العدد 628 - الثلثاء 25 مايو 2004م الموافق 05 ربيع الثاني 1425هـ

الجودر: تقاليدنا همشت المرأة... والأولى تعزيز معتقداتها الإيجابية

في ندوة «تمكين المرأة صحيّا ونفسيّا»

في ندوة أقيمت في مجلس بدرية علي في عراد، بينت رئيسة قسم التثقيف الصحي، استشارية طب العائلة أمل الجودر كيفية تمكين المرأة صحيا ونفسيا في المجتمع بحيث تكون فاعلة ومنتجة فيه، ما يحقق لها نوعا من الرضا النفسي عن ذاتها ويدفعها إلى تقديم مزيد من العطاء، وهذا ما لا يتعارض مع الإسلام الذي كرم المرأة وأعزها، فالنساء شقائق الرجال كما قال رسولنا محمد (ص)، ولكن للأسف - بحسب الجودر - فإن العادات والتقاليد المتراكمة على مدى سنين جعلت المرأة وكأنها مواطن من الدرجة الثانية... هذا الإحباط والتراكم النفسي لدى المرأة جعل من الواجب تسليط الضوء على بعض الأمور التي لو اتبعتها المرأة لخرجت من سجون الظلام التي فرضها عليها المجتمع إلى نور الإقبال على الحياة والتفاعل مع الآخرين.

تقول الجودر: أنا لست ضد مبدأ الزواج، فهذه سنة الله في خلقه والزواج نصف الدين، ولكن لتسأل المرأة نفسها هل هذا ما تريده؟ فإن كانت لا تريد الزواج أو أن الله كتب عليها عدم الزواج أو الطلاق أو فقد الزوج بسبب الوفاة فهل يعني ذلك نهاية العالم؟ لا، بل وألف لا، فالمرأة قادرة على الاعتناء بنفسها ويجب عليها عدم إلقاء اللوم على المجتمع لأن ذلك لن يغير الموضوع بل سيزيدها ضعفا واحساسا بأنها لا حول لها ولا قوة... كما ان طريقة تربية الرجل لدينا خاطئة إذ يربى الولد على عدم السماح له بالبكاء أو بالتعبير عن شعوره بحجة ان هذا ضعف ولا يجوز له كرجل وهذا بدوره خلف عند الرجل كبتا للشعور.

المرأة والرجل يكملان بعضهما بعضا، والإنسان عموما ذو طبيعة مزدوجة من حيوان وملاك... ملاك بجانبه الروحي المستمد من الله سبحانه وتعالى «فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا» (12: التحريم) ولكنه في الحالين يتعرف كالإنسان وليس كالحيوان أو كالملاك... والروح واحدة لا أنثى ولا ذكر، لا رجل ولا امرأة... إنها من روح الله.

صور لامتهان المرأة

تستعرض الجودر صورا لامتهان المرأة في مجتمعنا فتقول: «لو تفحصنا الإعلانات التجارية لوجدنا أن معظمها يستهين بالمرأة، فالرسالة الخفية في الإعلانات أن المرأة ليست قوية وليست جيدة بشكل كاف ولكنها في حاجة دائمة إلى المنتوجات التي تروج لها هذه الإعلانات». وتضيف «هذا بدوره ساعد في تقدير منخفض لذات المرأة وجعل الفتيات يدخلن في صراعات مع أنفسهن على شكلهن الخارجي، حتى انني كنت في جلسة مع مجموعة من طالبات الثانوية أتبادل معهن الحديث عن شعورهن تجاه أجسامهن، فإذا بواحدة تقول تتمنى لو يأتي ساحر وفي دقيقة يحول جسدها إلى شكل عارضة أزياء... وأخرى تقول أكره الذهاب إلى الشراء بسبب مقاسي... وثانية تقول أكره النظر إلى المرآة بسبب شكلي...مجلات تتلاعب بنا نحن النساء في صفحة تقدم إليك طرق الرجيم التي تساعد على إنقاص الوزن وبعدها أطباق من الطعام ذات السعرات الحرارية العالية.

تعزيز الأفكار والمعتقدات الإيجابية

وأشارت الجودر إلى أن المرأة إذا أرادت أن تمكن نفسها فعليها أولا أن تفكر في طريقة إيجابية، فكلما فكرت كذلك كانت اسعد حظا وأكثر سعادة. وتضيف «لو كنت تريدين غدا مشرقا يجب ان يكون تفكيرك اليوم ايجابيا، فأفكارك اليوم تصنع غدك»...

توجد رسائل كيماوية تخرج من العقل إلى الجسم بشكل دائم مع تفكيرنا وأقوالنا، وهناك نوعان منها، الأول يقوي الجهاز المناعي ويقوى مع الأفكار الإيجابية والآخر يضعف الجهاز المناعي ويقوى مع الأفكار السلبية.

وتقول الجودر: «متى ما كانت مشاعرك وأفكارك إيجابية (تفاؤل - أمل - حب) كانت مناعتك قوية، ومتى ما كانت سلبية (الغضب والكره والحسد) ضعفت مناعتك».

وتستطرد: التواصل بين الجسم والنفس لا ينام أبدا والاثنان يؤثران في بعضهما بعضا. كل إنسان رجلا كان أو امرأة لديه كنز من القدرات أودعه الله سبحانه وتعالى فيه... ولكن هناك أناسا يستخدمون هذه القدرات وبالتالي تنمو وتزدهر وينجحون، وآخرون لا يستخدمونها فتضمر. لذلك على كل واحد منا أن يبحث عن هذه القدرات وان نتوصل إليها من خلال النفس العميق والتأمل، ولنحول معتقداتنا السلبية إلى إيجابية لابد أن نتعرف عليها أولا، فمعظمنا لا يدري ما معتقداته بسبب وصولها إلى اللاوعي. وعليه فالمطلوب من كل امرأة أن تحضر دفترا وتسجل اعتقاداتها عن نفسها (العمل، الصحة، المال، تقدم العمر...) وتحدد صفحة أو أكثر لكل موضوع وتكتب فيه كل ما يخطر في بالها حتى وإن بدت بعض الأفكار غبية أو سخيفة، وكل يوم أضيفي إليه إلى أن تشعري بأنك كتبت كل أفكارك ومعتقداتك ولم يعد هناك أي شيء تضيفينه ثم راجعي القائمة وضعي على ما هو إيجابي علامة معينة وما هو سلبي علامة أخرى... عززي من الاعتقادات الإيجابية ثم ابدئي في تشكيك نفسك في الاعتقادات السلبية... اسألي نفسك: هل فعلا تودين الاستمرار في هذا الاعتقاد؟... ثم اكتبي الاعتقادات الإيجابية مكان الاعتقادات السلبية، فمثلا بدلا من كتابة «أنا من مرض إلى مرض آخر» اكتبي «أنا امرأة قوية متمتعة بالصحة» اقرئيها بصوت عال مرارا وأمام المرآة... وأعيدي هذه التأكيدات الإيجابية، ضعيها في حقيبة يدك، وعندما تكونين في فترة انتظار لأي أمر أعيدي قراءتها... أجعلي نسخة منها قرب سريرك اقرئيها قبل أن تنامي... هذه التأكيدات لها تأثير إيجابي عليك فجربي بنفسك واحكمي.

كما عليك أن توقفي النقد لنفسك فالماضي ماض تعلمي منه واطوي صفحته.. حبي نفسك.. اصنعي علاقة روحية قوية مع ربك ومع الحياة والطبيعة والكون، طوري نفسك تعلمي كل ما هو جديد كوني عند وعدك وكلمتك فكل هذه الأمور تقوي من تقدير ذاتك. اعتني بجسمك.

علاقتك مع نفسك

تشير الجودر إلى أن أهم علاقة في حياة المرء هي علاقته مع نفسه، وللأسف بعض النساء يعتقدن أن حياتهن لن تكون كاملة إلا بوجود شريك. فكل امرأة تعيش فترة ما من حياتها من دون وجود شريك كالفترة التي تسبق الزواج أو عند الطلاق أو وفاة الزوج، وحتى النساء اللائي يعشن حياة زوجية ناجحة يجب أن يسألن أنفسهن: هل أنا، لو لا قدر الله حدث شيء، مستعدة لأن أعيش وحدي؟ المرأة غير المتزوجة لديها قدر من الحرية لاختيار العمل واستثمار المال والسفر وتشكيل صداقات ومن الممكن جدا أن يكون تقديرها لنفسها عاليا إلا انه للأسف نجد بعض النساء يحسسن بالضيق وقد يندبن حظهن في حين اننا يجب أن نؤمن تماما بأن الله يختار لنا الأفضل «وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئا وهو شر لكم وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُم لَا تَعْلَمُون» (216: البقرة) فالخيرة فيما اختاره الله...

وتضيف «قد تعتقد بعض النساء أيضا أن حياتها لن تكتمل إلا بوجود طفل! قد يكون ذلك صحيحا عند الكثير من النساء ولكن ليس الكل... فأنا أعتقد شخصيا أن ذلك أمر قدر لك وقد يكون هذا الأفضل، فالله يقول «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكور. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانا وإِنَاثا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيما» (49 - 50: الشورى)... إذن، هي مشيئة الله ولا اعتراض عليها. واذا كنت فعلا تتوقين إلى طفل ولم يرزقك الله فاعتبري أنه كان عندك طفل وفقدته... احزني عليه فترة ثم عاودي حياتك لكن لا تبقي طوال عمرك آسفة على هذا الوضع فبإمكانك رعاية أحد أطفال أهلك أو كفالة يتيم.

تقدم العمر... حياة أفضل

تذكر أمل الجودر طريق المرأة للتمتع بحياة أفضل فتقول: عليك بالاعتناء بصحتك عن طريق الاهتمام بنوعية غذائك، أكثري من الفاكهة والخضراوات والحبوب وقللي من اللحوم والدهون والسكر والملح. مارسي الرياضة، تحركي، امشي، نطي حبل... تذكري كل الحركات التي كنت تقومين بها وأنت طفلة وتستمتعين بها... فقومي بها...

كما أن الامتناع عن التدخين أفضل شيء تقدمينه إلى نفسك وصحتك وتذكري أن الشيشة أكثر ضررا من السيجارة فالحجر الواحد المستخدم في الشيشة يعادل 42 سيجارة.

تذكري أن انقطاع الدورة الشهرية أمر طبيعي وسنة الحياة... هو ليس مرضا لذلك تقبلي الأمر... أكثري من تناول الكالسيوم، والهرمونات قد تحتاج إليها بعض النساء ولكن ليس كلهن.

وعن تقدم العمر وأثره على نفسية المرأة تقول الجودر: «ارتبط تقدم السن بالفقر والخوف والمرض والوحدة، إذ ربينا بطريقة أن الإنسان يكبر ويمرض و«يخرف» ويموت... لا، يجب ألا نستسلم إلى مثل هذه الأفكار... فمن المؤكد جدا، بل لعلها الحقيقة المطلقة، أننا كلنا سنموت ولن يخلد أحدنا، ولكن هل من الضروري أن نمرض قبل الموت؟ ألا يمكن أن نكون في صحة جيدة طوال عمرنا وأن نتحرك إلى آخر لحظة من حياتنا؟ ما المانع من ذلك؟... تقدم العمر ليس بعجز، بل هو البديل للموت، فإن لم يتقدم عمرنا معناه ببساطة أننا انتقلنا إلى العالم الآخر... لذلك، انظري إلى تقدم العمر نظرة إيجابية.. بأنك ازددت خبرات وتجارب وكبرت مقاما وعلما، لكنك لم تعجزي... احذفي هذه الكلمة من قاموسك... ولا تعتبري تقدم العمر عذرا لتجنب القيام بأي أمر ترغبين في عمله... لا تستمعي إلى أحد يقول لك انك كبرت على هذا، فالأنبياء لم يتسلم أحد منهم الرسالة إلا بعد بلوغ الأربعين... احلمي وضعي أهدافا لك، فالأهداف والأحلام تجعلك صغيرة وتزدادين رغبة في الحياة...

عيشي الحاضر لحد الثمالة وانسي الوقت وكوني سعيدة. مهما يكن عمرك ومهما تكن ظروفك تستطيعين أن تقومي بإجراءات إيجابية لأن «اللّه لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمِ حَتىَّ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم» (11: الرعد) فالله سبحانه وتعالى جعل إرادته بعد إرادة الإنسان وإلا لما حاسبنا فأثاب المحسن وعاقب المسيء وكما يقول سبحانه «مَنْ يُرِد ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِد ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ منها» (145: آل عمران)... إذن نحن مجزون فيما سيحاسبنا الله عليه ومسيرون فيما لن يحاسبنا الله عليه.

وعليك بالإصرار فإن معظم الناس التي تيأس وتقف تكون على بعد خطوة من النجاح وكذلك نحن على بعد فكرة مجرد فكرة من السعادة، ففكري في السعادة ستجدينها إن شاء الله تعالى

العدد 628 - الثلثاء 25 مايو 2004م الموافق 05 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً