوفا من المدافع والبلدوزرات، وخصوصا انهم لا يعرفون ما إذا كانوا سيعودون إلى مخيمهم أو ما إذا كانت منازلهم التي تفتقد إلى الملاجئ ستكون موجودة عند عودتهم.
القضاء على قيم الجيش
وأكدت الصحيفة العبرية أن هذه الأعمال التي ينفذها الجيش بحق الفلسطينيين لن تؤدي سوى إلى تدعيم جدار الكراهية بين الشعبين. وأضافت ان الجيش قضى على القيم الأخلاقية التي يجدر بكل جيش الاعتماد عليها وذلك خلال السنوات الطويلة للاحتلال، ولم تكن عملية رفح سوى ضربة أخرى لهذه القيم.
وكتب زئيف شيف في «هآرتس» مقالة تحت عنوان «نهاية قوس قزح»، رأى فيها أنه لا يهم الآن معرفة من الذي أطلق النيران باتجاه المتظاهرين الأبرياء، ولا فهم الظروف التي أدت إلى سقوط هذا العدد من القتلى والجرحى الفلسطينيين، بل الأهم هو ان اللوم، سيقع على عاتق «إسرائيل» وحكومتها وجيشها. واعتبر شيف، ان الدولة العبرية، بفعلتها هذه خسرت التفهم الدولي وهو ما سيؤدي إلى تعرضها للمزيد من الضغوط الدولية لتنفيذ خطة الانسحاب من غزة. وعرض شيف، تحليله الخاص لما حصل في رفح، لافتا إلى ان السكان كانوا يتوقعون أن يدخل الجيش إلى داخل المخيم إذ يتمكنون من قتاله من داخل البيوت وتكبيده خسائر كبيرة، غير ان الواقع هو ان الجيش ركز على حي تل السلطان في ضاحية المخيم. وهذا ما جعل الفلسطينيين يتظاهرون لجذب القوات الإسرائيلية إلى داخل المخيم. ورجح شيف، في ختام مقالته أن تنتهي عملية «قوس قزح» قريبا تماما كما انتهت عملية «عناقيد الغضب»، أي بأمر من رئيس الوزراء شخصيا.
محو الأسبوع من الذاكرة
وعلّق عاموس هاريل في «هآرتس»، مبررا المجزرة التي ارتكبها الإسرائيليون في رفح، إذ رأى انه من الصعب جدا الاقتناع بأن القوات الإسرائيلية أخذت أية أوامر لإطلاق النيران على المتظاهرين. موضحا انه بالاستناد إلى التحقيقات الإسرائيلية الأولية فيما جرى، فإن هذه القوات شعرت بالخوف الشديد من أن تتقدم هذه الجماهير الغفيرة نحو مقر القوات في تل السلطان في رفح، ولذلك عمدت إلى إطلاق النيران عليها. وأكد هاريل، ان المطلوب من القوات هذه كان تصعيد إجراءاتها للحؤول دون أن يتصادم المتظاهرون مع الجنود.
ورأى هاريل، أن عملية «قوس القزح» ولدت في الخطيئة لأن الموافقة عليها تمت على عجل ردا على الخسائر التي تكبدها الجانب الإسرائيلي ولأنها هددت حياة الكثير من الجنود الإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين. واعتبر ان الأهم هو ان العملية كانت خاطئة لأنها أطلقت بُعيد تظاهرة إسرائيلية تؤكد انه لا يفترض للقوات الإسرائيلية أن تبقى في غزة. وختم ساخرا بأن رئيس الأركان موشيه يعالون، يفضل لو انه قادر على محو هذا الأسبوع من ذاكرته.
قوس الشيطان الاسرائيلي
ورأى جدعون ساميت في «هآرتس» انه بعد أن نفذت القوات عملية «السور الواقي» في الضفة، ها هي تنفذ عملية «قوس القزح» في القطاع، وهي صورة ساخرة لشيء يختفي نهائيا بعد فترة قصيرة من الوقت. (في إشارة منه إلى انه فيما يختفي قوس القزح وكأن شيئا لم يكن فإن آثار هذه العملية لن تختفي أبدا لأنها ستخلف الكثير من الدمار والتشرد). وسخر ساميت، لافتا إلى ان رئيس الأركان الإسرائيلي موشيه يعالون، الذي لم يتمكن من أن يحول دون نسف دبابة إسرائيلية هذا الأسبوع أيضا، يحاول أن يقنع الإسرائيليين بأن هذه العملية الجديدة في القطاع ستكون ناجحة أكثر بكثير من سابقاتها. لكن المعلق الإسرائيلي، لفت إلى انه مع هذا الكم الهائل من الخسائر البشرية والمادية، إلى جانب أعداد اللاجئين الفلسطينيين الهائلة، ما من أمل يلوح في الأفق. معتبرا انه لا ضرورة في الحقيقة لرسم قوس قزح فيما تتلبد سماء غزة بغيوم داكنة هي القوات الإسرائيلية الموجودة في القطاع. مشيرا إلى انه لا يبدو ان هذه القوات ستنسحب من غزة قريبا.
أما بالنسبة إلى وعود شارون بخطة فصل معدلة فرأى ساميت، ان حظوظ حصول هذه الخطة على موافقة غالبية الوزراء ضعيفة. مضيفا انه من غير الواضح ما إذا كان شارون، سيعرض هذه الخطة أم لا. غير ان ساميت، اعتبر انه على رغم من المخاطر المحيطة بشارون، يجب عليه أن يطرح خطته المعدلة أمام الحكومة بأسرع وقت ممكن، موضحا أن أي تأخر سيكون بمثابة جريمة بحق المصالح الإسرائيلية. وختم بالقول: إنه إذا كان شارون مستعدا للتضحية «بحياته» في ساحة القتال فلابد له من أن يكون مستعدا لأن يضع حياته السياسية أمام اختبار حقيقي في مجلس الوزراء أيا كانت النتائج.
وأكد مدير المركز الإسرائيلي الفلسطيني للأبحاث والمعلومات جيرشون باسكن، في موقع المركز على الإنترنت، ان على القوات الإسرائيلية أن تنسحب من غزة فورا لأن بقاءها هو دعوة إلى المزيد من القتل والمزيد من الدماء. ورجح باسكن، أن تؤدي العملية التي استهدفت المتظاهرين الفلسطينيين في رفح إلى عمليات انتقامية من الجانب الفلسطيني، وهو ما يعد باستمرار دوران الفلسطينيين والإسرائيليين في حلقة مفرغة من القتل والثأر.
وأوضح ان عمليات اغتيال الزعماء الفلسطينيين دفعت الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات انتقامية كقتل مستوطنة إسرائيلية وأولادها، وتفجير آليات عسكرية إسرائيلية في غزة. وهذه العمليات الانتقامية هي التي دفعت بدورها القوات الإسرائيلية إلى تنفيذ عملية «قوس قزح» في رفح. واعتبر المحلل الإسرائيلي، أن بقاء «إسرائيل» في غزة لن يؤدي سوى إلى المزيد من القتل على الجانبين، لذلك حري بالدولة العبرية أن تنسحب من القطاع قبل أن يصبح الثمن باهظا جدا ومن الصعب استيعابه. ودعا باسكن، التيارات اليسارية التي تظاهرت حديثا في ساحة رابين، إلى تفعيل دورها كداعية سلام والترويج لضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة
العدد 631 - الجمعة 28 مايو 2004م الموافق 08 ربيع الثاني 1425هـ