التكنولوجيا الغربية هذه المرة دخلت السجون العراقية الواقعة تحت رحمة الاحتلال فكشفت لنا صورا مخزية تدل على بشاعة صورة ذلك الأميركي الذي راح سنين وهو يبشر للعالم بديمقراطيته. مجموعة من الشواذ والعنصريين ممن يعانون من عقد السادية راحوا يعذبون العراقيين... البعض يقول هم مجموعة... والحقيقة هي أنهم ليسوا كذلك بل هم مجموعة مصغرة وعينة مقتطعة مما وصل إليه حال الضعف الروحي والخواء الإنساني للمجتمع الأميركي. انظر كتاب «هل ستسقط أميركا كما سقط الاتحاد السوفييتي؟».
هذه هي الصورة الحقيقية للأميركان، لا رحمة، لا إنسانية، لا قيم ولا مبادئ. لقد قدموا للعالم وعلى طبق من ذهب الصورة الحقيقية لديمقراطيتهم التي مازالوا يعزفونها. فمِنْ قتْل الهنود الحمر إلى غوانتنامو إلى سجن أبوغريب. ذلك ليس غريبا فتاريخهم يشهد على وحشيتهم. هناك كتاب يتكلم عن التاريخ الوحشي والإبادات الجماعية لما كانت ترتكبه أميركا في حق كل من يختلف معها تاريخيا وحاضرا وهو كتاب قيّم يستحق القراءة وهو يقربنا إلى الصورة الحقيقية لهؤلاء.
لا أظن أن هناك إنسانا يمتلك ذرة من الإحساس لم تؤثر فيه تلك الصورة الوحشية والبشعة واللاإنسانية لما جرى على السجناء العراقيين في سجن أبوغريب.
لقد عرَّوا السجناء، أرغموهم - كما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أخيرا - على شرب الخمر وأكل الخنزير... يضعون المسدس في آذانهم ويقومون بمنع السجين من النوم أشهرا، العبث والاعتداء الجنسي على السجناء، وأعتقد أن الصور تغنينا عن التعليق.
المخابرات الأميركية تسمع دبيب النمل إذا ما أرادت أن تسمع، ولكنها هذه المرة تقول انه ليس لها أي علم بكل ما جرى، وبوش تفاجأ فتأثر وأسِف لما جرى. وهكذا هي الأسطوانة كما قال علي (ع) في وصف المنافقين «فالمعروف عندهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا».
إن الوضع في العراق وضع خطير. وهذا الانفلات الأمني لابد أن له تداعياته ولاشك أن له تأثيرا على دول الجوار. وأميركا كما جعلت من صدام شبحا تخوف به الجيران كذلك ستعمد إلى طريقتها واستراتيجيتها القديمة الجديدة سياسة «اللاحرب واللاسلم» لتمسك بكل الخيوط وحتى يبقى وجودها له ما يبرره والدليل رفضها التفاوض مع ما دعت إليه الأحزاب والمرجعيات في النجف قبل الدخول في المواجهة في النجف وكربلاء.
إن خصوم أميركا في ازدياد وهي دخلت مستنقعا عراقيا عجز عن الامساك بكل خيوطه كل من حكموا العراق وها هي تتحرش بسورية وإيران وكل يوم توقظ لها تنينا آخر... بالأمس داهمت مقر ومنزل صديقها المدلل أحمد الجلبي ساعية لتقليم أظافر كل من يفكر فضلا عن أن يخرج من بيت الطاعة الأميركي. ولعل الجلبي ظن أن دخول الحمام زي خروجه - على حد تعبير المصريين - ولم يضع في خلده أن بعد أكل الجزرة (كل الجزرة) لا يمكن الا أن تأتي العصا وجاء دورها.
الدول العربية لن تغير شيئا بعقد القمة المقبلة فهي أصبحت كسيارة الاسعاف لا تأتي إلا بعد وفاة المصاب... ان كانوا جادين لتدارك خطر الواقع الذي نعيشه فعليهم أولا بإصلاح البيت وإشراك الجماهير في صوغ القرار السياسي وتوزيع الثروة بأسلوب عادل وإلا فستكون كل المساعي مجرد بالونات منتفخة، فالعملية تصبح كمن يريد أن يقنعك بأن في مقدوره أن يمسك الهواء
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 624 - الجمعة 21 مايو 2004م الموافق 01 ربيع الثاني 1425هـ