العدد 629 - الأربعاء 26 مايو 2004م الموافق 06 ربيع الثاني 1425هـ

كلمة أميركية ضائعة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من يقرأ مسودة مشروع القرار الأميركي - البريطاني الذي طرح أمام مجلس الأمن للاتفاق عليه بعد تعديله، ونشرته صحيفة «الحياة» (بتاريخ 25 مايو/ أيار الجاري) يحتاج إلى شهادة دكتوراه في حلِّ الألغاز والكلمات المتقاطعة لفك شفرات القرار المقترح وتحويله إلى برنامج عمل واضح المعالم والخطوات.

هناك «كلمة ضائعة» في المشروع وهي تجهيل الفاعل. فالقرار ينطلق من مشكلة موجودة في العراق لا يعرف من افتعلها أو يتحمل مسئوليتها، ويريد المشروع من مجلس الأمن والدول الكبرى والمعنية ودول الجوار والمنطقة المساهمة في حلها. فالحل يبدأ من النتائج لا من الأسباب. وعلى أساس النتائج يبني القرار مشروع الحل مع تغييب الفاعل وحق «المجهول» في المشاركة في معالجة مشكلة لا يعرف كيف تأسست؟ ولماذا بدأت؟

مشروع القرار معقد فهو يبدأ من مسألة وينتهي إليها، ثم يبدأ منها لينتهي إليها. وهذه الشبكة من الكلمات المتقاطعة تبحث دائما عن كلمة ضائعة ولا نجدها واضحة ومحددة المعالم.

قراءة مشروع القرار تحتاج فعلا إلى شهر لتحديد القصور النظري والثغرات القانونية وربط مداخل القرار بمخارجه. مثلا يتحدث القرار عن ثلاث محطات زمنية وفي كل محطة نقرأ فقرات تتحدث عن حكومة وانتخابات وديمقراطية ودستور وغيرها. وبعد ذلك ننتقل إلى محطات زمنية فنجد أيضا فقرات تعيد تكرار الكلام بفقرات مبهمة عن حكومة وانتخابات وديمقراطية ودستور... إلخ.

ينطلق المشروع مبدئيا من الاحتلال ونتائجه من دون الحديث عن الاحتلال والأسباب التي آلت إلى مثل هذه النتائج الكارثية. ويطلب المشروع المساعدة في حل مشكلة الاحتلال من دون أن يشير إلى الطرف الذي يتحمل مسئولية الكارثة. فالكارثة كما يبدو من نص المشروع وجدت لوحدها وبناء عليها يبدأ المشروع بعرض حل هو أقرب إلى كلمات متقاطعة لا تعرف الوسيلة التي يجب اعتمادها لربط الشبكة ببعضها وتحديد الكلمة الضائعة في اللعبة كلها.

غموض الفاعل يعني أيضا غموض الحل. فالحل المطروح هو أشبه بمجموعة حلول متداخلة ومتعارضة مع بعضها طولا وعرضا. يتحدث المشروع مثلا عن تسليم السلطة إلى العراقيين في 30 يونيو/ حزيران المقبل. ثم يتحدث عن إعادة تسليم للسلطة قبل 31 ديسمبر/ كانون الأول 2004 في حال جرت انتخابات قبل نهاية السنة الجارية. ثم يتحدث عن إعادة تسليم للسلطة قبل نهاية يناير/ كانون الثاني 2005 في حال تعذرت الانتخابات في 31 ديسمبر 2004. أي أن المشروع وضع عقبة أو فقرة تقول تجرى الانتخابات قبل 31 ديسمبر «إذا كان ذلك ممكنا». عبارة «إذا كان ذلك ممكنا» تعني الكثير وربما تعني تأخير عقدها فترة شهر فقط إلى 31 يناير 2004. والسؤال: لماذا كل هذا التعقيد (اللف والدوران) لتأجيل الانتخابات فترة شهر؟ والسؤال الآخر: إذا فشل العراق في ضمان عقد انتخابات في ديسمبر فما الجديد الذي يتوقع أن يحصل خلال 30 يوما حتى يمكن أن يعقد العراق انتخاباته بنجاح ومن دون عقبات؟

إنها الانتخابات الأميركية. فالمشروع المقترح يربط مواقيت الانتخابات العراقية بالانتخابات الأميركية. فالمعروف أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني وإذا نجح الرئيس الحالي فليست هناك مشكلة. المشكلة إذا سقط وفاز المترشح الديمقراطي فهنا تدخل الإدارة في تعقيدات تسلم وتسليم البيت الأبيض وهذا يبدأ قبل نهاية ديسمبر 2004 ويتوج بقسم اليمين في احتفال علني قبل نهاية يناير 2005.

القرار إذا يحدد المواقيت والمحطات وفق تدرج زمني له صلة بالانتخابات الأميركية وليس بحقوق الشعب العراقي. وفي ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية تحدد إدارة جورج بوش الحالية مصير العراق وتربط مواعيد الانتخابات العراقية بأجندة أميركية واضحة المعالم. توضيح هذا اللغز يساعد كثيرا في التقاط الشفرات التي يطرحها مشروع القرار بأسلوب مقطع ومتقطع إلى درجة لا يعرف القارئ الحق من الباطل في كل تلك الفقرات المرصوفة فوق بعضها أو وراء بعضها من دون رابط منطقي يجمعها في صيغة حل واضح المعالم والخطوات.

مشروع القرار ينطلق من نتائج الاحتلال وتجهيل الفاعل ومنهما يبني خطته المقبلة على أساس القرار 1483 الذي صدر في 23 مايو/ أيار 2003، والقرار 1511 الذي صدر في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2003 وعزز بمذكرة دولية صدرت في 16 ابريل/ نيسان 2004، ويعد مجلس الأمن بأن تسليم السلطة إلى العراقيين يجب أن ينتهي قبل نهاية 31 يناير 2005، أي قبل نهاية رئاسة بوش أو قبل بداية رئاسة جون كيري في حال فاز بالانتخابات الأميركية.

يرجح أن يكون هذا هو السبب وراء غموض مشروع القرار الذي هو فعلا أشبه بشبكة من الكلمات المتقاطعة التي تبحث عن حل اللغز... واللغز هو فقرة ضائعة تقول: انتظروا نتائج الانتخابات الأميركية لنحدد لكم سياستنا النهائية في العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 629 - الأربعاء 26 مايو 2004م الموافق 06 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً