ربما كان تصريح وزير الخارجية التركي الذي أطلقه الاسبوع الماضي، يمثل أهم مؤشرات التغيير في العلاقات التركية - الاسرائيلية، نظرا إلى ما احتواه، فقد اعلن الوزير التركي عبدالله غول، انه ورئيس الوزراء طيب رجب اردوغان، على رغم تلقيهما الكثير من الدعوات، فانهما لن يزورا «إسرائيل» «التي باتت تشكل خطرا على الأمن والسلام في المنطقة والعالم أجمع».
ويعبر تصريح غول عن اتجاه عام تتبناه الحكومة التركية في علاقاتها مع «إسرائيل»، والتي دخلت مع مجئ حزب العدالة والتنمية الى سدة السلطة التركية قبل عام ونصف العام طورا جديدا، اساسه توجيه مزيد من النقد والمعارضة للسياسة التي تتبعها «اسرائيل» ضد الفلسطينيين وخصوصا عمليات القتل، وقد وصف رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان «اسرائيل» بـ «الدولة الارهابية الخطيرة» في ضوء قيامها باغتيال الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي زعيمي حركة حماس الفلسطينية، واعلن رفض تركيا المطلق لارهاب الدولة والحكومة الاسرائيلية.
وارتبط هذا التحول السياسي في الموقف التركي من «إسرائيل» وسياسة حكومتها بخطوات اجرائية، شملت ميادين سياسية واقتصادية ودبلوماسية، تم اتخاذها في اطار العلاقات بين تركيا و«إسرائيل»، التي كانت شهدت تطورا ملحوظا في منتصف التسعينات عندما وقع الطرفان اتفاقا للتعاون شمل قضايا أمنية وعسكرية ذات اهمية ثنائية واقليمية، أضيفت الى العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية بين الجانبين.
ان الاهم بين الاجراءات التركية الهادفة الى تقييد العلاقات مع «اسرائيل»، كان الاعلان التركي عن تجميد والغاء الاتفاقات العسكرية بما في ذلك اتفاق تحديث الطائرات التركية من طراز «اف 16» و«اف 4» والتي تقوم بها الشركات الإسرائيلية منذ العام 1998، وهي جزء من شبكة اتفاقات تركية مع شركات أجنبية معظمها اسرائيلي هدفها تحديث وتطوير الدبابات وتصنيع المروحيات وطائرات التجسس المتطورة لحساب الجيش التركي.
وثاني الاجراءات المهمة في هذا الاطار، كان إعلان تركيا قرارها خصخصة مشروع نهر ماناوغات الذي تخطط «اسرائيل» لشراء مياهه في اطار التعاون المائي التركي - الاسرائيلي، الامر الذي يعني ان انقرة لن تبيع المياه لـ «إسرائيل»، وهو موضوع سعت «اسرائيل» طويلا من أجل الاتفاق عليه مع تركيا سواء بسبب بعده السياسي، أو لعلاقته بتأمين الاحتياجات المائية المستقبلية لـ «إسرائيل».
والاجراء الثالث والاهم في خطوات الحكومة التركية ازاء «اسرائيل»، رفض رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان استقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون ونائبه ايهود اولمرت، وكذلك رفض كل من اردوغان ووزير خارجيته عبدالله غول زيارة «اسرائيل» ولقاء المسئولين فيها، في إشارات اعتراض واحتجاج على سياسة «اسرائيل» في قتل الفلسطينيين واغتيال قياداتهم.
وتمثل هذه الاجراءات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية بنتائجها جانبا يضاف الى نتائج المواقف السياسية التركية الداعية الى وقف سياسة «اسرائيل» في تبديل سياسة انقرة مع الاخيرة، وقد لمح وزير خارجية تركيا الاسبوع الماضي الى احتمالات ان تعيد انقرة النظر في علاقاتها مع تل أبيب.
وبطبيعة الحال، فان الخطوات التركية ازاء «اسرائيل» وسياساتها تركت ظلالها في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة، سواء لجهة توجيه تركيا انتقاداتها لسياسة واشنطن التي تدعم «اسرائيل» ورئيس حكومتها ارييل شارون، او لجهة قيام اللوبي اليهودي في تركيا والولايات المتحدة بالتحرك للتأثير على مواقف تركيا من «اسرائيل» وتخفيف انتقاداتها لممارسات تل ابيب واقناع الحكومة التركية بعدم اتخاذ المزيد من الخطوات العملية على طريق توتير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع تل ابيب حتى لا يؤدي ذلك إلى أزمة حادة بين الطرفين.
لقد ربط كبار المسئولين الاتراك بين ممارسات «اسرائيل» ومواقف واشنطن الداعمة لها، وجاءت تصريحاتهم لتدين سياسة واشنطن، على نحو ما فعل رئيس البرلمان التركي بولنت ارينج بقوله «ان أميركا أيضا مسئولة عن المجازر التي تقوم بها «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني، لإنه لولا الدعم الأميركي المطلق لما استطاعت تل أبيب أن تقوم بما تقوم به، فيما ذهب رئيس الوزراء اردوغان الى أبعد من ذلك، بالقول بتماثل ممارسات الولايات المتحدة مع ممارسات «اسرائيل» باعتبارها تندرج معا في اطار «ارهاب الدولة» عندما تزامن القصف الاميركي للمدنيين في العراق والقصف الاسرائيلي في رفح الاسبوع الماضي. وأوضح اردوغان «من المستحيل القبول بهذا العمل من زاوية حقوق الانسان والضمير الانساني»، وهذه «العمليات اثبتت مدى خطورة المسار الذي تنتهجه الدولتان في المنطقة».
والخلاصة في تبدلات سياسة تركيا ازاء «اسرائيل»، انها تتخذ سياقا متصاعدا مرتبطا بممارسات وسياسات حكومة شارون ضد الفلسطينيين، وقد تعدت المواقف السياسية الى خطوات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية، باتت تهدد بتجميد وربما قطع العلاقات بين تركيا و«اسرائيل»، بل ان تردي العلاقات الناجم عن سياسات «اسرائيل» بدأ يفرز تأثيراته السلبية على العلاقات التركية - الاميركية نتيجة دعم واشنطن لحكومة شارون وسياساتها
العدد 628 - الثلثاء 25 مايو 2004م الموافق 05 ربيع الثاني 1425هـ