أمام الدول العربية ثلاثة استحقاقات في شهر يونيو/ حزيران المقبل. الأول قمة الدول الثماني في سي آيلاند بولاية جورجيا وعلى جدول أعمالها مناقشة مشروع إصلاح «الشرق الأوسط الكبير» بحضور أربع دول عربية. والثاني مشروع القرار الأميركي - البريطاني الذي عرض على دول مجلس الأمن لمناقشته واتخاذ الاجراءات المناسبة لتسليم السلطة في العراق. والثالث مشروع إعادة انتشار قوات الاحتلال في 30 يونيو المقبل والاحتمالات المتوقعة بعد اتخاذ تلك الخطوة.
الاستحقاقات الثلاثة مهمة جدا مهما حاولت الدول العربية التهرب من المسئولية. فالدول المحيطة وخصوصا دول الجوار العربي معنية مباشرة بتداعيات الأزمة العراقية الناجمة عن الاحتلال وفشله في تحقيق أهدافه. فالفشل احيانا كالنجاح فإذا لم تتدراك الدول المعنية الأمر وتبادر إلى احتواء الأزمة فإن تداعيات الموقف ستنعكس سلبا عليها ولن تقتصر نتائجها ضمن حدود بلاد الرافدين. فأميركا كررت مرارا أنها تتوقع حصول اصطدامات أهلية ونشوء سلطات محليه تأخذ مباشرة مقاليد حماية الأمن والممتلكات... وهذا بدوره قد يسهم في اطلاق منافسات محلية بين قوى سياسية ليست متفقة بالضرورة على برنامج عام وموحد. وفي حال حصول مثل هذا الأمر فإن احتمالات وقوع مواجهات مناطقية - مذهبية تصبح من بديهيات تداعيات أزمة ما بعد إعادة انتشار الاحتلال.
ربما تكون واشنطن خططت لهذا الاحتمال واشتغلت طوال أكثر من سنة على الاحتلال على منع قيام سلطات محلية فعلية تكون قادرة على تعبئة الفراغ الأمني في حال الانسحاب. فنشوء فراغات أمنية هي اخطر مسألة ستواجه العراق في مطلع يوليو/ تموز المقبل. وهذه الفراغات قد تبدأ محلية (مناطقية - مذهبية) ولكن احتمالات تطورها وتوسعها من الأمور الواردة. وفي حال توسعت وتطورت فإنها قد تنجح في استدراج قوى إقليمية للوقوع في «افخاخ» أمنية نصبتها القوات الأميركية قبل اجراء عمليات إعادة الانتشار.
هذا الاستحقاق الخطير يطل برأسه على مسألتين: الأولى ماذا قررت الدول العربية أن تفعله قبل اقتراب موعد إعادة انتشار قوات الاحتلال؟ والثانية ماذا تفكر أن تفعل الدول العربية في حال أعيد انتشار الجيش الأميركي وحصلت مواجهات أمنية سياسية في بلاد الرافدين؟
تجاهل هذه الاحتمالات من قبل الدول المعنية بالأمر لا يلغي مسئولياتها العامة على المستوى العربي أو التزامها بأمنها الخاص على المستوى القطري. فالدول العربية معنية بأمن العراق وسيادته واستقلاله ووحدة أراضيه ودولته، حتى لو تجاهلت المسألة وابدت قلة اكتراث بما يجري في ساحات بلاد الرافدين.
هذه الاحتمالات السلبية تفتح الباب مجددا على المشروع الأميركي - البريطاني المطروح أمام دول مجلس الأمن. فالمشروع يقترح في النهاية تسليم السلطة قبل 31 يناير/ كانون الثاني 2005 ولكنه يماطل بأسلوب ملتو التنفيذ لمعرفة نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. فالمشروع يخادع ويناور لكسب الوقت ولكنه يقترح صيغة ثنائية - توفيقية بين الاحتلال والتدويل، اي نصف احتلال مقابل نصف تدويل. والتدويل يكون بإشراف مجلس الأمن ومجلس الأمن يشرف على تسليم السلطة للعراقيين بمراقبة الاحتلال ومشاركة قواته. ماذا تقول الدول العربية عن خطة مزاوجة الاحتلال بالتدويل؟ حتى الآن لا شيء يذكر بينما قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك إن صيغة المشروع بحاجة إلى تعديلات واسعة. ماذا تقول الدول العربية، وما رأي الجهات المعنية بكلام وتعليقات شيراك؟ لا شيء يذكر حتى الآن.
التجاهل العربي أو انعدام وجود تصورات واضحة لمستقبل العراق والمنطقة والدول المحيطة ببلاد الرافدين لا يعني اطلاقا تخفيف حمل المسئولية العربية، وتحميل الاعباء لجهات لا صلة لها مباشرة بالتداعيات المحتملة. فالسكوت الآن ليس من ذهب وانما هو اشبه بحالات بائسة تنتظر الفرج بينما الكرب هو المرشح في الفترة المقبلة. فالصمت لا يدل دائما على نضج في التفكير وانما احيانا يؤشر على قصور نظري في تور الاحتمالات المتوقعة بعد أربعة أسابيع.
استحقاقات العراق (إعادة الانتشار وتدويل الأزمة) ليست منفصلة عن مشروع إصلاح ما يسمى «الشرق الأوسط الكبير». فهذه الحلقات الثلاث مترابطة وهي كلها مطروحة للنقاش واتخاذ القرارات بشأنها ووضع جدول للاجراءات في أقل من شهر. فماذا فعلت الدول العربية لاحتواء تداعيات أزمة العراق؟ لا شيء واضح سوى الاستنكار أو الرفض أو القعود أو الصمت. هذا نصف جواب. والمطلوب الآن الاسراع في طرح النصف الآخر وتحديد الموقف العربي من الاستحقاقات الثلاثة. فالكلام هنا ليس من فضة... إنه أفضل بكثير من الصمت المريب
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 631 - الجمعة 28 مايو 2004م الموافق 08 ربيع الثاني 1425هـ