بينما كنت أشاهد التلفزيون في إحدى دولنا الخليجية تفاجأت بخبر أن هناك اشتباكا حدث بين متظاهرين بحرينيين وقوات الأمن. سارعت بالبحث عن قناة «الجزيرة»، فكانت تعرض الحدث، فهالني ما رأيته، فقلت: إن الأمر ليس طبيعيا والله يستر هذه المرة، وخصوصا أن المسيرة يتقدمها العلماء الأفاضل وهم صمام أمان للمسيرة. طبعا هناك دروس يجب أن نستفيد منها وهي تتكرر باستمرار، هي دروس وعبر؛ فلا يمكن لأي منصف إلا أن يقدر موقفا جريئا وشجاعا كالذي حدث بعد الأزمة التي وُئدت في قبرها.
موقف «جمعية الوفاق» كان وطنيا بكل المقاييس ويدلل على حرصها على التهدئة وميلها نحو تأمين الجو وفتح باب الوفاق والتوافق نحو ترسيخ الديمقراطية، كان بإمكانها استغلال هذا الحادث سياسيا، لكنها عملت كل ما في وسعها لتهدئة الأمور وإخماد نار الفتنة غير المبررة. وللمرة العاشرة تثبت «الوفاق» حرصها على الإمساك بالمصلحة الوطنية وأن الخيار الأمني خيار لا يمكن التفريط فيه، لأن الجميع مهما تناقضوا في أفكارهم فلا يمكن أن يعيشوا بلا أمان، ونعمة الأمن يجب عدم التفريط فيها. أما بالنسبة إلى موقف العلماء فهو موقف لا يمكن المزايدة عليه فوصايا العلماء وخصوصا الشيخ عيسى قاسم دائما ما تركز على الحفاظ على الأمن والوطن، وعلى رغم قساوة ما حدث وخطورة دلالاته السياسية والأمنية فإن العلماء استطاعوا أن يستوعبوا الغضب وردة الفعل... لذلك ينبغي أن نثمن لـ «الوفاق» والعلماء والجمهور هذا الموقف الوطني وهو يعكس صورة حضارية، إذ إن هناك أصواتا كثيرة في المجتمع البحريني بل حتى في السلطة حسمت أمرها منذ أمد بألا رجوع للمربع الأول مهما كانت الظروف وأن أمن المملكة وأمن المواطنين هو أمن الجميع. في المقابل ثمة أمر غريب: كيف حدث ما حدث؟ ولماذا حدث؟
جلالة الملك استطاع أن ينقذ الموقف وينتزع فتيل الأزمة بالتغيير الوزاري؛ فالذي حدث له دلالات ومعانٍ كبيرة، ويعكس صورة بدأت تترسخ: ألا عودة للوراء، وهي إضاءة يجب تثمينها وعدم تفسيرها تفسيرا يرتهن إلى تلك المسبقات الذهنية والأحكام القطعية التي نعيش بعضها. ولعلها تكون خطوة ضمن خطوات تفتح للجميع مناخات جديدة للحوار من أجل الوطن. وعندما يحكم المنطق الأشياء ويتقدم صفوف المعارضة والسلطة المتوازنون في الرؤى ويغلب منطق الحكمة... في الشعار، والمشروع، والخطاب، والأداء، لاشك أن ذلك سينعكس على الواقع وسيصب في مصلحة الجميع.
وزير الداخلية الجديد تقلد الوزارة وأمامه مشروع إصلاحي جديد، وهو محل تطلع وآمال. لهذا نتمنى أن يوفق في هذه الوزارة بحفظ الأمن والمكتسبات وأن يضخ دماء جديدة في الوزارة، فكثير من المناصب تحتاج إلى دماء جديدة وتدوير، بل إن البعض منها وصل إلى مرحلة التقاعد. فالوزير أمام استحقاقات كبيرة منها بحرنة «الداخلية»، فكما دخل الإصلاح وزارة العدل كذلك بالإمكان دخوله إلى وزارة الداخلية ونتمنى على الوزير الجديد أن يفك عقدة عدم السماح للطائفة الشيعية بتقلد مناصب عليا وأن يتم تبديل الوضع بالنسبة إلى شرطة الأمن فالكثير منهم من الجاليات الآسيوية، وحتى في المطافئ والمطار وحراسة الوزارات، وقد مرت ثلاثة أعوام على توظيف البحرينيين حراسا في بعض هذه الأماكن ولم نسمع أي موقف سلبي وهذا يدل على أن البحرينيين أولى بذلك. البطالة تتكدس ويمكن استيعابها في «القوة» و«الداخلية» وغيرهما.
في المقابل على بعض إخواننا تخفيف بعض المظاهر المبالغ فيها والتي قد تفهم عكسيا وتكون على حساب الجميع، حتى يتسنى لنا القضاء على كل الذرائع التي تتخذ لعدم تحريك هذا الملف.
هذا العام بدأت جمعية حقوق الإنسان بالدخول إلى وزارة الداخلية بطرح ثقافة حقوقية، وفي هذا العام تم الحكم لصالح قضية الشهيد محمد جمعة، وهذا العام تم تعيين وزير جديد للداخلية... هذه خطوات جيدة يجب تشجيعها ويجب حسابها لقراءة وتقييم الواقع بإنصاف، وما نأمله هو أن يتم إعطاء البرلمان صلاحيات أكبر ليدفع المشروع الإصلاحي المعارضة إلى الدخول في البرلمان العام 2006 ليشارك الجميع وينتصر الوطن
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ