الساحة السياسية البحرينية تبشر بولادة نظريات جديدة سترفد الوطن بخيرٍ كثير! فطوبى للمواطنين بالمطر «العمودي» القادم كالشلال ليُخصب الأرض. وأولى التباشير بدأت تطلّ علينا مبكرا، بعد أن تجاوز الجماعة «ورطة ليلة السبت» الماضي، في أعقاب صدمة التغيير الوزاري في الداخلية الذي أطاح في ضربةٍ موفقةٍ واحدةٍ بخمسةٍ من تحليلات ومقالات وأعمدة أباطرة الكلمة الحرة الهادفة في بحريننا الغالية. النظريات الجديدة تدلّ بلا شكٍ على ثراءٍ في التفكير وعمقٍ في الرؤية وتتبعٍ للمشكلات التي تؤرق المواطن، فسعيا مشكورا لأصحابها الذين يبحثون عن حلولٍ للأزمات المستحكمة!
مسيرة الجمعة الماضية كانت سلمية تماما، ومن هنا كانت الورطة الكبرى! حتى سيارة الشرطة التي نشرت صورتها على الصفحة الأولى وقد اشتعلت فيها النار، عندما تتحرى الأمر ستكتشف أنها انقلبت عند ارتطامها بالرصيف المرتفع وهي مسرعة. حتى النار التي اشتعلت فيها لم تكن بتدبير «مندس» أو «مخرب»، وانما كانت لتسرب الوقود من المحرّك عند انقلابها. مصور «الوسط» تابع الحادث والتقط صورا متتابعة هي أفضل ردٍ على البهلوان الذي كتب في عمود أخير نادبا ما شاب المسيرة من ممارسات عكرت مزاج الشارع البحريني، عندما تحوّلت إلى شيء من العبث بالقانون وبمصالح العباد والبلاد. نبرةٌ شابت عليها لحاهم وابيضت ذقونهم، فلا يغادرونها إلاّ إلى القبر!
الأغرب من ذلك أن المفتي الجديد الأمرد يصرّ على أن الشرطة تعاملت مع المسيرة بمنتهى العقلانية، عندما استعملت الغاز المسيّل للدموع ولم تتجاوزه كما كان يحدث في السابق! إصح يا نايم، وحّد الدايم... فنحن لا نستنكر على الحكام العرب عندما لا تتجاوز نظرتهم إلى شعوبهم نظرتهم إلى قطعان الماشية، فهكذا تربّوا وعاشوا، ولكننا لا نقبل أن يستهين حامل قلم عجوز متساقط الأسنان بأرواح الناس وحرياتهم، وكأن من المسلّمات ضرب المتظاهرين بمسيلات الدموع المنتهية صلاحيتها قبل عشرة أعوام، فيذكّرنا بأفكار اللئيم ميكافيللي الذي كان ينصح الأمير الإيطالي في القرون الوسطى بقيادة الناس كما يقود الحمير والأبقار.
كثيرا ما كُتب عن أصحاب الأبراج العاجية، الذين يعيشون كالديدان الشريطية متنعمين على حساب الشعوب، ولكن في أيامنا هذه لن تروا أبراجا ولا عاجا في الآفاق، وانما خوازيق من الذهب منصوبة ليجلس عليها بعض المتربعين على الأعمدة، الذين يروّجون لكل شر، ويهوّنون من كل مفسدة، ويقلّلون من كل خطيئة وجريمة، المهم أن تبقى الميرة ويستمر الإمداد بماء الحياة المقدّس!
أمام هذا المنطق التبريري الوقح، تخيّلت مجموعة من الحيوانات الداجنة، أبقارا وأغناما وخيولا وعصافير، تسير في اطمئنان في أحد شوارع المدينة، تردد شعارات ضد أسدٍ متوحشٍ يعبث في القنّ المجاور، فهجمت عليها مجموعة مسلحة تضربها بالهراوات، ثم اعقبتها بالغازات المسيلة للدموع، ثم أخذت ترميها بالرصاص المطاطي، ماذا سيكون تصوّرها عن هذه المعاملة؟ ماذا ستقول في نفسها عن هذه القوات؟ كيف ستنظر إلى من أصدر الأوامر؟ ثم يتكّلم المفتي «الكشخة» عن الركوب في قاطرة الإصلاح أو العودة إلى حقبة السبعينات السوداء! ومنذ متى كانت سوداء عندك؟ أهكذا تكون النصيحة الخالصة لله وللمسلمين حكومة وشعبا؟!
بعد ان كتبت عن «ورطة ليلة السبت»، كان من بين المكالمات الواردة مجموعة من الفتيات سألتني إحداهن بالنيابة وهن يتضاحكن عن صاحب العيون العسلية بالتحديد، واليوم اكشف سره: لم تكن عيونه عسلية على الإطلاق، فعيونه سوداء مثل القار، مدقدق وعمره فوق الخمسين خريفا، وأضراسه ربما كلها متساقطة، فماذا تريدون فيه؟ انما وصفت عينيه بالعسلية من اجل التمويه على شخصه الحقيقي! ولكنهم يأبون إلا أن يكشفوا أنفسهم، ولتعرفونهم في لحن القول، وهذه تباشير نظرياتهم اللئيمة بدأت تنهمر، فابشر يا شعب البحرين بالميكافيلليين الجدد الذين ستخصب الأرض بما يخرج منهم بين نثيلٍ ومعتلف! فأصحاب الخوازيق الذهبية باختصار، لا يريدون ان تظهر للعالم بانك لا تفهم في السياسة، وكل شيء بالديمقراطية يصبح كشراب الكرز الأحمر
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 629 - الأربعاء 26 مايو 2004م الموافق 06 ربيع الثاني 1425هـ