بدأت في اليومين الأخيرين الجولة الثالثة بين أميركا والبحرين من مفاوضات «اتفاق التجارة الحرة» بين البلدين، وهو الاتفاق الذي سينتج عنه خفض التعرفات الجمركية وتسهيل عملية التبادل التجاري ما سيدفع باتجاه تطوير الكفاءة الاقتصادية ويساعد على تحرير الأسواق وتأكيد دور القطاع الخاص من خلال تقليل دور الدولة في الاقتصاد.
ولكن لكي تستفيد البحرين من اتفاق التجارة الحرة فإن القطاع الخاص بحاجة إلى إعادة هيكلة، كما هو بحاجة إلى غرفة تجارة تتصدر التخطيط والتوجيه الاستراتيجي بدلا من الأجهزة الرسمية، ذلك لأن مفهوم التجارة الحرة قائم على أساس تنشيط القطاع الخاص وتقليل دور الدولة. وهذا يعني أننا بحاجة إلى قطاع خاص يختلف عن الموجود حاليّا.
يوجد في البحرين حاليا أكثر من 40 ألف سجل تجاري، و12 ألفا من أصحابها مسجلون في غرفة التجارة أعضاء، بينما لايسدد الاشتراكات إلا قرابة ثلاثة آلاف شركة فقط. وهذا له علاقة بنوعية السجلات التي تمَّ استخراج الآلاف منها بطريقة غير صحيحة تهدف إلى خدمة أفراد يقومون بتأجير تلك السجلات على الآسيويين الذين حوّلوا سوق المنامة القديمة إلى أحياء هندية، واستغلوا هذه السجلات استغلالا غير صحيح، فتجد صاحب سجل تجاري مخصص لبيع المجوهرات يبيع الأحذية ولعب الأطفال. هذه الشركات الفردية والوهمية تضر القطاع الخاص وهي كالطفيليات التي تمص دم الإنسان وتنقل إليه الأمراض الفتاكة بينما تنتعش هي على حساب موته أو تدهور صحته. وما نشاهده هو انتعاش للسجلات التجارية الطفيلية التي تنتعش كلما تدهور حال القطاع الخاص.
النوع النشط في القطاع الخاص هو الشركات العائلية، وهذا أمر ليس سيئا ولكنه لا يواكب متطلبات العصر الحالي. فالقطاع الخاص لا ينتعش لأن هناك عدة عوائل تسيطر على شركاته، وانما ينتعش عندما تنشط حركة تداول الأسهم، والأسهم يجب أن يملكها أكبر عدد من الناس. وأي قطاع خاص لن يكون نشطا إلا اذا نشطت البورصة. ولذلك فإن أسهم البورصة التي تنشر في الدول المتطورة تملأ الصفحات، بينما لدينا لا تتعدى قائمة الشركات في البورصة جدولا صغيرا لا تتحرك مؤشراته كثيرا ولا يتواصل أكثر المواطنين معه لأن أكثريتهم لا يعلمون عن شراء وبيع الأسهم شيئا.
في مطلع ثمانينات القرن الماضي غيرت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر اقتصاد بريطانيا، وكان من بين ما فعلت هو تخصيص الشركات العامة الكبرى وبيع أسهمها على أكبر عدد من الناس. وقد ضربت قاعدة حزب العمال «الاشتراكي» عندما تحول كثير من الناس إلى تداول الأسهم فيما أطلق عليه حينها بـ «الرأسمالية الشعبية». ولكن حركة الأسهم هي التي أعادت الاقتصاد البريطاني إلى موقع الصدارة بعد أن كان يتجه نحو الحضيض قبيل تسلم ثاتشر رئاسة الوزراء.
في البحرين، نجد أن القطاع الخاص خائف من الدولة وينتظر رحمة القرار الرسمي ويخشى المنافسة غير الشفافة، وتسيطر عليه الشركات العائلية من جانب، بينما تمص دمه الشركات الفردية والوهمية من جانب آخر.
وهذا يفسر سبب إحجام رأس المال البحريني من استثمار ثرواته الضخمة جدا (مقارنة بحجم اقتصاد البلاد) في الأسواق المحلية وجنوح التجار نحو تخزين المال اما في الحسابات المصرفية خارج البحرين أو دفنها بشراء المزيد من العقارات. ولكن هذا لن يفيد البحرين ولن يفيد التجار أنفسهم، وعندما يوقع الاتفاق ربما يكون المستفيد بعض الشركات الآسيوية التي ستستفيد من أصحاب السجلات الفردية والوهمية باتخاذ البحرين منطلقا للوصول إلى السوق الأميركية. فهل يتحرك القطاع الخاص ويعيد هيكلة نفسه ويصلح ذاته قبل فوات الأوان؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 628 - الثلثاء 25 مايو 2004م الموافق 05 ربيع الثاني 1425هـ