تزداد الدعوات من أجل عقد المزيد من الحوارات الوطنية، وانتشار هذه الظاهرة يعتبر مؤشرا حسنا أفضل لنا الف مرة من التراشق والتصادم. فالحوار يعتبر وسيلة للوصول الى نتائج افضل من النتائج التي تستحصل بوسائل تصادمية. وهذا القول يفترض أن الحوار قائم على اساسيات ومقومات مهمة مثل وضوح الاجندة، وحضور من يعنيه الحوار الى طاولة النقاش، ووجود متابعة وحماس من اجل تحقيق الاهداف والنتائج.

البعض يطرح أنه حتى لو لم تكن هناك اية اجندة واية اجراءات متفق عليها، فالحوار بحد ذاته امر جيد وغاية تستحق التعب والجهد المبذول. بين هذا وذاك تنطلق دعوات الحوار من جهات عدة تسعى إلى ترطيب الاجواء، واشراك الجميع على اساس حسن الثقة. وفي هذا المجال فإن اية دعوة تنطلق من أية جهة ينبغي أن نشجعها وندعو لها بالتوفيق، لان رعاية الصالح العام هي الدافع إلى كل الدعوات التي سمعناها لحد الآن، ونجاح أية واحدة - او كلها - هو نجاح للوطن.

وانطلاقا من هذا المبدأ فإن «الوسط» خصصت منتدى هذا الاسبوع (انظر ص 5) لاستخلاص رؤى الاطراف السياسية بشأن الدعوات الى الحوار. ومن خلال هذا الحديث نعرف وجهات نظر مهمة مثل ما قاله نائب رئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية حسن مشيمع الذي قال إن الحوار الأساسي هو «مع الحكم في قضايا كثيرة نطالب فيها بتغييرات»، ولكنه اشار الى ان ذلك الحوار يفترض وجود «حوار أولي بين الأطراف التي تمثل شرائح المواطنين في البلد، لتتفق - على الأقل - على أولويات تحاور من خلالها الحكومة».

هذه الدعوة من وسط التحالف الرباعي تواجهها وجهة نظر اخرى (من داخل التحالف) تعتبر أن الحوار بشأن قضية مثل التعديل الدستوري «يجب ان تكون بين الحكم والجمعيات الاربع فقط»، وان اي حوار آخر ليس له أهمية او جدوى. وجهة نظر اخرى من خارج التحالف الرباعي تتطلع الى تكوين تحالف آخر يؤسس لاجندة اخرى في قبال اجندة التحالف الرباعي. ووجهة النظر هذه لن تنجح على الارض، اللهم إلا اذا كان النجاح هو في اصدار بيانات تردد بعض الجمل التي لن تضيف للحوار اي معنى حقيقي.

في داخل التحالف الرباعي، هناك ايضا من يطرح ضرورة إبعاد الرموز الدينية لانها تستطيع ان تسحب الشارع من خلف «الوفاق» لو قررت الدخول مباشرة في الشأن السياسي. والرأي هذا تجده لدى بعض الإخوة من الجمعيات المتحالفة مع «الوفاق». هذه الشخصيات نفسها ايضا تخشى من ادخال اية جمعيات او فعاليات اخرى «خشية» أن تؤثر هذه الحوارات على رموز «الوفاق» وبالتالي ينفرط التحالف الرباعي بصورة تلقائية، ذلك لان الشارع الشيعي المتحرك - والذي تمثله «الوفاق» - هو العمود الفقري للتحالف الرباعي، وفقدان رموز «الوفاق» يعني فقدان الشارع المتحرك، وهذا يعني انهيار التحالف.

الحوار الذي رعته «الوسط» وعقد عدة اجتماعات بين 10 ابريل / نيسان و9 مايو / ايار نجح لحاجة الاطراف (المشاركة فيه) اليه بسبب اشتداد الازمة حينها. ولكن الازمة المتصاعدة خفت، ولذلك فإن الحاجة الى الحوار ايضا خفت، وخصوصا مع ازدياد دعوات الحوار من عدة اطراف ومع بروز الآراء المشار اليها اعلاه. وعليه فإن الحديث الآن قد عاد الى «الصفر» ولا يبدو ان تحريكه من الصفر سيكون سهلا مع غياب الحافز من بعض الاطراف، ومع خوف البعض وتشكيك الآخر، ومع تضييع الفكرة في زحمة المنافسة (المشروعة) من جميع الجهات.

الحوار - وبخلاف ما يعتقده البعض - وسيلة الاقوياء، والقوة المقصودة هي قوة الطرح وثبات الرؤية والارادة وإخلاص النية، وهذه مجتمعة هي التي تخلق القوة المادية، وليس العكس كما يعتقد البعض