لما كنا صغارا كان حلم القومية العربية يجري في دمائنا وكنا نغني «أمجاد يا عرب أمجاد»، كان حلما فقط ليس أكثر. وكانت هناك عقول كبيرة تغسل أدمغتنا الصغيرة، وتعلمنا الكلام الفاضي الذي ليس له معنى الآن، مثل «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر»... والآن لما كبرنا وتعلمنا وتثقفنا اتضح لنا أن المعنى كان «أحقاد يا عرب أحقاد» وليس «أمجاد»، وأن الدول العربية تمتد من المحيط «الخاثر» إلى الخليج «الفاتر»... الأمجاد كانت فقط أيام صلاح الدين الأيوبي وعمر بن الخطاب والمعتصم بالله العباسي، أما قبل وفي ما بين وبعد ذلك فكلها أحقاد وتفكك... فالدول العربية إما ضعيفة ترزح تحت الاستعمار بأنواعه، وإما قوية ومتفرقة وتحارب بعضها بعضا، مرة باسم الدين وأخرى من أجل النساء والسبايا. وفي عصرنا هذا من أجل النفط... هذا إذا كانت قوية وهو نادر، أما في غالبية الأحوال فهي دول ضعيفة ومستعمرة بواسطة الدول القوية.
لقد كان الاستعمار التركي يرزح على قلوبنا وباسم الدين مئات السنين حتى كرهنا الدين من قساوتهم، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية استولت بريطانيا على معظم الدول العربية والباقي تركته فتاتا لصديقتها فرنسا، وأنشئت جامعة الدول العربية العام 1945 وبمباركة بريطانية، وكان العرب يسمون البريطاني «صاحب» لأنه خلصهم من الاستعمار التركي، ولكن بعد قيام دولة «إسرائيل» على فلسطين العام 1948 وبمباركة المستعمر البريطاني تحول هذا الـ «صاحب» إلى عدو في نظر الكثير من الجماهير العربية، فاستغلت الدولة الاستعمارية الجديدة على الساحة الدولية، وهي الولايات المتحدة الأميركية... استغلت هذا الوضع الحماسي والمتأجج ضد الاستعمار البريطاني، وأرسلت مخابراتها وعملاءها إلى الدول العربية الكبيرة، وحرّكت الكراهية في القوات المسلحة ضد الملوك، وفي بداية الخمسينات قامت أولى الثورات وتلتها ثورات، وهي كلها ضد الملوك العرب وبواسطة جيوشها وبمباركة أميركية، حتى انها حمت الثورة المصرية أثناء العدوان الثلاثي العام 1956، وابتدأت أميركا تؤجج وتحرك الشارع العربي ضد الاستعمار الإنجليزي حتى تمكن من أخذ مكانه... ونحن الشعوب اعتقدناها قومية عربية، وهذه القومية هي التي من المفروض أن ترث جامعة الدول العربية وهي التي ستقويها.
ابتدأنا نغني «بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغداد، ومن نجد إلى يمن، إلى مصر فتطوان»، وتطوان هي آخر مدينة عربية تقع على البحر الأبيض المتوسط... لقد كنا نغني فقط ولكن غيرنا هو الذي كان يحسب ويخطط. وهذه هي عادتنا، دائما نغني ونرقص ونقول: كنا وكنا وكان تاريخنا كذا... أي تاريخ هذا الذي جعلنا نصل إلى هذا المستوى؟ والله أسف... لقد وصلنا إلى يوم فقدنا فيه الهوية العربية، ونخاف أن نصل إلى يوم نفقد فيه الهوية الدينية... وصلنا إلى يوم نرى فيه مؤتمرا لقمة عربية مهزلة بكل المعاني... قمة عربية لا يوجد فيها بروتوكول ولا نيات صافية ولا قلوب بيضاء ولا انتماءات عربية أو إسلامية... ولا توجه حول حق الشعوب العربية... ناس تدخن وتنفث الدخان في وجه ناس من دون احترام أو تقدير للأوضاع الصعبة التي تعيشها الأمم العربية... قمة عربية بقرارات مضحكة لا تلزم أحدا أصلا بتنفيذها ولا تعني أحدا... كلها قرارات وهمية ومطالبات خجولة لا تصل إلى مستوى طلب السائق الهندي في منزل أي موظف في دول الخليج.
والله هذا أمر مخجل... قرارات مؤتمر القمة ومطالباتها... الآن هذه القرارات، من هو الملزم بتنفيذها؟ ومتى؟ وما هو التاريخ النهائي للتنفيذ؟ وإذا لم يتم التنفيذ ما الإجراء؟ وما العقاب؟ الحرب أم الرقص وسماع الأغاني، أم اللطم والتباكي على تاريخنا؟... أعتقد أن أحسن حل لهم هو التباكي على التاريخ أيام أنْ كُنا وكُنا... أيام خوفو وخفرع، عندما جعلوا اليهود عبيدا لهم، وأيام الزباء التي هزمت الروم، أما الآن فنحن قلبنا التاريخ، ونحن نغني ونرقص ونقول:
التاريخ وع وع
خوفو صطر خفرع
والزباء مخطوبه
يا عرب نومه
وأحلى نومه... ولا فيه صحيان ولا فيه وجع راس
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 627 - الإثنين 24 مايو 2004م الموافق 04 ربيع الثاني 1425هـ