لم تمر على البحرين والقطاع الإعلامي لحظة عصيبة بعد سقوط طائرة طيران الخليج مثلما مرت ليلة السبت الماضية!
كثيرون كان عليهم أن يخلعوا ملابسهم، ويغيّروا جلودهم، ويركبوا قطار آخر الليل، لكي لا يتكشف الصباح عن فضيحة من العيار الثقيل.
كان أحدهم انتهى مع غروب يوم الجمعة من كتابة افتتاحيته «الفاضلة»، هاجم فيها «المخربين والمندسين، الذين يحاولون أن يحوّلوا أيامنا السعيدة إلى أيام حزن وسواد». وكان الكاتب الثاني شرع ينظّر في تأثير المسيرات - بما فيها السلمية - على الاقتصاد الوطني، وتنفير المستثمرين الأجانب من الإقبال على الاستثمار في البحرين، وما يعنيه من استمرار معدلات البطالة المرتفعة بين شباب الوطن. و«الغضنفر» الثالث بدأ بمهاجمة الجهات الداعية إلى المسيرات التي تمسّ الوحدة الوطنية وتزلزل الاستقرار. أما العبقري الرابع فكتب مطالبا بحلّ الجمعيات المنشغلة بالسياسة، ونوّه بحكمة رجال الأمن «الذين ضبطوا أعصابهم كثيرا حتى استفزهم المندسون فأجبروهم على استخدام مسيلات الدموع». وانتهى في مقاله إلى النظرية الثالثة التي يجب أن تحكم العالم كله: «ضرورة الضرب بيدٍ من حديد على يد كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن واستقرار البلاد». الفطحل الخامس والأخير ذهب في كتابة عموده المنبعج إلى ان البلاد كانت تعيش في بحبوحة من الرخاء والرفاهية طوال العقود السابقة، ولكن فتح المجال أمام مراهقي السياسة أضرّ بالبلاد والعباد، ومن فوق خازوقه، طالب «بعودة قانون أمن الدولة حتى يعود الأمن والأمان».
ما حدث هو أن مفاجأة التغيير الوزاري جاءت في وقت متأخر من الليل، بعد الساعة الحادية عشرة، كان الأول قد خرج في سهرة بأحد الفنادق، فتلقى مكالمة عاجلة بضرورة الحضور إلى «الجريدة» لاستدراك الأمر، فاضطر إلى التضحية بالسهرة مع «الربع» والسهر حتى ما بعد منتصف الليل.
الثاني كان محظوظا أكثر لأنه كان يحتفظ بنسخة من مقاله اللوذعي البليغ على الجهاز، فأجرى التعديلات العاجلة والمطلوبة وبعث بنسخة «منقحة ومزيدة» لعمل اللازم!
الغضنفر الثالث لم يسمع بالتغيير الوزاري، ولمّا تلقى مكالمة من المصحّح اللغوي يقول له ان ما كتبه اليوم سيشكل مخالفة واضحة للطرح الرسمي، قال مستغربا وهو يصطنع الغضب: «انا لم أخالف الطرح الرسمي منذ ثلاثين عاما، وحضرتك تقول ان ما كتبته مخالف للحكومة!؟». فقال له الطرف الآخر على الخط: اسمع يا بيه بنفسك: «إن حق التعبير عن الغضب والاحتجاج على ما يقع من ظلم وتجاوز على اخواننا في الدين والعروبة، وعلى انتهاك حرمات العتبات الدينية، وما حدث في سجون العراق، حق مشروع للمواطن». يقول الراوي إن الكاتب توقف عن الكلام لبرهة من الزمان، حتى ظن من اتصل به انه أصيب بسكتة في الدماغ!
اما العبقري الرابع، أبو عيون عسلية، فقال لجريدته: «فقط أضيفوا حرف نفي أو نهي إلى كل كلمة في المقال بحيث ينعكس المعنى لينسجم مع التطورات الجديدة، لأن كل ما كنا معتادين كتابته لابد أن نقلبه الآن إلى العكس». فما كان من المصحّح الغلبان إلا ان خرج بالعبارات الآتية: «لا أطالب بحل الجمعيات المنشغلة بالسياسة، ولا أنوّه بحكمة رجال الأمن الذين لم يضبطوا أعصابهم كثيرا حين لم يستفزهم المندسون ولم يجبروهم على استخدام مسيلات الدموع»! وانتهى المقال في ثوبه «الجديد» إلى «عدم ضرورة الضرب بيدٍ من حديد على يد كل من لا تسوّل له نفسه العبث بأمن واستقرار البلاد»!
الكاتب النحرير صاحب الطلعة البهية، ولأن ما كان يكتبه طوال ثلاثين سنة لم يتغير فيه حرف واحد، لم تفلح معه طريقة زميله بإدخال حروف النفي والنهي، ولأن الوقت كان متأخرا عن الذهاب إلى مبنى الجريدة في ذلك الوقت المتأخر، لذلك ردّ على المتصل من طرف الجريدة مغاضبا: «اسمعوا... مادام ما فيه فايدة، ولا فيه مجال للخروج من الورطة، ابحثوا عن صورة كبيرة لإحدى الممثلات الجميلات الشقراوات، وخصوصا إذا كانت مكشوفة الصدر، وضعوها مكان مقالي سدا للذرائع ودفعا للفضائح، ودعونا ننام»!!
وفعلا خرجت جريدته بصورة للممثلة الاسترالية الجميلة نيكول كيدمان معتمرة قبعة مزركشة بألوان ريش الحمام! وهكذا يا سادة يا كرام، مرّت ورطة ليلة السبت على أباطرة الإعلام... تصبحون على خير
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ