«أشعر وكأنني محبوسة في قفص... أنا بائسة وتعيسة جدا... إنه يثير غضبي دائما... حتى الطريقة التي يدندن بها أثناء الحلاقة تجعلني أشعر بالرغبة في الصراخ... لا أدري لماذا تزوجته وما الذي أعجبني فيه طوال هذه السنين». هذا ما قالته لي المرأة الشابة الجالسة أمامي وقد امتلأ وجهها بالدموع وعلامات الإرهاق بادية عليها بوضوح. لقد مر أحد عشر عاما على زواجها إذ تزوجت بالرجل الذي أحبته منذ أن كانت في الثامنة عشرة ولديها الآن بنتان ثمرة هذا الزواج كما أن أحوال أسرتها المادية مستقرة وصحتهم جيدة. يبدو كل شيء على ما يرام في حياتها إلا أنها تفتقد إلى شيء واحد في حياتها الزوجية وهو السعادة.
إن قصة هذه الشابة تختزل الكثير من القصص الأخرى المماثلة لنساء تعيسات يحكين عن معاناتهن في عيادات الاستشارات النفسية نتيجة الاختيار المتسرع وغير الحكيم لأزواجهن. إن قرار هذه الشابة بالزواج جاء في سن مبكرة جدا، في فترة كانت فيها خائفة من الحياة وغير واثقة تماما من موقعها في عملها وعلاقاتها الاجتماعية. لقد زعم والداها المحافظان رغبة منهما في حمايتها بأنها ستقتدي بوالدتها وتتزوج مبكرا لتنجب الأولاد وتصبح ربة بيت ناجحة تعتني بزوجها وأولادها.
وفجأة بدأ أحد زملائها الذين عرفتهم لسنوات بالتودد اليها. إذ أشعرها هذا الشخص بالأمان وكانت تفرح عند مرافقته وتستمتع بسلب اهتمامه كما أن والديها أعجبا به لطيبته. وسرعان ما تبخرت جميع شكوكها وقلقها. لقد قررت الزواج به لأن هذا الزواج باعتقادها سيشعرها بالأمان ويجعلها تعيش سعيدة إلى الأبد.
ولكن الوجه الماثل أمامي والمليء بالدموع أوحى لي بأن هذا الزواج لم ينجح كما خطط له. سألتها عن شعورها تجاه زوجها في بداية زواجهما وأجابتني بأنها كانت ساذجة إلى درجة أنها لم تتردد كثيرا في اتخاذ خطوة الزواج. لقد راودتها بعض الشكوك والمخاوف مما قد يترتب على زواجها في هذه السن المبكرة في البداية إلا أنها سرعان ما أبعدتها عنها لأنها كانت تكره الشعور بالشك وعدم الثقة ولطالما تاقت الى شخص يبعد عنها شبح القلق والوحدة.
وتعتبر حكاية بلوبيرد الشهيرة مثالا جيدا يوضح المأزق الذي وقعت فيه هذه الشابة. وتدور حوادث القصة حول فتاة شابة ساذجة وغير ناضجة تتسرع في الزواج برجل لا تحبه لتكتشف لاحقا بأنه قاتل، إلا أنها تنجح في التغلب عليه في النهاية بعدما تستدعي إخوتها لمساعدتها. المغزى من هذه القصة هو أن النساء قد يقتلن أنفسهن ويقضين على مستقبلهن بأيديهن عن طريق اتخاذهن القرار الخاطئ وتسرعهن في الزواج لمجرد الخوف من الحياة والرغبة في الحصول على الأمان.
ويعتبر فيلم «بيانو» لجاين كامبيون تفسيرا جيدا لهذه الحكاية وتدور حوادثه حول شابة صغيرة (تلعب دورها الممثلة هولي هنتر) تشعر بالتعاسة في حياتها الزوجية المملة التي تعتبرها كالسجن ولكنها تتمكن من التحرر من قيودها في النهاية وتنطلق إلى الحياة من جديد بكل ثقة وعزم.
في حكاية «بلوبيرد» الأصلية تتحرر المرأة الشابة من سجن زوجها بمساعدة اخوتها وإذا ما تعمقنا في معنى الحكاية نجد العبرة واضحة وهي أنه يتوجب على المرء التغلب على جميع المشكلات التي تواجهه في الحياة بتحشيد جميع إمكاناته. وبالنسبة إلى هذه الشابة يجب عليها أولا وأخيرا الإقلاع عن عادة إلقاء اللوم على المؤثرات الخارجية لمشكلتها الداخلية فمهما كانت العقبات التي تعترض طريق زواجها فإنها تحتاج إلى تحمل مسئولية قرارها ومواجهة مشكلاتها بحزم.
إن لجوءها للزواج للهروب من الشكوك والقلق الذي يساورها في حياتها يعني أنها اكتسبت عادة الاعتماد على زوجها ليجعلها سعيدة وبالتالي إلقاء اللوم عليه عندما لم يحقق لها السعادة المنشودة. إنها بحاجة ماسة إلى التعامل مع الحياة بايجابية أكثر والابتعاد عما يسبب لها القلق ويثير أعصابها والسعي نحو تحسين حياتها الأسرية.
ان معظم القرارات الكبرى التي نتخذها في حياتنا تأتي في مرحلة مبكرة نكون فيها بعيدين عن النضج العاطفي. هناك الكثير من الشابات اللاتي يقبلن على الزواج باعتباره دواء شافيا من جميع الأمراض.
ويشير الكاتب والطبيب النفساني أدولف كريغ في كتابه Marriage إلى أن الأسطورة التي تقول إن الزواج يعتبر أمرا هينا وسيجعلك سعيدا في حياتك هي أسطورة شائعة بين الشباب الذين يشعرون بالخوف وعدم الثقة في أنفسهم. ويؤكد كريغ أنه إذا ما فهم الناس حقا بأن العلاقات الطويلة المدى تحتاج إلى صبر وتروي فإنهم لن يقدموا على الزواج بكل سذاجة ولما تكررت قصة «بلوبيرد» في حياة الكثيرات من النساء وكأنه دواء للشفاء من جميع الأمراض
العدد 627 - الإثنين 24 مايو 2004م الموافق 04 ربيع الثاني 1425هـ