العدد 625 - السبت 22 مايو 2004م الموافق 02 ربيع الثاني 1425هـ

الجلبي... والاحتلال الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما حصل بين رئيس المؤتمر الوطني عضو مجلس الحكم العراقي الانتقالي أحمد الجلبي وقوات الاحتلال الأميركي يستدعي التفكير. فالجلبي يعتبر من أشد أنصار الولايات المتحدة تطرفا وأقام علاقات خاصة ومميزة مع أجهزتها الأمنية الاستخبارية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وأسهم في صوغ نظرية «إن أميركا هي القوة الوحيدة القادرة على اقتلاع نظام صدام». فالجلبي من شدة تطرفه في التعاون مع الأجهزة الأميركية ومراهنته على القوة الأميركية للتغيير «من الخارج» أطاح بكل القيم والاعتبارات ظنّا منه أن مثل هذا السلوك يفتح له طريق الوصول إلى القمة.

هذا النهج المتطرف ساعد في تضخيم الأوهام في سياسة الجلبي إلى حد اعتقد أنه يمتلك قدرات خاصة تجعله في موقع التأثير على الاستراتيجية الأميركية. ووصلت قناعته بنفسه إلى حد نسي أنه مجرد وسيلة من الوسائل وليس هدفا برأسه. فالجلبي في لحظة افتخاره بنفسه ظن أنه يقود السياسة الأميركية، وأنه نجح في إقناع واشنطن بوجهة نظره، وأنه استدرج القوة الأميركية إلى خطة اسقاط النظام الصدامي في بغداد.

تضخم الذات جعل الجلبي يتوهم بأنه استخدم القوات الأميركية لاحتلال العراق واسقاط صدام، وانه الآن بات في وضع يسمح له بمطالبة واشنطن بالانسحاب «مشكورة» كما يقول بعد أن أسدت إليه خدمة يتمناها الشعب العراقي كله.

هكذا وبكل بساطة يقدم الآن الجلبي أسباب علاقته بالولايات المتحدة وانتهاء باختلافه معها. فهو كما يقول إنه اتفق مع «البنتاغون» على الشطر الأول (الاحتلال واسقاط صدام) بينما اختلف معها على الشطر الثاني (السيادة وملف النفط) وبالتالي على ضرورة الانسحاب وترك العراق لأهله يقررون مصيرهم باستقلال عن الولايات المتحدة.

بهذه البساطة يقرأ الجلبي أسباب احتلال أميركا للعراق وبالبساطة نفسها يقرأ ظروف خلافه مع الإدارة الأميركية. هذا النوع من التفكير يعتبر كارثة وخصوصا من جهة أطراف «المعارضة المتأمركة» التي تراهن على الأساطيل لإحداث عملية التغيير اعتمادا على قوة الخارج.

هذا التفكير ساذج من أساسه. لأنه يرى في المعادلة مسألة واحدة ولا يقرأ المصالح من جهتين. فالجلبي يظن أنه استخدم أميركا لغايات خاصة بينما واشنطن تعتبر أنها استخدمت الجلبي لمصالحها الخاصة وانتهت وظيفته عند هذا الحد وبات بإمكانها الاستغناء عنه واستخدام غيره. والجلبي يظن أن أميركا نفذت خطته وأنه الآن بالإمكان الاستغناء عنها ومطالبتها بالانسحاب، بينما أميركا ترى أن الجلبي نفذ خطتها وأنها بعد أن نجحت في تحقيق أهدافها العامة تستطيع الاستغناء عن الأدوات ورميهم خارج القرار السياسي.

سؤال «من استخدم من» لا يحتاج إلى الكثير من التفكير. فالقوى الكبرى دائما تحتاج إلى قوى محلية تبرر أعمالها وأفعالها وتغطي طموحاتها وأهدافها. وما حصل في العراق ليس الأول من نوعه. فدائما القوى الكبرى تتذرع بقوى حليفة وصديقة وتتدخل وتحتل تحت ستار الدفاع عنها وبعدها تبدأ بتثبيت مواقعها مستخدمة بدائل جديدة عن تلك الأوراق التي احترقت خلال موجة الاجتياح والاحتلال.

هناك عشرات الأمثلة يمكن ضربها لتأكيد سذاجة تفكير الجلبي. في فيتنام مثلا تذرعت واشنطن بأنها تدخلت لحماية أصدقاء أميركا والقوى الديمقراطية وحين فشل الاحتلال تفاوضت مع أعداء الولايات المتحدة لتنظيم انسحابها تاركة القوى المتعاملة معها وراء جيوشها الخارجة من المستنقعات. وفي أفغانستان أيضا تكرر المشهد ذاته. فحين تدخل الاتحاد السوفياتي تذرع بأنه يريد حماية «النظام التقدمي» من السقوط وحين قررت موسكو الانسحاب تركت الأرض للمجاهدين ولم تكترث كثيرا لدعوات «الرفاق». وفي لبنان حصل الأمر نفسه إذ اجتاح ارييل شارون البلاد بذريعة حماية «حدوده الشمالية» والدفاع عن «أعداء أعدائه» وحين استوطن بدأ يتخلص من أدواته.

هناك قوانين في السياسة ويبدو أن الجلبي أخطأ في حساباته حين نظر إلى المعادلة من جانب واحد لا من جانبين. فالسياسة في النهاية مصالح وليست صداقات وعداوات والأكفأ في خدمة مصلحة الدولة الكبرى (المعتدية أو المحتلة) يكون له حظوة في الإدارة أو الواجهة المحلية.

هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى فهي الأهم. وهي تلك المتعلقة بالجهة التي يتفاوض معها الاحتلال تمهيدا للانسحاب. فالمحتل حين يقرر الانسحاب لا يتفاوض مع المتعامل أو القاعد بل مع المقاوم. فمن يقاوم يفاوض. وهذا ما حصل في فيتنام ولبنان ويرجح أن يحصل في العراق. هذه هي قواعد السياسة وهي لا ترحم.

فالجلبي من أدوات اللعبة... ونهاية اللعبة لن ترحمه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 625 - السبت 22 مايو 2004م الموافق 02 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً