تحدث السيدمحمدحسين فضل الله عن الوحش الصهيوني الذي يفترس «رفح»، بأطفالها ونسائها وشيوخها وكل مدنييها، ويهدم بيوتها، ويجرف مزارعها، في مجازر وحشية أثارت العالم وأحرجت أميركا فامتنعت عن التصويت في مجلس الأمن في قرار إدانة «إسرائيل» على مجازرها، بعد أن أدخلت عليه فقرة محاكمة «الإرهابيين من الفلسطينيين» كما تقول وتقصد المجاهدين ضد الاحتلال، لأن أميركا ليست مع المدافعين عن الحرية بل مع المحتلين... ولكن «إسرائيل» بالدعم الأميركي المطلق، ومع العجز الدولي والعربي المطلق لا تحترم كل قرارات الأمم المتحدة، تحت حجة «الدفاع عن النفس»، في تحدٍّ صارخ للعالم كله.
وقال السيدفضل الله: يقف الرئيس الأميركي في المؤتمر اليهودي الأميركي ليعبّر عن صداقته ودعمه لـ «إسرائيل»، واعتبارها أساسا لأمن أميركا، ولأن أمتنا أكثر قوة وأمنا، لأن «إسرائيل» حليفة قوية ويمكن الاعتماد عليها»، ما يؤكد الارتباط العضوي بينهما بالدرجة التي تتوافق فيها المصالح الاستراتيجية من دون أيّ تمايز أو اختلاف، إذ إن كل ما تقوم به «إسرائيل» في فلسطين من مجازر يتفق مع الأمن السياسي الأميركي، وكل ما تقوم به أميركا في العراق من خطوات احتلالية ومشروعات أمنية واقتصادية ينسجم مع مصالح «إسرائيل»، لأنهما يعملان معا، ويخططان معا.
وبذلك، أصبحت «إسرائيل» على حدود إيران ودول الخليج، وفي الجانب الآخر من حدود سورية، من خلال الاحتلال الأميركي للعراق، وبذلك انطلق الحلف الأمني الاستخباري بين «الموساد» والـ «سي. اي. ايه» في خطواتهما التخريبية من تفجير واغتيال وقصف، لاستكمال السيطرة على المقدّرات العراقية وما حولها، الأمر الذي جعل «إسرائيل» اليد الطويلة لأميركا في تحقيق المشروعات المشتركة ضد العالم العربي والإسلامي، في عملية ضغط سياسي وأمني أسقط القمة العربية في تونس بالتأجيل، وحدد لها مسارها في قراراتها البيانية الاستهلاكية في انعقادها الجديد على مستوى ضعيف، في غياب أكثر المسئولين العرب، ليصبح العالم العربي كله مجرد لعبة شطرنج إسرائيلية أميركية في خطة مشروع الشرق الأوسط الكبير.
إنه الخطر الأميركي الذي يهدد المستقبل العربي بكل مواقعه السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، فلا تعود التسوية التي طرحتها القمم العربية هي المشروع، بل المشروع هو إعادة هيكلة الشرق الأوسط على صورة المصالح الأميركية الإسرائيلية.
وأضاف فضل الله: «في الجانب الآخر من الصورة، يتمثل الوحش الأميركي في مجزرة قرية القائم في العراق، التي حُصد فيها 45 شخصا من الأطفال والنساء والشيوخ في حفل زفاف، على أساس معلومات استخبارية تماما كما هي الحرب المجنونة المدمِّرة على العراق، والتي شُنّت بناء على معلومات استخبارية خاطئة للـ «سي. اي. ايه»، كما هو اعتراف وزير خارجية أميركا. والسؤال الكبير عن هذا الخطأ الذي تتحمّله المخابرات المركزية الأميركية في حروب أميركا ومجازرها: من يتحمّل مسئولياته الإنسانية والاقتصادية والأمنية؟ إن أميركا في قانون الجريمة والعقاب لا تسمح للعالم كله أن يحاكمها أو يحاكم جنودها على كل جرائم الحرب، لأنها تعتقد أنها و«إسرائيل» فوق القانون، فهما بنظرها الدولتان اللتان تحاكمان الآخرين ولا يحاكمهما أحد»!
ثم قال: «في جانب آخر نجد انتهاك أميركا لحرمة المدينتين المقدّستين، النجف وكربلاء، ومجازرها ضد المدنيين فيهما، وإثارة الجدل حول المدافعين عنهما الى مستوى الفتنة التي تريد إثارتها بين أبناء الصف الواحد، في استغراق في الخصوصية المحلية بعيدا عن الجريمة الكبرى في احتلال العراق كله، وفي حديث مثير عن المساواة بين السلاح الشعبي وسلاح الاحتلال. إننا في موقفنا هذا ومن موقعنا الشرعي ندعو العالم الإسلامي، وخصوصا الشعب العراقي والمرجعيات الإسلامية، الى الوقوف بقوة ضد الاحتلال كله، ولاسيما احتلال المدينتين المقدّستين، لأن تدنيس الأرض يمثل انتهاكا لحرمة الإسلام كله والمسلمين كلهم، ليفهم الاحتلال أن الشعب العراقي والعالم الإسلامي لا يخضع لهذه الإساءة المجرمة الوقحة، ونؤكد من جديد للجميع أن يعضوا على الجروح الداخلية من أجل الجرح الخارجي النازف وهو الاحتلال، لئلا يقعوا في محرقة الفتنة العمياء».
لقد قال أحد المحللين في البنتاغون: «إن أميركا تستطيع أن تصنع ثلاثة حروب مثل حرب العراق في سنة واحدة، ولكنها لا تستطيع صنع احتلال واحد»، وقال رئيس أركان القوات الأميركية المشتركة: «إنه لا مجال لأن نخسر عسكريا في العراق، كما لا مجال لأن نربح عسكريا»... لقد قتل المحتلون من العراقيين منذ بداية الحرب أكثر من اثني عشر ألف شخص، وغالبيتهم من المدنيين، بينما قُتل منهم ما يقارب التسعمئة، وستبقى المجازر بهدف استمرار أميركا في العراق لخدمة مصالحها الاستراتيجية، وستبقى المقاومة للمحتل، وسيبقى المصطادون في الماء العكر من المجرمين الذين يقتلون الأبرياء لحسابات مذهبية أو فئوية... وليساعد الله العراق على هذا البلاء المبين، ولكن لابد لهذا الليل من آخر، ولابد للشعب أن يؤكد إرادته للحرية والحياة».
أما في لبنان، فلايزال الشعب يعاني من الأوضاع المعقّدة، ومن الملهاة في الجدل الرئاسي بين موقع وآخر، والصراع الحزبي بين فريق وآخر في إحصاءات للأصوات لهذا الجانب أو ذاك، على طريقة «ألهاكم التكاثر»، في استعراض للقوة العددية والامتداد السياسي، وإنتاج للعصبيات العائلية، واستثارة للأحقاد التاريخية، وخلط للأوراق في تناقضات المبادئ التي تغيب فيها الحدود بين الخطوط الحمراء لدى هذا وذاك، في لقاءات الإيمان والإلحاد، والعمالة والحرية، والخيانة والإخلاص، والشخصانية والطائفية والوطنية.
وختم فضل الله بقوله: «إننا نقول للناس كلهم: إن الله تعالى منحكم وطنا جميلا فلا تقبّحوه، وشعبا واعدا فلا تسقطوه، وجيلا مثقفا فلا تجهّلوه، وقيما أخلاقية فلا تذهبوا بها... كونوا مع الصادقين لا الكاذبين، ومع الأمناء لا الخائنين، ومع البرامج لا الأشخاص، ومع الوطن لا الدوائر الضيّقة... ارتفعوا الى مستوى المستقبل ولا تغرقوا في زنازين الحاضر، وتحمّلوا المسئولية أمام الله وأمام الناس وأمام التاريخ، فإن الصوت مسئولية لا لعبة، وإن الله سيسألكم عن النتائج التي شاركتم في صنعها، جماعات وأفرادا، فاعرفوا كيف تواجهون الموقف أمامه، «يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها» (النحل: 111)، «يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئا والأمر يومئذ لله» (الانفطار: 19)
إقرأ أيضا لـ "السيد عبدالله الغريفي"العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ