تناولت الصحف الغربية المآسي العربية في كل من فلسطين والعراق، وسلطت الضوء على موقف واشنطن من الممارسات الإسرائيلية في رفح، وإذ حملت على سياسة شارون المبنية على الحسابات الخاطئة، انتقدت بشدة مواقف الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي تبنى أوهام شارون حين وافقه على خطته الأحادية، ونفى حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم.
ونشرت الصحف في افتتاحياتها صور الضحايا الفلسطينيين خلال التظاهرة، وأجمعت الصحف الأميركية أيضا على ان قصف الزفاف العراقي وصور جثث المدنيين التي بثتها وسائل الإعلام العربية من شأنها أن تؤجج مشاعر معاداة الأميركيين في العراق. وكتبت «نيويورك تايمز» في افتتاحية تحت عنوان «مستنقع غزة» لاحظت فيها انه في الوقت الذي ينتظر العالم أن يتخذ رئيس شارون خطوته السياسية التالية بعد رفض تكتل ليكود خطته الأحادية للانسحاب من غزة، يبدو ان الجيش الإسرائيلي ينفذ خطة أحادية أخرى لتدمير المناطق الفلسطينية.
وأضافت انه على رغم التنديد العالمي تواصل «إسرائيل» عمليات هدم المنازل في رفح وتشريد مئات الفلسطينيين. وإذ لفتت إلى ان الدولة العبرية تواجه خطرا من حركة «حماس»، أكدت انه من المستحيل أن تكون الحملة في رفح وسيلة لمواجهة هذا الخطر. واعتبرت انه عندما تم تصوير الانسحاب من غزة على انه دليل ضعف من جانب شارون، قرر هذا الأخير أن يبرهن عن قوته من خلال عمليات التدمير والقصف. ورأت في ذلك نموذجا على سياسة شارون المبنية على الحسابات الخاطئة. وأسفت لأن الرئيس بوش، تبنى هذه الأوهام من خلال الموافقة على خطة شارون ونفي حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم.
وفيما يتعلق بقصف العراق على الحدود السورية، لفتت «نيويورك تايمز» إلى انه هجوم مثير للجدل تنفذه القوات الأميركية يوقع 40 قتيلا عراقيا على الأقل، ونشرت «واشنطن بوست» تحت عنوان «هجوم إسرائيلي يقتل عشرة خلال تظاهرة في غزة»، أشارت فيه إلى ان مروحية ودبابة إسرائيلية أطلقتا النيران باتجاه متظاهرين فلسطينيين في جنوب غزة، ما أدى إلى سقوط عشرة قتلى على الأقل من بينهم أطفال. ونقلت عن شهود عيان ان القوات الإسرائيلية لم تعط أي إنذار قبل المباشرة بإطلاق النيران على الحشد. ووصفت حال الهلع التي أصيب بها المتظاهرون ومشهد الأشلاء المتناثرة والأطفال الغارقين في دمائهم. كما نشرت إلى جانب الخبر صورا لشهداء وجرحى فلسطينيين سقطوا خلال التظاهرة.
وفي خبر آخر نشرته «واشنطن بوست» تحت عنوان «عشرات القتلى في هجوم أميركي قرب الحدود مع سورية... والهدف محل جدال»، كتبت ان القوات البرية والجوية هاجمت قرية عراقية قرب الحدود مع سورية، وقتلت أكثر من 42 شخصا، لافتة إلى ان سكان القرية يؤكدون ان القوات الأميركية أطلقت النيران باتجاه حفل زفاف. وأشارت الصحيفة الأميركية إلى ان صور جثث المدنيين التي بثتها وسائل الإعلام العربية من شأنها، أن تؤجج مشاعر معاداة الأميركيين في العراق. لكنها أشارت إلى انه خلال الأشهر الماضية تشن القوات الأميركية حربا سرية في المنطقة الصحراوية القريبة من الحدود السورية والأردنية، في محاولة منها لوضع حد لتسلل المقاتلين الأجانب من سورية لتنفيذ عمليات ضد قواتها.
الغضب من الأميركان
غير ان جيمس بينيت في «نيويورك تايمز» الذي كتب في رسالته من مخيم رفح للاجئين تحت عنوان «نيران القوات الإسرائيلية توقع عشرة قتلى فلسطينيين على الأقل خلال تظاهرة احتجاج»، توصيفا للمجزرة الإسرائيلية، تحدث في سياق الخبر عن محاولة فلسطينيين مجهولين إثر الحادث مباشرة، اختطاف صحافي أميركي قرب مستشفى نجار في غزة، غير ان الشرطة الفلسطينية تدخلت وفر المجهولون في سيارتهم. ورأى المراسل الأميركي ان الغضب الفلسطيني من الأميركيين بدأ يتصاعد منذ ثلاث سنوات بسبب ميل إدارة بوش الدائم نحو الدفاع عن السياسات الإسرائيلية من جهة والحرب على العراق من جهة أخرى. مشيرا إلى ان اختطاف أميركي سيكون ورقة مساومة مهمة في وجه «إسرائيل».
الصحف البريطانية: مجزرة في حفل زفاف
واستحوذت صور الشهداء والجرحى في كل من رفح والعراق على الصفحات الأولى لمعظم الصحف البريطانية. ففي الموضوع العراقي، وإلى جانب صورة لعدد من الضحايا الممددة على الأرض، كان عنوان «ديلي تلغراف» (البريطانية) «طائرة أميركية تقتل أربعين عراقيا في حفل زواج...» لكن الصحيفة أوضحت في تفاصيل الخبر ان تقريرا للجيش الأميركي يؤكد ان ما حدث كان مبررا لأن الطائرة تعرضت لإطلاق نار! أما «الإندبندنت» فكان عنوانها عن القصف الأميركي للعرس العراقي «العراقيون يزعمون ان أربعين عراقيا قتلوا في حفل زفاف بعد أن أطلقت مروحية أميركية نيرانها باتجاه المحتفلين».
من جهتها عنونت «الغارديان»: «مجزرة في حفل زفاف»، مشيرة إلى ان العراقيين يؤكدون ان حوالى 40 عراقيا قتلوا إثر إطلاق نيران من مروحية أميركية باتجاه حفل زفاف. وأكدت الصحيفة البريطانية انه إذا ثبتت صحة التقارير بأن طائرة أميركية هي التي أطلقت الصواريخ باتجاه حفل الزفاف فإن سمعة الولايات المتحدة ستتعرض للمزيد من الضرر. ولفتت «الغارديان» إلى ان هذه المذبحة تذكر بمجزرة أخرى ارتكبتها القوات الأميركية قبل سنتين في أفغانستان، عندما أطلقت النيران باتجاه حفل زفاف ما أدى إلى مقتل 48 أفغانيا وجرح أكثر من مئة آخرين. ونشرت «الغارديان»، إلى جانب الخبر صورة لأسرة أحد ضحايا المجزرة الأميركية في العراق تبكي حول جثمان ابنها. أما في ما يتعلق بمجزرة رفح، فقد نشرت «الإندبندنت» صورة كبيرة على صفحتها الأولى تظهر شابا فلسطينيا يحمل طفلا جريحا. موضحة إلى جانب الصورة ان عشرة فلسطينيين على الأقل قتلوا كما جرح خمسون آخرون عندما قصفت القوات الإسرائيلية مسيرة تضامن بالقرب من رفح في قطاع غزة. أما «ديلي تلغراف» فعنونت «10 قتلى فلسطينيين خلال إطلاق نار إسرائيلي على تظاهرة للأطفال». وفي المقال صورة لرجل يحمل طفله بين يديه صارخا، فيما يبدو وفي خلفية الصورة أشخاص يركضون في كل الاتجاهات. وكان عنوان «الغارديان»: «القوات الإسرائيلية تطلق نيرانها باتجاه تظاهرة سلمية».
وخصصت «الإندبندنت» صفحتها الأولى بالكامل لتغطية التوغل الإسرائيلي في غزة والذي أسفر عن مقتل 19 فلسطينيا (قبل مجزرة التظاهرة). وفي مقال موسع تحت عنوان: «منازل تهدم وأرواح تزهق... التكتيكات الإسرائيلية تشعل الانتفاضة»، عرضت «الإندبندنت»، صورا تظهر ركام المنازل التي تعرضت للهدم في غزة على يد قوات الاحتلال، كما يبدو في الصور فلسطينيون يجلسون في العراء على حافة الطرقات بعدما أطاحت قوات الاحتلال بمنازلهم. وأشارت الصحيفة إلى تقرير منظمة العفو الدولية الذي ينتقد «إسرائيل» انتقادا صارخا ويتهمها بارتكاب جرائم حرب بتدميرها أكثر من 3000 منزل فلسطيني في «إسرائيل» والأراضي المحتلة منذ بدء الانتفاضة قبل ثلاث سنوات ونصف السنة. مشيرة إلى ان التقرير جاء في الوقت المناسب فعلا وخصوصا ان الجيش الإسرائيلي ينفذ عملياته في مخيم رفح للاجئين في غزة متسببا بقتل 19 من الفلسطينيين من بينهم أطفال. وأضافت «الإندبندنت» ان الجيش الإسرائيلي يصر على ان العملية العسكرية في غزة تستهدف أصوليين فلسطينيين يهربون أسلحة عبر الأنفاق من مصر.
والفرنسية: «قوس قزح» دراماتيكي للغاية على الأرض
ولم تغب أنباء المجازر الأميركية والإسرائيلية في كل من العراق وفلسطين عن الصحف الفرنسية، فنشرت «لوموند» خبرا رئيسيا تحت عنوان «الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته الدموية في رفح»، ووصفت الصحيفة ساخرة، العملية العسكرية التي تشنها القوات الإسرائيلية بحبور وفرح، بأنها الأكبر خلال الـ 37 عاما من احتلال قطاع غزة. وبعد أن وصفّت وقائع الجريمة لفتت إلى ان صواريخ المروحية والدبابة الإسرائيلية أثارت الذعر في صفوف المتظاهرين الذين كانوا يحتجون على عمليات تدمير المنازل في حي تل السلطان في رفح. واعتبرت ان آثار هذه العملية العسكرية على الأرض دراماتيكية للغاية، فمستشفيات المخيم مكتظة بالجرحى وبراداته لم تعد تستوعب جثث القتلى ما جعل الناس يضعون الجثث في برادات تجارية خاصة
العدد 628 - الثلثاء 25 مايو 2004م الموافق 05 ربيع الثاني 1425هـ